الوقت - لم يتضح بعد من الذي أرسل الطائرتين المسيرتين اللتين اصطدمتا بالكرملين يوم الأربعاء الماضي.
هناك مجموعة كبيرة من الاحتمالات: الأوكرانيون الذين يعملون لحساب حكومة كييف من داخل روسيا؛ أو الجماعات المؤيدة لأوكرانيا والمناهضة لبوتين، مثل تلك التي يعتقد أنها قتلت داريا دوجينا، ابنة القومي الروسي ألكسندر دوغين، الصيف الماضي؛ أو كما يزعم الغربيون بوتين نفسه من خلال الانخراط في عملية "راية كاذبة".
حاليًا، لا توجد إجابة نهائية وإجماع حول هذا الحدث، لكن ما نعرفه هو أن رواية الروس، وخاصةً فيما يتعلق بإصرار موسكو على التخطيط والتحضير لهذا الهجوم من قبل البيت الأبيض، يمكن أن تحدث تغييرات مهمة في المعادلة الاستراتيجية للحرب.
في الواقع، الآن أهم جانب من جوانب الحادث ليس من أرسل المسيرتين، لكن الجانب الأكثر أهميةً في الأمر هو الانطباع الذي بات لدی الكرملين، وكيف سيكون رد فعله؟
القضية التي دفعت السلطات الأمريكية إلى رفض أي تورط في القضية، وكما قال جون كيربي، منسق الاتصالات الاتراتيجية في مجلس الأمن القومي، لـ MSNBC يوم الخميس: "يمكنني أن أؤكد لكم أن الولايات المتحدة لم تكن متورطةً. ومهما كان الأمر، فنحن لم نتدخل".
إن محاولة اغتيال القادة السياسيين للأعداء أمر قد يبدو كهدف واضح في الحروب، لكن في الواقع الأمر ليس كذلك، واغتيال القادة السياسيين دائمًا ما تكون له عواقب مهمة، وهو ما يجب القيام به من خلال دراسة مختلف جوانب القضية بعناية، وخاصةً اغتيال زعيم شهير لواحدة من أقوى دول العالم التي تمتلك أسلحة نووية.
لذلك، تطرح الأسئلة التالية حول تصميم خطة اغتيال بوتين: ما الافتراضات التي وضعها مخططو هذا الهجوم فيما يتعلق بردود فعل موسكو المحتملة على اغتيال بوتين، وآثارها على ساحة المعركة؟
وثانيًا، هل كان لدى مصممي هذا الهجوم تقدير لنتائج الفشل في هذا الهجوم أم لا؟ وما هو السيناريو الأكثر بروزًا من الإجابات على هذه الأسئلة؟
هل ستنتهي الحرب إذا رحل بوتين؟
من المؤكد أن خطة اغتيال بوتين، بغض النظر عن قدرة أوكرانيا أو أمريكا على تنفيذها، يجب أن تؤخذ من منظور تأثيرها على الحملة العسكرية الروسية في أوكرانيا.
قد تكون النظرة المتفائلة لكييف والغرب هي أنه بعد اغتيال بوتين، سيكون هناك خلاف بين القادة الجدد ونظام صنع القرار الروسي فيما يتعلق باستمرار الحرب وأهدافها الاستراتيجية، ونتيجةً لذلك، سيترك الوضع السياسي المتوتر في نهاية المطاف آثاره السلبية على آلة الحرب الروسية، وقدرتها على المساومة على طاولة المفاوضات.
هذه الفكرة بعيدة كل البعد عن الواقع، لأنه بالإضافة إلى حقيقة أن معظم القادة السياسيين والأحزاب الروسية المختلفة، يتفقون حاليًا مع الخطوط العريضة العامة لاستراتيجية بوتين في أوكرانيا، حتى استطلاعات الرأي التي نشرتها وسائل الإعلام الغربية، تظهر أن غالبية المواطنين الروس يؤيدون الحرب في أوكرانيا.
على سبيل المثال، كتبت مجلة التايمز الشهيرة في أغسطس 2022 بالإشارة إلى نتائج استطلاع مركز ليفادا: "ما يبدو أنه لم يتغير هو الرأي العام الروسي، حيث يدعم أكثر من ثلاثة أرباعه "العمليات العسكرية الخاصة" في أوكرانيا، كما أن نسبة تأييد بوتين مرتفعة بالمثل عند 83 بالمئة".
