الوقت - في الوقت الذي طلب فيه القادة السياسيون العراقيون من مقتدى الصدر الانضمام إلى عملية المحادثات الوطنية وإيجاد حل لإنهاء الأزمة السياسية، تجاهل الصدر وأنصاره هذه المطالب واتخذوا خيارات أخرى للوصول إلى مطالبهم. لهذا السبب تجمع مئات من أنصار مقتدى الصدر أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى في بغداد يوم الثلاثاء وبدؤوا اعتصاما.
من خلال نصب الخيم وترديد الشعارات أمام مبنى مجلس القضاء الأعلى العراقي، أبدى المتظاهرون اعتراضهم على قرارات هذه الهيئة القضائية في القضايا السياسية. وكان مقتدى الصدر قد احتج في الأيام الأخيرة على "تسييس وعدم استقلال" هذه المؤسسة القضائية في خطاباته.
وفي هذا الصدد قال ابراهيم الجعبري مدير مكتب مقتدى الصدر في بغداد انه يجب حل برلمان هذا البلد. وزعم الجعبري أن هذا الإجراء يتماشى مع الإجراءات الإصلاحية، وقال الجعبري إن التيار الصدري يطالب أيضا بإقالة فائق زيدان، رئيس مجلس القضاء الأعلى في العراق. وحسب هذا المسؤول في التيار الصدري، فإن التجمع أمام مجلس القضاء سيستمر. وكان التيار الصدري قد أعلن تعليق عمل الجهاز القضائي ومحاكمه باعتباره السبيل الوحيد لإنهاء الاحتجاجات ضد هذا المجلس.
وحسب الدستور العراقي، هناك طريقان لحل البرلمان، إما أن يصوت ثلثا النواب على الحل، أو أن يأخذ رئيس الوزراء هذا الطلب إلى الرئيس ويحصل على موافقته. لذلك فإن مقتدى الصدر الذي لا يرى سبيلاً قانونياً لحل البرلمان، في خطوة غريبة، طلب من مجلس القضاء الأعلى القيام بذلك، لكن هذه المؤسسة العراقية عارضت طلب الصدر بحل البرلمان وأعلنت أن هذا الموضوع ليس من اختصاص مجلس القضاء الأعلى. ودفعت هذه المعارضة التيار الصدري للمطالبة بحل هذا المجلس واعتصام أنصار هذه الحركة أمام مبنى المؤسسة القضائية.
لكن بعد تجمع أنصار الصدر والإصرار على مطالبهم من خلال احتجاجات الشوارع، قرر الحاضرون في اجتماع مجلس القضاء الاعلى، الثلاثاء، الاحتجاج على هذه التصرفات غير القانونية، وإيقاف نشاط مجلس القضاء الأعلى والمحاكم التابعة له والمحكمة الاتحادية العليا وتحميل الحكومة مسؤولية هذا القرار. الصدر، الذي دعا في الآونة الأخيرة لاحتجاجات مليونية، لكنه ألغى ذلك بسبب عقد اجتماع الحوار الوطني، ومن غير المرجح أن يصدر الأمر بملايين الاحتجاجات مرة أخرى في الأيام المقبلة.
يبدو أن الصدر يعتبر احتجاجات الشوارع الخيار الأفضل لتحقيق رغباته السياسية. على الرغم من أن زعيم التيار الصدري، بأمره استقالة أعضاء هذه الحركة من البرلمان، أبعد نفسه عمليا عن العملية السياسية لتشكيل الحكومة. لكنه قرر عدم السماح للمجموعات السياسية الأخرى من الشيعة العراقيين بتشكيل حكومة في تحالف الإطار التنسيقي.
