الوقت- تحدثت الكثير من المواقع أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس يترأس اجتماع الفصائل الفلسطينية في العاصمة المصرية القاهرة، نقلاً عن مسؤول فلسطيني، وذلك في ظل الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة ضد فلسطين وشعبها، وجرائم الإبادة التي تنفذها الآلة العسكرية للكيان الإسرائيلي، حيث يبدو أنّ الفصائل الفلسطينيّة تراجعت عن قرارها الرافض للقاء السلطة الفلسطينية التي يرأسها شكليّا عباس، وقد تحدثت وسائل الإعلام العربية بكثرة قبل مدّة، عن موقف حماس والجهاد الإسلامي الذي كان رافضاً للمشاركة باجتماع القاهرة الذي دعت إليه السلطة، والذي بات ينظر إليها من جميع الفلسطينيين على أنه أداة مساندة للاحتلال الذي يرتكب مجازر حرب مستمرة ضد أبناء هذا البلد، ومن الواضح أن الفصائل الفلسطينية تسعى نحو هدف تحقيق الوحدة الوطنية بين كل الفصائل والتجمعات الفلسطينية المنتشرة في أماكن مختلفة.
اجتماع جامع
لا أحد يستطيع أن ينكر العلاقات الاستراتيجية التي ترتبط رام الله وتل أبيب، رغم كل الهراء الإعلامي الواهي الذي يتحدث به المسؤولون في حركة فتح"، لكن يبدو أن الفصائل الفلسطينية ستضع السلطة في "زاوية"، لإثبات حضورها في مواجهة الكيان وليس العكس، بعد أن كشفت مصادر فلسطينية رفيعة المستوى لوسائل إعلام عربية قبل أيام، أن موقف حركتي ”الجهاد الإسلامي” و “حماس” من دعوة الرئيس عباس إلى اجتماع في العاصمة المصرية القاهرة على مستوى الأمناء العامين للفصائل خلال الأيام القادمة، كان الرفض القاطع، وجاء الموقف الرافض للمشاركة في الاجتماع الفلسطيني حينها، لأن السلطة ربما كانت تسعى إلى الهروب من واقعها المأساوي وشعبيتها المفقودة في الشارع والذل والهوان الذي وصلت إليه وخاصة مؤخراً، لكن لم تشر المعلومات إلى التفاصيل الدقيقة التي غيرت الموقف الفلسطيني من لقاء السلطة.
وتشير المعلومات التي تحدث عنها المسؤول الفلسطيني، إلى أنّ الرئيس الفلسطيني سيترأس اجتماع الأمناء العامين للفصائل الفلسطينية المقرر لأول مرة منذ عدّة سنوات في القاهرة الأسبوع القادم، وأوضح عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واصل أبو يوسف، للصحفيين في مدينة رام الله التي تعتبر مقر السلطة الفلسطينية، أن تشكيل "حكومة وحدة وطنية فلسطينية، سيكون في صدارة ملفات البحث خلال الاجتماع الذي سينطلق بخطاب شامل لمحمود عباس، وبين أبو يوسف أنه من المقرر أن يركز عباس في افتتاح اجتماع الفصائل على ضرورة الارتقاء إلى مستوى التحديات التي تواجه فلسطين عبر تعزيز وحدة الموقف الوطني ونبذ الخلافات الداخلية فيما بينهم، وأكّد على التطلعات بشأن مخرجات اجتماع الفصائل بوضع ما أسماها "آليات عملية" لتوحيد الصف الداخلي الفلسطينيّ وتحقيق الوحدة الوطنية بإنهاء الانقسام فيما بينهم، وتوجيه كل الجهود باتجاه مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
انقسامات تاريخية
تاريخيا، عانت الوحدة الفلسطينية من انقسامات سياسية بين الفصائل الفلسطينية المختلفة، ما أثر على قدرتها في مواجهة التحديات الكبيرة التي تواجهها، بما في ذلك الصراع مع كيان الاحتلال الإسرائيلي والسعي لإنهاء الاحتلال وتحقيق نصر فلسطيني جامع، ويلعب فصيلان سياسيان فلسطينيان رئيسيان دورًا مهمًا في جهود الوحدة الفلسطينية، أولا فتح: تأسست عام 1965 بقيادة الراحل ياسر عرفات، وتعتبر حركة فتح أكبر وأقدم فصيل فلسطيني وقادت تاريخياً منظمة التحرير الفلسطينية، وثانيا حماس: تأسست عام 1987 خلال الانتفاضة الأولى (الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي)، حماس هي حركة إسلامية فلسطينية ظهرت كمنافسة لفتح، وسيطرت على قطاع غزة سياسيا بعد الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.