لذلك، من الواضح أن قضية الحرب في أوكرانيا بالنسبة للسياسيين والهيئة الحاكمة والرأي العام في روسيا، هي قضية عابرة للأحزاب وقومية وليست قرارًا شخصيًا، وحتى مع رحيل بوتين، لن يكون هناك انقسام سياسي واسع حول الأهداف الاستراتيجية للحرب، وإضعاف كبير للحملة العسكرية الروسية.
زيادة احتمالية قتل زيلينسكي
التأثير الآخر المحتمل لخطة اغتيال بوتين، هو اتخاذ تدابير مضادة وإدراج خيار القضاء الجسدي على زيلينسكي في قائمة الأهداف العسكرية لموسكو.
بعد حادثة الأربعاء الماضي، قال نائب رئيس مجلس الأمن الروسي دميتري ميدفيديف: "لم يتبق خيار آخر سوى التصفية الجسدية لرئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي مع زمرته".
في غضون ذلك، أعلن الروس مرارًا وتكرارًا أنه لا يوجد قرار بقتل زيلينسكي، وحتى في وقت سابق، زعم رئيس الوزراء السابق للکيان الصهيوني، نفتالي بينيت، في فبراير من العام الماضي، أنه خلال زيارته لموسكو في بداية حرب أوكرانيا، أكد له بوتين أنه على الرغم من معرفته بمكان وجود فلاديمير زيلينسكي، إلا أنه لا ينوي القضاء عليه جسديًا.
ويتسبب هذا الموقف الآن في قيام زيلينسكي بالسفر بحذر شديد داخل أراضي أوكرانيا، أو حتى يقرر قضاء المزيد من الوقت خارج البلاد.
اتساع نطاق الهجمات الروسية وتعميق الانقسامات الداخلية في كييف
من ناحية أخرى، فإن تصعيد التوتر وتوسيع نطاق الصراع إلى أجزاء أكثر من أوكرانيا وحتى خارج أوكرانيا، هو احتمال ذكره المراقبون الدوليون.
بعد يوم واحد فقط من الكشف عن هجوم الطائرات المسيرة، أعدّ الروس هجمات مكثفة ضد البنية التحتية العسكرية والاقتصادية لأوكرانيا، وهم يعلنون تصعيد هذه الهجمات في الأيام والأسابيع المقبلة.
هذا في حين أنه حتى الآن، تسبب تدمير البنى التحتية والتكاليف البشرية والمادية الضخمة الأخرى للحرب، في عدم الرضا والعديد من الانتقادات لسياسة كييف والحكومات الغربية التي تدعمها، لأنها على الرغم من حقيقة أنه لا يوجد احتمال لهزيمة روسيا، إلا أنها ما زالت تصر على عدم قبول خطط السلام المختلفة.
حتى أن الانتقاد المتزايد لمواطني الدول الأوروبية والأمريكية بشأن التكاليف الباهظة لحرب أوكرانيا المفروضة على دافعي الضرائب في هذه البلدان، أصبح ذريعةً لأحزاب المعارضة في هذه البلدان، الذين يدعون إلى سياسات أكثر واقعيةً لإنهاء الحرب إذا وصلوا إلى السلطة.
بطبيعة الحال، الآن أيضًا وبعد فشل الخطة غير الناضجة لاغتيال بوتين وذريعة روسيا لتكثيف الهجمات على أوكرانيا، سيزداد الاستياء من زيلينسكي، وخاصةً داخل الجيش الأوكراني، ويبدو أن سيناريو إقالته من السلطة أكثر احتمالاً مما كان عليه في الماضي.
السيناريو المحتمل
من إجمالي ما قيل حول تأثيرات محاولة اغتيال بوتين، فإن السيناريو الأكثر بروزًا هو أن استراتيجيي البيت الأبيض، مع تقديرات وكالات المخابرات والأمن بشأن عجز كييف عن هزيمة روسيا في الحرب، يبحثون عن طريقة لاستبدال صورة انتصار موسكو المتواضع من خلال المفاوضات السياسية، بواقع انتصار هائل في المجال العسكري.
وفي هذه العملية، يمكن أن يؤدي إزالة زيلينسكي إلى الإضرار بصورة روسيا في نظر الرأي العام العالمي بشكل أكبر، كما سيتم فتح عقدة المفاوضات في كييف.