الوقت_ كشفت وثيقة سريّة إسرائيليّة أنّ رؤوساء المنظومة الأمنية التابعة للكيان صاغوا عام 2018 وثيقة تناولت إجراء صفقة تبادل الأسرى مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية "حماس"، مشيرين بشكل غير مباشر إلى السبب الذي منع حدوث ذلك، في وقت ينتهك فيه العدو الصهيوني المجرم القانون الدولي ويغض الطرف عن تنفيذ مطالب الفلسطينيين المحقة، وخاصة بعد الأزمة الحقيقية التي يعيشها عقب هزيمته في معركة "سيف القدس" الأخيرة، إضافة إلى استمرار التعنت الإسرائيلي في ربط قضية إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته آلته العسكرية الهمجية بتسوية قضية أسرى الجنود الصهاينة الأربعة لدى "حماس" التي أكّدت أن الأسرى الإسرائيليين لن يروا النور إلا بعدما يرى الأسرى الفلسطينيون الحرية.
أولويات شخصيّة وحزبيّة
دوماً كانت حماس جاهزة لصفقة تبادل الأسرى بعكس تل أبيب وحكوماتها المخادعة، حيث ترفض منذ سنوات حل تلك المسألة رغم مزاعهما المتناقضة، والدليل هو الوثيقة الإسرائيليّة التي كشفت أنّ العام 2018، وبعد أيام من جولة قتال ضد حماس، عُقد اجتماع إسرائيلي مهم لمناقشة صفقة تبادل أسرى مع الحركة حضره رؤساء المنظومة الأمنية الإسرائيلية آنذاك وهم رئيس هيئة الأركان العامة غادي آيزنكوت ورئيس الشاباك (جهاز الأمن العام) نداف أرغمان ورئيس الموساد (المخابرات الخارجية) يوسي كوهين، ومسؤولين آخرين، لكن ذلك لم يفض إلى حدوث أيّ تقدم.
وقد شاهدنا مؤخراً أسلوب الخداع الإسرائيليّ من خلال استمرار الحكومة الإسرائيليّة برفض إعادة إعمار ما ألحقته من دمار في غزة، من دون استعادة جنودها وأسراها لدى حركة حماس، وهو ما رفضته الأخيرة، ولم تمانع المقاومة الفلسطينية منذ الأساس في السير ضمن خطين متوازيين، خط تثبيت التهدئة مع الكيان الصهيوني وانتزاع مطالب الفلسطينيين وإعمار ما دمره الاحتلال، والخط الآخر ما يتعلق بالصفقة والإفراج عن الأسرى، ويعلم الجميع حجم المعاناة التي يعيشها الأسرى الفلسطينيون داخل سجون العدو الغاشم، بدءاً من ظروف الاعتقال الصعبة والحياة المقيتة داخل الزنازين المكتظة بالأسرى، إضافة إلى الانتهاكات الجسيمة بحق الأسرى وخاصة منذ بداية انتشار فيروس كورونا المستجد
وإنّ الوثيقة التي كشفها الإعلام الإسرائيليّ، وتشير إلى أنّ الاجتماع الأمني تمخض عن إعداد وثيقة صُنفت “سرية للغاية” وجرى رفعها إلى المستوى السياسي في الكيان، تناولت إجراء تسوية شاملة مع حركة حماس على مرحلتين، الأولى من خلال رفع العقوبات المفروضة على قطاع غزة المحاصر منذ عقد ونصف العقد، بما في ذلك فتح المعابر وتوسيع مساحة الصيد البحري وتشغيل محطة الكهرباء وحل مشكلة الرواتب بتمويل قطري، فيما تتعلق المرحلة الثانية بصفقة تبادل الأسرى، في ظل تمسك من حركة حماس منذ ذلك الحين برفض ربط القضايا ببعضها، لمنع فرض الإرادة الصهيونية الخبيثة على هذا الملف المهم والحساس بعد عرقلة إسرائيلية طويلة لهذا الملف ومساومات فاشلة في الغذاء وإعادة الإعمار.
وتنص الوثيقة كذلك، على قيام "إسرائيل" بإطلاق سراح أسرى “حماس” باستثناء من لُطخت أيديهم بدماء الإسرائيليين، وذلك مقابل أن تطلق الحركة سراح الجنود الإسرائيليين الأربعة المحتجزين لدى المقاومة في غزة منذ سنوات، ومنذ ذلك الحين حذرت من أن تأجيل صفقة تبادل الأسرى وفصلها عن إجراء التسوية مع حماس سيؤدي إلى تضيع فرصة إطلاق سراح الجنود الإسرائيليين لمزيد من السنوات وهذا بالفعل ما حصل.
