الوقت_ مؤخراً، ناقشت وسائل إعلام إسرائيلية مخاوف الاحتلال الصارخة من التقارب السوري الخليجي، مؤكدة أن هذا التطور لا يبشر بالخير لـ "إسرائيل" ، وخاصة في ظل تحسن العلاقات بين إيران والدول الخليجیة، حيث أشار معلق الشؤون العربية في قناة “كان” الإسرائيلية، روعي كايس، إلى إنّ التقارب في العلاقات بين الرئيس السوري بشار الأسد والدول الخليجية، يمكن أن “يُشكل فرصة للتأثير عليه وتغيير سياسته" على حد تعبيره، كما ركّزت صحيفة “معاريف” الإسرائيلية، على عودة سوريا إلى التقارب مع بعض الدول العربية واصفة ذلك بـ”الشرق الأوسط الجديد”، وتحدثت عن دعوة الرياض الرئيس السوري بشار الأسد لحضور قمة الجامعة العربية التي ستعقد على أراضيها في أيار/مايو المقبل، ما ينهي "التهميش السياسي لسوريا بين الدول العربية "، والذي بدأ مع اندلاع الحرب في البلاد عام 2011.
انزعاجٌ إسرائيليّ كبير
“تطور مهم في إعادة العلاقات بين سوريا والدول العربية" هذا ما تحدث به الإعلام الإسرائيليّ عن مُشاركة الرئيس السوري في قمة جامعة الدول العربية عقب أكثر من عقد، ما يعكس بلا شك تغيراً كبيراً في الموقف الإقليميّ والعربيّ تجاه سوريا، حيث تتقارب العلاقات العربية مع دمشق بشّدة منذ تقديم عدد من الدول العربية دعمها لسوريا في أعقاب الزلزالين اللذين ضربا أجزاء من البلاد في 6 فبراير، وهذه الخطوات مثلت محاولة حقيقية من قبل تلك الدول لإعادة بناء العلاقات مع الدولة التي مزقتها الحرب، حيث إن دول الشرق الأوسط تركز الآن على إعادة بناء اقتصاداتها بعد سنوات من الصراع والفوضى التي خلفتها القوى الخارجية، بما في ذلك فشل المعارضة في سوريا في تقديم بديل قابل للتطبيق لحكومة الأسد، وباعتبار أن القوى الخارجية خلقت الكثير من الفوضى في الشرق الأوسط، تحاول دول الشرق الأوسط في فضائها الخاص بوسائلها الخاصة بناء اقتصاداتها، وفهمهم ولو متأخراً أن عزل سوريا "لم يكن مجديًا" وأن الحوار مع دمشق كان ضروريًا في مرحلة ما على الأقل لمعالجة القضايا الإنسانية وعودة اللاجئين.
وفي تعليق الإعلام العبريّ على زيارة وزير الخارجية السوري فيصل المقداد للعاصمة المصرية، وتأكيدهم أنّ الزيارة تهدف إلى وضع خطوات لعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية بوساطة مصر والسعودية، وكان هذا واضحا منذ أن قدمت الدولتين - حليفتي الولايات المتحدة في الشرق الأوسط- مساعدات من الزلزال إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في سوريا، ما يعني تطبيق ما تحدث به وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود الذي سيزور سوريا قريباً حول أن العالم العربي بحاجة إلى نهج جديد تجاه سوريا، مع تنامي الإجماع في العالم العربي على أن عزل سوريا "لم يكن مفيداً" وأن الحوار مع الأسد بات ضروريّاً لمصلحة الجميع.
من ناحية أُخرى، بيّنت صحيفة “إسرائيل اليوم”، أنّ دعوة الرئيس السوري إلى القمة العربية في الرياض، تأتي في ظل تغيير كبير في السياسة الخارجية للسعودية، ما يعزز علاقاتها مع الصين وتجدد العلاقات مؤخراً مع الإيرانيين، ولا يبدو أنّ الإسرائيليين راضون على كل هذه الملفات التي كان آخرها التقارب العربيّ الكبير مع دمشق، بعد تعليق عضوية سوريا في التنظيم عام 2011، ومقاطعة الدول الغربية والعربية لها نتيجة الاحتجاجات التي حولت العنف إلى حرب من أطراف كثيرة، ومع ذلك فإن هذه العودة إلى التنظيم لن تغير فقط النهج الإقليميّ تجاه سوريا والصراع، ولكن أيضًا تعني مشاركة سوريا في السياسة الإقليميّة الجديدة.
وفي ظل حديث وكالة “رويترز” للأنباء، أنّ ابن فرحان سيتوجّه إلى العاصمة السورية في الأسابيع المقبلة، لتسليم الرئيس السوري دعوةً رسمية لحضور القمة العربية، أوضحت المصادر أنّ خطة السعودية في دعوة الأسد لحضور قمة جامعة الدول العربية التي تستضيفها، هي خطوة من شأنها أن تعيد العلاقات السعودية – السورية التي كانت تحافظ على اتزان كبير تدريجياً إلى سابق عهدها قبل بدء الحرب في سوريا وأحداث ما سميّ "الربيع العربيّ".
