الوقت- أوضح الرئيس السابق للشعبة السياسية والعسكرية في وزارة جيش الاحتلال الجنرال في الاحتياط، عاموس غلعاد، أنّ التعاون بين السلطة الفلسطينيّة والاحتلال على مدار السنوات الماضية هو كنزٌ استراتيجيٌّ بالنسبة لإسرائيل، مُشدّدًا في الوقت عينه على أنّه يجب المحافظة عليه، على حدّ تعبيره.
وقال غلعاد في تصريحٍ لإذاعة جيش الاحتلال، تعقيبًا على اللقاء الأخير بين وزير الجيش الإسرائيليّ، الجنرال في الاحتياط، بيني غانتس، برئيس السلطة محمود عباس، إنّ أهمية هذا اللقاء تأتي تتويجًا للدور الكبير للسلطة في إحباط العمليات وإفشال محاولات تأجيج مناطق الضفّة الغربيّة المُحتلّة، الأمر الذي يُحتِّم على كيان الاحتلال العمل بكلّ الأساليب من أجل منع انهيارها، وعلى نحوٍ خاصٍّ منع انهيارها من الناحية الاقتصاديّة، على حدّ تعبيره.
الجنرال غلعاد شدّ على أنّ “السلطة الفلسطينيّة هي جزءٌ من المنظومة الأمنية الإسرائيليّة”، مؤكّدًا في ذات الوقت على أهمية لقاء عباس وغانتس بالنسبة لإسرائيل والسلطة خاصّةً وأنّ السلطة في رام الله تمُرّ في مرحلةٍ حساسّةٍ جدًا، وفق أقواله.
و في هذا السياق كان الإعلام العبري قد كشف النقاب عن أنّ وزير الأمن الإسرائيليّ غانتس أكّد لريس السلطة محمود عبّاس، خلال اللقاء الذي عقده معه ، عدم وجود مشروع سياسي، وأنّ اللقاء يأتي لتعزيز التنسيق الأمني ومواجهة الإرهاب، على حد تعبيره.
وذكرت صحيفة (هآرتس) العبرية، أنّ غانتس أكّد عباس أنّ الاحتلال سيقوم بتقديم للسلطة الفلسطينيّة كلّ ما يضمن بقائها قويةً على المستوى الاقتصاديّ والماليّ، لافتا إلى أنّه سيُوافِق عل بعض التعديلات في بعض البنود الاقتصاديّة في الاتفاقيات المشتركة، والتي كانت قد وُقِّعت في الماضي بين الاحتلال وبين سلطة رام الله.
وكان غانتس قد تحدث عن لقاء عباس وقال أن غرض اللقاء لم يكن دفع العملية السياسية، وإنما الثقة بين إسرائيل والسلطة وتعزيز العلاقات بينهما. وأضاف: "كلما كانت السلطة الفلسطينية أقوى كانت حماس أضعف، وكلما زاد تماسك حكم السلطة، سيكون هناك مزيد من الأمن وسيتعين علينا أن نعمل بشكل أقل".
من هنا يرى محللون أن الخطوات الإسرائيلية جزء من سعي الإدارة الأميركية لبناء جسور ثقة بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل. ويرجحون أن الفلسطينيين سيدفعون ثمن هذه الخطوات، ومن أبرز هذه الأثمان تغييب الأفق السياسي، فضلا عن اتخاذ إجراءات متوقعة على الأرض ضد مناوئي السلطة الفلسطينية.
الثمن السياسي، يكمن في عدم البحث عن عملية تسوية جديدة بمعنى إبقاء الوضع على ما هو عليه، وكسب إسرائيل مزيدا من الوقت من دون أي تحرك جدي فلسطيني. ومن الأثمان الأخرى عدم قيام الجانب الفلسطيني بخطوات جدية خاصة فيما يتعلق بالتحرك في المحكمة الجنائية الدولية التي أصبحت فلسطين عضوا فيها منذ 2015.
ويرى البعض ان انعكاسات تقارب السلطة وإسرائيل على البيت الفلسطيني الداخلي تتمثل في استحكام الإخفاقات في المشهد الداخلي، وابتعاد المصالحة عما كانت عليه قبل فترة. كما يرجحون أن تسعى إسرائيل لزيادة الهوة بين حركتي التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" والمقاومة الإسلامية "حماس" من جهة، وبين الضفة الغربية وقطاع غزة من جهة ثانية.
ظل التعاون الأمني بين السلطة الفلسطينية منذ تشكيلها عام 1994 وإسرائيل، والذي يعد تجسيدا لبنود اتفاق "أوسلو" (1991) وملاحقه، يثير جدلا واسعا في الساحة الفلسطينية لأن تواصله لم يرتبط بإحراز تقدم على مسار حل القضية الفلسطينية؛ إذ كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد أبدت تساهلًا في الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، لاسيما تلك المتصلة بالتعاون الأمني.
ورغم المسوغات التي تدفع السلطة لمواصلة التعاون الأمني إلا أن تواصل هذا النمط من العلاقة مع الاحتلال لا يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني؛ وهذا يعني أن مواصلة السلطة الفلسطينية التعاون أمنيًّا مع الاحتلال في مواجهة المقاومة يعني تحسين قدرة حكومة الكيان الصهيوني على تنفيذ برنامجها في أقل مستوى من الممانعة الفلسطينية.
وتبين بعد 25 عاما على توقيع الاتفاق، أن الالتزام بتنفيذ استحقاقات الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل، وضمنها التعاون مع إسرائيل، لم يقرب الفلسطينيين من تحقيق البرنامج السياسي لعباس المتمثل في إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
كما أن انعدم احترام قيادة السلطة الفلسطينية القرارات بوقف التعاون الأمني الصادرة عن المؤسسات التمثيلية لمنظمة التحرير أفقد الجمهور الفلسطيني الثقة بهذه المؤسسات، ناهيك عن أن تجاهل اتجاهات مواقف الجمهور الفلسطيني أسهم في تهاوي مصداقية السلطة الفلسطينية في الشارع الفلسطيني.
أسهم التعاون الأمني بشكل واضح في تكريس الانقسام الفلسطيني الداخلي، لأن الالتزام به يجبر السلطة الفلسطينية على اتخاذ سياسات أمنية لا يمكن أن تسهم في إنجاز المصالحة الوطنية، سيما وأن استطلاعات الرأي تؤكد رفض الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين في الضفة والقطاع البرنامج السياسي لقيادة السلطة الحالية.