وإن الجهود المبذولة لتحقيق الوحدة الفلسطينية مستمرة منذ سنوات عديدة، مع العديد من المحاولات والاتفاقيات للمصالحة بين فتح وحماس، ومع ذلك، فقد شكلت الانقسامات الداخلية، والأيديولوجيات السياسية المختلفة، والتعقيدات الإقليمية تحديات أمام تحقيق جبهة فلسطينية موحدة بالكامل، فالوحدة الفلسطينية هي هدف سياسي ووطني مهم للفلسطينيين، حيث يسعون للتوافق والتعاون بين جميع الفصائل والأطياف السياسية الفلسطينية، سواء كانوا داخل فلسطين التاريخية أو في الشتات (المناطق المجاورة)، وتحقيق الوحدة الفلسطينية يهدف إلى تعزيز قوة الصراع الوطني الفلسطيني وتمكين الشعب الفلسطيني لمواجهة التحديات الكبيرة التي تواجههم، مثل الاحتلال الإسرائيلي والحصول على حقوقهم الوطنية.
وفي السابق، تم توقيع العديد من اتفاقيات المصالحة والوحدة بين فصائل فلسطينية مختلفة، ومنها اتفاق مكة في 2007 واتفاق القاهرة في 2011 والمصالحة المبيتة في 2017، ومع ذلك، فإن التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية الكبيرة تظل تعيق تحقيق الوحدة الفلسطينية الكاملة، وقضية الوحدة الفلسطينية تتعلق أيضًا بالجهود الدولية والإقليمية، حيث يسعى العديد من المجتمعات الدولية والمنظمات الإقليمية إلى دعم هذا الهدف وتشجيع الفصائل الفلسطينية على التوصل إلى اتفاق يعزز الوحدة والتضامن الفلسطيني، ويظل تحقيق الوحدة الفلسطينية تحديًا كبيرًا، ولكن الأمل ما زال حيًا في أن يتمكن الفلسطينيون من التغلب على العقبات وتحقيق الوحدة والتماسك لمواجهة التحديات القادمة.
ولا شك أن الوحدة الفلسطينية تظل هدفًا مهمًا وضروريًا للفلسطينيين، حيث تهدف إلى تجاوز الانقسام السياسي والتوافق على مستقبل واحد يمثل مصلحة الشعب الفلسطيني بأكمله، والتوحيد الفلسطيني يسعى إلى تحقيق تماسك داخلي قوي يمكنه من مواجهة التحديات العديدة التي تواجه الشعب الفلسطيني في سبيل تحقيق حقوقهم وإعادة دولتهم المسلوبة، من أجل تحقيق الوحدة، يلعب الحوار والتفاوض دورًا حاسمًا بين جميع الفصائل الفلسطينية، ويتطلب الأمر التنازل عن بعض الاختلافات والمواقف السياسية وخاصة من فتح، والتركيز على ما يجمع الفلسطينيين بدلاً من ما يفصلهم، كما أن تأمين الدعم من المجتمع الدولي والدول الإقليمية يعتبر عنصرًا أساسيًا في رحلة تحقيق الوحدة ودعم العملية السياسية الفلسطينية.
ومن الأمور المهمة التي قد تساهم في تعزيز الوحدة الفلسطينية الالتزام بالحوار والتفاوض بشكل بناء وجاد، والرغبة في تجاوز الاختلافات والمضي قدمًا نحو تحقيق مصلحة الشعب الفلسطيني بأكمله، إضافة إلى دور القيادة الحكيمة والواعية في دعم الجهود الوحدوية، وتأمين الدعم الدولي والإقليمي لعملية التوحيد والسعي للحصول على دعم مجتمعي وسياسي قوي، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجه الوحدة الفلسطينية، فإنها تبقى هدفًا ضروريًا وممكنًا، من خلال التضافر والتعاون، يمكن للفلسطينيين بناء مستقبل أفضل والعمل نحو تحقيق أهدافهم الوطنية والتحررية.
