الوقت - شهد الأردن منذ بداية العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة مئات المظاهرات والفعاليات الشعبية في العاصمة عمان ومعظم محافظات المملكة، وشهد محيط السفارة الإسرائيلية منذ بداية العدوان، وبصورة يومية، وقفات ومسيرات جماهيرية حاشدة، للمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي من عمان، واستدعاء السفير الأردني من تل أبيب، كما حاول آلاف المتظاهرين الوصول إلى سفارة الاحتلال لكن قوات الأمن منعتهم بالقوة، ما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف المواطنين.
ونتيجة الضغط الشعبي، أعلنت الحكومة الأردنية، الأربعاء الماضي، استدعاء السفير الأردني في "إسرائيل" إلى الأردن فورا، وطلبت من تل أبيب عدم إعادة السفير الإسرائيلي الذي غادر المملكة سابقا.
وجاء في قرار نائب رئيس الوزراء ووزير الخارجية وشؤون المغتربين أيمن الصفدي، الأربعاء، أن القرار الأردني يأتي “تعبيرا عن موقف المملكة، الرافض والمدين للحرب الإسرائيلية المستعرة على غزة، والتي تقتل الأبرياء، وتسبب كارثة إنسانية غير مسبوقة، وتحمل احتمالات خطرة لتوسعها، ما سيهدد أمن المنطقة كلها، والأمن والسلم الدوليين”.
وبيّن الصفدي أن عودة السفراء ستكون مرتبطة بوقف "إسرائيل" حربها على غزة، ووقف الكارثة الإنسانية التي تسببها، وكل إجراءاتها التي تحرم الفلسطينيين حقهم في الغذاء والماء والدواء، وحقهم في العيش الآمن والمستقر على ترابهم الوطني.
وتعليقاً على استدعاء السفير، قال عضو مجلس النواب الأردني موسى هنطش، إن الاحتلال يشن حرباً شعواء على الشعب الفلسطيني، واستدعاء السفير خطوة في الاتجاه الصحيح حتى وإن جاءت متأخرة، وهي تمثل الحد الأدنى من الموقف.
وأضاف: في الأردن الضغط الشعبي قوي جداً، وهناك مساحة مسموحة للحركة وإقامة الفعاليات المتضامنة مع غزة، ومنذ أول يوم طلبت القوى الشعبية ومجلس النواب من الحكومة استدعاء السفير الأردني وطرد سفير دولة الاحتلال من عمّان.
وأشار إلى أن هناك العديد من المطالب المتعلقة بإلغاء الاتفاقيات (وادي عربة والغاز)، وكذلك إعادة التجنيد الإجباري لحماية الأردن وحفاظاً عليه، وخصوصاً في ظل أطماع الاحتلال.
وتابع: الأردن وفلسطين تاريخياً بلد واحد، والكثير من الفلسطينيين لديهم جواز أردني، مضيفاً: إن جرائم العدو سرّعت باتخاذ هذه الخطوة.
من جهتها وصفت رئيسة الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الأردن الدكتورة رولى الحروب الخطوة الحكومية بأنها “متأخرة وغير كافية، ودون المستوى المطلوب”.
وأشارت الحروب إلى أن “الأردن كان يُتوقع منه منذ اللحظة الأولى لبدء العدوان على قطاع غزة الاستجابة للمطالب الشعبية بطرد السفير الإسرائيلي، ولا سيما أن الاحتلال لم يستجب للطلب الأردني بوقف العدوان على غزة، وفتح ممرات آمنة للمدنيين، وبالتالي هذه الخطوة كان يجب أن تتم قبل 26 يوما من الحرب على غزة”.