بعد أن كانت عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة غير حاسمة، حاول الإطار التنسيقي للشيعة الشهر الماضي تقديم محمد شيعي السوداني كمرشح لرئاسة الوزراء، لكن التيار الصدري، وهو يعارض هذه العملية، احتل مبنى البرلمان. إن بغداد دخلت مرحلة جديدة من المأزق السياسي، وهذه المرة لن يسلم مجلس القضاء الأعلى من لسعتهم، ومع هذا الوضع الذي أطلقه الصدر وأنصاره، قد تتعرض جميع المؤسسات السياسية العراقية لمصير البرلمان نفسه، لأن التيار الصدري أظهر أنه لا يلتزم بأي حل سياسي وقانوني لحل المأزق السياسي القائم.
معارضة عراقية لمطالب الصدر
وبينما يطالب الصدريون بإغلاق مجلس القضاء الأعلى، عارض القادة العراقيون هذا الطلب بشدة. وقال رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، الذي قطع رحلته إلى مصر بسبب الاحتجاجات، ردا على مطالب المحتجين لأن إغلاق الكيان القضائي يعرض العراق لمخاطر حقيقية. وقال الكاظمي إن حق التظاهر محفوظ في الدستور لكن يجب احترام المؤسسات الحكومية وأنشطتها المستمرة. ودعا رئيس الوزراء العراقي، في الوقت الذي دعا فيه رؤساء جميع الأطراف إلى التهدئة، إلى عقد اجتماع عاجل لدفع "الحوار الوطني" إلى الأمام وحل الأزمة الحالية في العراق.
برهم صالح، رئيس جمهورية العراق، رداً على الاحتجاجات أمام مجلس القضاء الأعلى، قال إن التطورات الجارية في البلاد تتطلب الحفاظ على السلام وإعطاء الأولوية للغة الحوار قبل أن تتجه الأزمة نحو وضع مجهول وخطير يخسر فيه الجميع. وأعلن "الإطار التنسيقي الشيعي" في بيان معارضته لأي حوار مع التيار الصدري، ما لم ينسحب من عملية احتلال المؤسسات الحكومية الدستورية. أبدى بعض أعضاء مجلس النواب العراقي قلقهم من أوضاع البلاد وفوضى أنصار الصدر وإغلاق مجلس القضاء الأعلى العراقي، وقالوا إن الكيان القضائي هو صمام الأمان لمصالح العراق العليا في أصعب الظروف، وايقاف عمل الكيان القضائي العراقي فشل تاريخي للبلاد.
كما أدان قيس الخزعلي، الأمين العام لعصائب أهل الحق في العراق، اعتداء مثيري الشغب من التيار الصدري على أعلى مؤسسة قضائية في البلاد. وقال إننا نرفض أي انتهاك للمؤسسة القضائية، ويجب إبعادها عن الصراعات السياسية. لا يجوز استخدام ورقة احتجاجات الشوارع للضغط على المؤسسة القضائية لإصدار حكم لصالح الأحزاب السياسية. لأن تعطيل عمل المؤسسات الحكومية والاعتداء على مصداقيتها يجلب مخاطر كبيرة على استقرار ومصالح الشعب. كما أعلنت تنظيمات في الحشد الشعبي عن استعدادها للدفاع عن المؤسسات الحكومية التي تضمن مصالح الأمة العراقية بما في ذلك القضاء والمجلس التشريعي والكيان السياسي والدستور. قوبل هذا البيان برد فعل مصطفى الكاظمي الذي حذر خلاله المؤسسات الأمنية والعسكرية العراقية من نشر أي بيان ذي طابع سياسي وهدد بمعاقبة المخالفين بشدة.
النقاد لا يقبلون الاعتداء على المؤسسات القانونية لمجرد أنها لا تتماشى مع خطط الصدر السياسية وحافظت على استقلاليتها، ويطلقون عليها بدعة خطيرة على الاستقرار والعملية الديمقراطية في البلاد. لأن الانصياع لطلب المعارضة وإغلاق مؤسسة رفيعة المستوى سيؤدي إلى تكرار مثل هذه السيناريوهات في المستقبل من قبل التيارات السياسية المعارضة الأخرى، ويصبح موضوعًا يمكن للمعارضة أن تفرض مطالبها على العراقيين من خلال الاحتجاجات في الشوارع كلما أرادوا ذلك.