ماذا عن أمريكا؟
يبدو أنّ الرغبة العربيّة في إعادة دمشق للعب دورها في المنطقة سبقت أحداث الزلزال، مع الحديث عن أنّ المباحثات الأولية بشأن زيارة وزير الخارجية السعودي، فيصل ابن فرحان، إلى دمشق أو زيارة وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، إلى الرياض، أرجئت نتيجة الزلازل الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط/فبراير الماضي، ما يعني أنّ الشرق الأوسط بالفعل يتحول إلى منطقة تتشكل من خلال الدبلوماسية الإقليمية وليس التطورات الدولية، وإن تواصل الدول العربية مع الرئيس بشار الأسد جزء من ذلك، على الرغم من الرفض الأمريكيّ والغربيّ والإسرائيليّ، حيث ستؤتي جهود التقارب مع الحكومة السورية أؤكلها بالنسبة للجميع، حتى وإن كانت الولايات المتحدة لا تزال ضد الأسد وستعرقل كل خطوة في سبيل إنجاح التقارب، وإلى اليوم لا نعلم ما مدى قدرة أمريكا على فرض رأيها في المنطقة التي اختارت إعادة سوريا التي ما تزال بعض الفصائل المختلفة تسيطر على أجزائها الغربية بالتعاومن مع تركيا، فيما يخضع الجزء الشمالي الشرقي منها لسيطرة الأمريكيين وبعض القيادات الكردية.
وفي هذا الخصوص، نوّه معهد “ستيمسون” الأميركي للأبحاث، في تقرير نشره مؤخراً، أنّ التقارب السعوديّ – السوريّ هو بمثابة علامة جديدة على التحوط السعودي وفوز للدبلوماسية الروسية، معتبراً أنَّ الاتفاق بين الرياض ودمشق في موسكو يمثل فوزاً كبيراً للسياسة الخارجية الروسية، عقب أسابيع فقط من توسط الصين في اتفاق مماثل بين كلٍ من الرياض وطهران، وأضح مركّز الأبحاث أنّ الحديث عن تخطيط الرياض لإعادة فتح العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، جاء في أعقاب الإعلان عن صفقة بوساطة صينية لتطبيع العلاقات بين السعودية وإيران، ورأى أنّ بالإمكان النظر إلى هذا التطور ضمن سياق دبلوماسيّة الكوارث الطبيعية، وكذلك زيادة التحوط السعوديّ بعيداً من الاعتماد على واشنطن.
وتعكس تغطية الإعلام العبريّ للاتفاق بين إيران والسعودية، قلقاً كبيراً من قبل الإسرائيليين لدرجة وصف ما يجري بأنّه يرسم “خريطة جديدة للشرق الأوسط، وما وراءه"، والدليل الآخر هو ما قاله محلل الشؤون العربية في الصحيفة، تسفي برئِل، حول أنّ الاتفاق يبدّد الحلم الصهيونيّ بإقامة حلفٍ عربيّ – دوليّ ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة، وقد يبعث الحياة في توافقات من أجل اتفاقٍ نووي جديد، وبالتالي فإن حدوث ذلك يعني صعود قوة الصين في المنطقة على حساب الولايات المتحدة التي ما زالت تندّد تارة وتشجب تارة أُخرى أو تؤيّد على مضض.
وعلى هذا الأساس، وبعد سبع سنوات من العلاقات المتوترة بينهما، اتفقت إيران والسعودية على إعادة العلاقات الدبلوماسيّة وإعادة فتح سفارتيهما، في سلسلة من المحادثات التي تمت بوساطة في بكين وبرعاية كبيرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ، وفي الوقت نفسه عكست عدة دول عربية وجهات نظرها بشأن إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، أبرزها الإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر، وقد تطرقت الدول إلى الموضوع من خلال التعبير عن أملها في المستقبل، من ناحية أخرى، أبدت دول مثل الولايات المتحدة وقطر معارضتها لاستئناف العلاقات مع سوريا، مستخدمة وضع حكومة الأسد كذريعة ومطالبتها برؤية تقدم لحل سياسي في البلاد.
في الختام، إذا أبرمت المملكة العربية السعودية وسوريا اتفاقًا ملموسًا واستؤنفت العلاقات، فسيكون ذلك الانتصار الثاني على رغبات الغرب بعد الاتفاق التاريخي الذي وقع في وقت سابق من الشهر الماضي بين المملكة العربية السعودية وإيران، ما يعني تلقي الإسرائيليين والحلف الغربيّ الأمريكيّ صفعة تاريخيّة تعني باختصار "كفاكم فتكاً بشعوبنا، حان الوقت لكي نعيش".