ورأى القاضي العشائري الشيخ طراد الفايز أن الخطوة التي أجرتها الحكومة الأردنية “جريئة ومتقدمة”، وقال “لدينا أوراق قوة في الأردن يجب أيضا التلويح بها، للضغط على الاحتلال لوقف عدوانه على قطاع غزة، من ذلك أن لدينا أطول حدود مع فلسطين المحتلة، تتجاوز 600 كيلومتر”، كما طالب بإلغاء اتفاقية وادي عربة للسلام الموقعة بين الأردن و"إسرائيل" عام 1994، وقال “لتذهب اتفاقية وادي عربة إلى الجحيم”.
وبصورة متفائلة، أكد رئيس كتلة الإصلاح النيابية صالح العرموطي أن عمّان قامت بخطوة “إيجابية وضرورية”، وأضاف “ما قامت به الحكومة يعتبر واجبا قوميا وإسلاميا، وانتصارا للحق الفلسطيني، واستجابة لنبض الشارع الأردني”.
وأشار النائب العرموطي إلى أن “المطلوب طرد السفير بصورة نهائية، وليس عودته وفق شروط تتعلق بوقف العدوان على غزة، وإنما قطع كامل للعلاقات مع الاحتلال، وبغير ذلك فإن الأمر سوف يسيء للأردن ونظامه”.
وقال رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية خالد شنيكات، إن هذه الخطوة الدبلوماسية تشير إلى تدهور العلاقات بين الأردن و"إسرائيل"، وهي جزء من الاحتجاج على الحرب على غزة.
ورأى أن الأردن لن يخرج عن إطار العمل السياسي والدبلوماسي في جميع الأحوال، وسحب السفير واحد من الخطوات القوية في هذا الاتجاه، وربما تتبقّى بعض الخطوات التي من الممكن أن يتخذها الأردن، حسب التطورات في غزة، ومنها وقف التعاون الاقتصادي بين الطرفين، وربما يصل الأمر إلى وقف التعاون الأمني، على الرغم من ضرورة التعاون بين الطرفين فيما يتعلق بتمرير المساعدات ومرور الفلسطينيين عبر جسر الملك حسين (الكرامة) والتي لها أبعاد إنسانية تتعلق بالشعب الفلسطيني.
وأوضح أن الخطوات المستقبلية مرتبطة بتطورات الأوضاع خلال الأيام المقبلة، وربما تكون هناك خطوات أكبر إذا حدث تدهور أمني في الضفة الغربية.
لن يُخمِد استدعاء السفير الأردني في تل أبيب، غسان المجالي، المشاعر الشعبية المتأججة والمطالب العارمة في الأردن بقطع العلاقات مع الاحتلال وإلغاء معاهدة "وادي عربة" (اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل) والاتفاقيات الاقتصادية الموقّعة، وفتح الحدود أمام الراغبين في نصرة إخوانهم في فلسطين، لكن هذه الخطوة لبّت جزءاً من المطالب الشعبية في مواجهة جرائم الحرب والإبادة الجماعية التي تقترفها ماكينة الحرب الإسرائيلية في غزة.
ويرى الأردنيون بصورة عامة أن المطلوب اليوم إلغاء اتفاقية "وادي عربة" وجميع الاتفاقيات الأخرى، فالاحتلال لا مواثيق وعهود له، ومن الواضح أن الصراع هو صراع وجود وليس حدود وما يحدث في غزة يؤكد نظرتهم للعرب، فعندما يخرج الشعب الأردني في تظاهرات حاشدة وينفذ وقفات شعبية فهو يحث الحكومة على اتخاذ مواقف قوية، فلولا الحراك الشعبي لما كان من السهل على الحكومة اتخاذ قرار استدعاء السفير.
خطوة الحكومة الأردنية الأخيرة تحتاج إلى خطوات أخرى استجابة للإرادة الشعبية، وموقف أكبر في ظل المجازر التي تحدث على غزة، فإذا استطاع الاحتلال تحقيق أهدافه في غزة، فربما يكون الدور المقبل على الأردن أو أي دولة عربية أخرى، لذلك الأمر المطلوب موقف قوي تجاه العدوان على غزة.