الوقت_ في ظل المساعي الإسرائيليّة المستمرة للجمع بين أكبر عدد ممكن من البلدان التي وقعت على اتفاقيات خيانة فلسطين، من أجل مزاعم "تقوية الروابط وتعميقها"، يمارس البيت الأبيض ضغوطاً كبيرة على الأردن لحضور "مؤتمر النقب 2" في المغرب إلى مستويات غير مسبوقة وعالية جدا حسب تقارير إعلاميّة، في الوقت الذي أشارت فيه مصادر سياسية أردنية إلى توجّه قاس من جهة كل من وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومُستشار الأمن القومي جيك سوليفان لتأمين الحضور ومشاركة الأردن على طاولة الاحتلال في المغرب، رغم أن كل شعوب تلك الحكومات تعتبر "إسرائيل" بمثابة "العدو الأكبر" والتطبيع معه جريمة بحق الفلسطينيين والعرب والإنسانية جمعاء، فيما تعبر وسائل الإعلام التابعة للحكومة في المغرب عن سعادتها بهذا الحدث لدرجة فاقت فرحتها يوم إعلان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب التوصل إلى “اتفاق تاريخيّ” لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والرباط مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة.
في 15 سبتمبر 2020، وقع كيان الاحتلال والإمارات والبحرين اتفاقيات لتطبيع العلاقات، والتي أطلقت عليها العصابات الصهيونية "اتفاقيات إبراهام"، وانضم إليهم المغرب والسودان فيما بعد، ومن ثم عقدت "إسرائيل" قمة النقب في مارس 2022 في مدينة النقب جنوب فلسطين السليبة، وضمت كلا من وزراء خارجية مصر والمغرب والبحرين والإمارات والولايات المتحدة، واتفقت الدول الست على عقد القمة سنويا، وحسب الادعاءات التي صدرت عن القمة الأولى، فإن تلك الدول ستعمل ضمن ستة مجالات: الطاقة النظيفة، والتعليم والتعايش السلمي، والأمن الغذائي والمائي، والصحة، والأمن الإقليمي، والسياحة.
لكن هذه القمة ستكون مختلفة قليلا، حيث تسعى واشنطن –ربما بطلب من الصهاينة- لأن يكون الأردن حاضرا في القمة، ويبدو أن مقاومة الحكومة الأردنية لهذا الخيار تخف أو تترنح –كما تقول مواقع إخبارية-، في الوقت الذي تعرض فيه الإدارة الأمريكية حضور وفد من رجال أعمال فلسطينيين إضافة لممثلي السلطة الفلسطينية لتأمين شرط الأردن بحضور فلسطيني، في وقت الذي يرفض حزب العدالة والتنمية المغربي (إخواني-معارض) استضافة بلاده لقمة النقب الثانية التي تضم الكيان الصهيوني و 4 دول عربية أخرى، وجاء ذلك في بيان مقتضب للحزب، تعليقا على إعلان وزير الخارجية الإسرائيلي، إيلي كوهين، في 2 يناير، أن المغرب سيستضيف قمة النقب 2 في مارس، لقاء بين تل أبيب والإمارات والبحرين ومصر، إضافة إلى البلد المضيف والولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي يرفض فيه الشارع المغربيّ إقامة أيّ علاقات مع الكيان الغاصب، ناهيك عن مناهضة عشرات الأحزاب من تيارات مختلفة للتطبيع مع تل أبيب تأكيدهم على أن أيّ تطبيع مع الكيان الصهيونيّ هو "اعتداء على مشاعر الشعب المغربيّ، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث عن المصلحة الوطنيّة"، وإعلانهم الرفض التام لاستضافة المغرب لأي اجتماع يحضره الصهاينة، يُريد الثنائي – بلينكن- سوليفان حضورا أردنيا من أي نوع وبأي تمثيل وله على مستوى وظيفي محدود وصغير، ويضغطان أيضا على الخرطوم التي لم تحضر في اللقاء الأول وسط القناعة بأن السودان يمكن أن يحضر حتى قبل توقيع "اتفاقية الخضوع" للإسرائيليين.
ووفقاً لتحليلات وتقارير إعلاميّة وتصريحات مسؤولين، فإنّ الهدف الأمريكيّ يكمن في تحقيق منجز دبلوماسيّ من جهة الوزير بلينكن عنوانه العريض تأمين توسيع الاطار في اتفاقيات أبراهام وفي المسار الاقتصادي حصرا، على الرغم من عدم رغبة واشنطن ومن يدور في فلكها في إيجاد حل للقضية الفلسطينية، أو تخفيف المأساة عن الفلسطينيين، وقد أبلغ المستشار في الخارجية الأمريكية هادي عمر نشطاء أردنيين التقاهم مؤخرا بعدم وجود أفق للتفاوض بين الصهاينة والفلسطينيين للعشر سنوات المُقبلة، متحدثا عن قناعته بأن على الأردن المُساهمة والحُضور في "مؤتمر النقب 2".
وفي إشارة إلى جهود بعض دول المنطقة لعقد اجتماع النقب في المغرب بمشاركة المغرب ومصر والإمارات والبحرين، يستمر الاجتماع الذي عقد في الأشهر الماضية وأثناء حكومة لبيد بينيت وتم التخطيط له على أساس خلق نوع من التقارب الإقليمي ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة، وذلك لمحاولة إيجاد أساس لتشكيل تحالف إقليمي، وخاصة في البعدين العسكري والأمني حول محور مواجهة إيران ومن يساندها إقليميا.
وبما أن الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى التي تتدخل في المنطقة والكيان الصهيوني والإمارات ومصر والبحرين والمغرب ينشطون في هذا الصدد ويحاولون جلب الأردن إلى الاجتماع أيضًا؛ يُرجّح مراقبون أن الوزير بلينكن يتبنى تماما في سياسته الخارجية وجهة نظر المتطرف بنيامين نتنياهو بخصوص التسريع في ملف التطبيع الحكومي العربي ومحاولة الزج بالصهاينة في المنطقة ومنح الأولوية للملف الايراني قبل الحرص على أفق سياسي لحل الصراع في القضية الفلسطينية.
في النهاية، يبدو أن الداعم الرئيسي لعقد الاجتماع المقبل للنقب هو إدارة الرئيس بايدن وهذا في إطار سياساته، ومن المرغوب فيه أن تجد الولايات المتحدة في تلك المفاوضات دورًا أكبر لتلعبه، بما يتجاوز الأمن والموضوعات العسكرية، بل التعاون في المجالات الاقتصادية والدبلوماسية والتكنولوجية بين الدول المتواجدة في النقب، وتوضع في الصلات الإقليمية الكاملة، وتُشكّل هذه الرؤية عند بلينكن ضغطا شديدا على حكومة الأردن التي تحتفظ بقناعات متباينة عن هذا الموقف، وتشير أوساط قريبة من الوزير بلينكن –وفقا لوسائل إعلام عربية، إلى أولويتين في خطته الاولى هما الملف الايراني والثانية تتمثل في دمج "إسرائيل" في المنطقة باعتبارهما مُنجزا رئيسيا له ولطاقمه قبل انتهاء ولاية الادارة الحالية، فيما يضغط بلينكن على الأردن ضمن هذا الفهم لحضور النقب 2، ويعرض مُقترحات في الأثناء بالتزكية لصالح الأردن ضمن برامج مساعدات مالية إضافية عند مؤسسات تابعة للخارجية الأمريكية وخارج حسابات برنامج المُساعدات المُعتاد، وكله كرمى عيون تل أبيب.