أهم معوقات المصالحة
هناك عدة معوقات تعوق تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، ومن بين هذه المعوقات، الانقسام السياسي حيث يعتبر الانقسام بين حركة فتح وحركة حماس أحد أبرز العوائق، وتسيطر حركة فتح على المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية، بينما تسيطر حماس على قطاع غزة. هذا الانقسام يجعل من الصعب تحقيق التوافق واتخاذ قرارات وطنية موحدة، إضافة إلى الاختلاف الفكري والإيديولوجي حيث تختلف الفصائل الفلسطينية في آرائها ومواقفها بشأن مسائل حاسمة مثل الاعتراف بكيان الاحتلال، والمقاومة، واستراتيجية التحرير، هذه الاختلافات الفكرية تجعل من الصعب قليلا تحقيق التوافق والوحدة دون تنازلات من حركة فتح.
أيضاً، القضية القومية والحدود، هناك توافق داخل الفلسطينيين بشأن تحقيق دولة فلسطينية ذات سيادة على التراب الفلسطيني المحتل، ولكن هناك اختلافات حول مدى التنازل عن المطالب القومية الأخرى والحدود، ناهيك عن التدخلات الإقليمية حيث تتأثر القضية الفلسطينية بالتدخلات الإقليمية، حيث تسعى بعض الأطراف الدولية المعروفة لتعزيز مصالحها وتأثيرها من خلال دعم حركة فتح دوناً عن كل الفصائل الفلسطينية لتحقيق مصالحها مع تل أبيب، وهذا يزيد من تعقيد الوضع ويجعل من الصعب تحقيق الوحدة، ويضاف إلى ذلك الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، حيث يعاني الفلسطينيون من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة، وهذه الظروف الصعبة يمكن أن تؤدي إلى تصاعد التوترات وتعكر العلاقات بين الفصائل، في وقت يواجه الفلسطينيون تحديات من قبل الاحتلال الإسرائيلي، والذي يواصل بناء المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة وتنفيذ سياسات الاحتلال الدموية والتمييزية والاعتقالات الجماعية والإبقاء على عملاء الاحتلال في السلطة، وهذه السياسات تؤثر على محاولات تحقيق الوحدة والمصالحة بين الفلسطينيين، وهذه بعض المعوقات الرئيسية التي تعترض تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، ويجب التوصل إلى تفاهم وحوار بناء لتجاوز هذه المشكلات والعمل نحو تحقيق الوحدة وتوحيد الصف الفلسطيني في مواجهة التحديات المشتركة.
تعاونٌ خطير مع تل أبيب
يُعَدُّ تعاون تل أبيب مع الاحتلال الإسرائيلي والاتفاقات الأمنية بينهما من أهم المعوقات التي تحول دون تحقيق الوحدة بين الفلسطينيين، وهذا التعاون والتنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" اللذين يُعتَبران مصدرًا للتوتر والاحتقان بين الفصائل الفلسطينية وقد يؤثران بشكل سلبي على الجهود الرامية لتحقيق الوحدة الوطنية، وإن التعاون الأمني بين سلطة الفلسطينية وتل أبيب ينصب في الأساس على تبادل المعلومات والتنسيق الأمني لمواجهة المقاومين ضد الاحتلال، ويرى البعض أن هذا التعاون يخدم مصالح العدو بحماية أمنه، ويضع السلطة الفلسطينية في مواجهة أبناء الضفة الغربية.
أيضاً، يعتبر الفلسطينيون موقف السلطة الفلسطينية المتعاون مع الاحتلال خيانة للقضية الفلسطينية وأنه يساعد على استمرار الاحتلال وقمع المقاومة الفلسطينية، وتؤكد هذه الفصائل على أن التعاون الأمني يؤدي إلى مصادقة ودعم الاحتلال ويعطي الاحتلال غطاء دوليا لأفعاله ضد الفلسطينيين، وبشكل عام، فإن هذه التنسيقات والاتفاقات تزيد من التوتر بين الفصائل الفلسطينية المختلفة وتجعل من الصعب تحقيق التوافق والوحدة بينها في مواجهة القضايا الوطنية المهمة، لذلك، يظل التعاون مع الاحتلال والاتفاقات الأمنية محط انتقاد وجدل داخل الساحة الفلسطينية، التي تعيش انقساماً كبيراً نتيجة لذلك، وإنّ نجاح هذا الاجتماع مرهون بمدى رغبة السلطة على مواجهة الاحتلال وجرائمه.