وعلى هذا الأساس، كشفت الوثيقة أمرين مهمين الأول عدم الجدية الإٍرائيليّة في التعاطي مع هذه القضايا الحساسة وعدم اهتمامها بجنودها ورفات قتلاها، والآخر هو حجم المعاناة التي يعيشها الكيان المتخبط والذي يولي مسؤولوه اهتماماً كبيراً لمصالحهم الحزبية على مصلحة كيانهم المتهالك والمقصود بالتحديد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (2009- 2021) الذي منع اتخاذ قرار كهذا خوفاً على مصالحه الشخصيّة والحزبية، ليرمي المهمة إلى حكومة بينيت التي لا تقل خُبثاً عن سابقتها.
ولا يخفى هذا الأمر على الفلسطينيين الذي يدركون طريقة تفكير عدوهم جيداً، وقد شاهدنا موقفهم الثابت مقابل لغة التهديد والوعيد الإسرائيلية التي استمرت لأشهر عقب الحرب الأخيرة على غزة والتي لم تنفع مع المقاومة والفلسطينيين الذين علموا حجم المساعي الصهيونية لتدمير حياتهم وعزلهم عن أراضي بلادهم المحتلة، ناهيك عن المتغيرات العسكرية الجديدة، التي لقنت تل أبيب درساً لن تنساه في الفترة الماضية، لكن الإسرائيليين كانوا وما زالوا يضعون العصي في دواليب تلك سير ذلك الملف إضافة إلى عقبات وشروط طويلة ومعقدة لشل الصفقة ومنع التوصل لأرضية مشتركة تبنى عليها أي مفاوضات جادة وحقيقية، وهذا ما أثبته الوثيقة السرية للإسرائيليين.
فرصة ضائعة
”فرصة ضائعة”، هكذا وصف المحللون والإعلاميون الإسرائيليون تعنت الحكومة الإسرائيليّة آنذاك وعدم رغبتها في الاتفاق لحل هذا الملف الشائك، ما يعني أن الصهاينة لا يرغبون بحصول صفقة لتبادل الأسرى باعتبارها ستؤدي إلى حلحلة في باقي الملفات، ولهذا قررت حكومات العدو العنصري تجميد ملف الأسرى كي لا تدفع ثمن تنازلاتها أمام مطالب حماس وفصائل المقاومة، رغم تحريك هذا الملف في السنتين الأخيرتين من قبل الوسطاء وبالأخص مصر عبر إجراء اتصالات ولقاءات من أجل ذلك، ناهيك عن تسليط الضوء على هذا الملف عقب الفضيحة الأخيرة التي جرت مع انتزاع الأسرى الستة حريتهم من سجن "جلبوع" الأمنيّ وإلقاء القبض عليهم بعد أيام من البحث والمطاردة.
وبالنسبة لوجهة نظر حماس، فقد أوضحت مراراً أن إبرام صفقة تبادل للأسرى بين الجانبين، لا بد أن يؤدي إلى رفع الحصار بشكل كامل عن غزة وربطها بأوضاع القدس والضفة، والسماح بعملية إعادة الإعمار، والإفراج عن الأسرى الفلسطينيين المطروحة أسماؤهم، لكن خداع تل أبيب في تعهداتها ووضعها العقبات تلو الأخرى، يجعل من غير المتوقع أن تتم الصفقة في بشكل قريب، حيث إن السياسة الإسرائيلية كانت ولا تزال تدور حول شرط واحد "إما الرضوخ لمطالبنا أو أن يعيشوا تحت أنقاض الأبنية التي دمرناها والحصار الذي فرضناه".
وإنّ الحركة الإسلاميّة لم تألو جهداً بعكس الصهاينة في إظهار رغبتها في حلحلة هذا الملف، والدليل الصورة التي نشرتها كتائب القسام على حسابها في "تيلغرام" وتضمنت صور أربعة أسرى صهاينة لديها، وكانت رسالة واضحة من الفلسطينيين بأن الكرة باتت في ملعب العدو الصهيوني المستبد، لإنجاز صفقة تبادل أسرى بين الجانبين، وحماس تدرك جيداً أن العدو لم يكن في يوم من الأيام واضحاً في نواياها، ففي بعض الأوقات تتقدم تل أبيب خطوة أو خطوتين للأمام وتتراجع للخلف خطوات عدة، وتهدف من ذلك الأسلوب القذر ربما إلى خداع الصهاينة وتحقيق المصالح الحزبيّة أو محاولة الوصول لمعلومات حول جنودها في غزة دون الاضطرار لدفع أي ثمن، بينما تعج سجون العدو بآلاف الأسرى الفلسطينيين بينهم عشرات الأسيرات ومئات القاصرات والمعتقلين الإداريين الذين يعيشون أسوأ وضع إنساني.