الوقت- صفعة قوية تلقاها أصحاب القرار المفاجىء بقبول الكيان الصهيونيّ العنصريّ كعضو مراقب في الاتحاد الأفريقي (منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية، تأسس في 9 يوليو/ تموز عام 2002 - مقره أديس أبابا) دون استشارة أيّ من الدول الأعضاء، حيث علقت قمة الاتحاد الأفريقي ذلك القرار قطع الطريق أما تل أبيب للتسلل بعد أن شُكلت جبهة قويّة لمنع إقحام "إسرائيل" فيه، عقب قيام رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقيّ، موسى فكي محمد، في تموز/ يوليو المنصرم، بالموافقة على منح الكيان صفة مراقب في الهيئة، ما أعطى الصهاينة انتصاراً مؤقتاً كانوا يلهثون نحوه منذ سنوات طويلة.
"إسرائيل طُردت بالاجماع من الاتحاد الأفريقيّ"، هكذا يمكن توصيف المسألة التي حزت على ترحيب عربيّ وفلسطينيّ، إضافة إلى إنشاء لجنة من 7 رؤساء دول أفريقية لتقديم توصية لقمة الاتحاد التي تضع نصب أعينها هذا الملف المهم، وتتكون اللجنة من رئيس الاتحاد الحاليّ ماكي سال، والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا، ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، ورئيس نيجيريا محمد بوهاري ورئيس الكاميرون بول بيا.
وجاء هذا القرار، بعد إجماع من الدول الإفريقيّة على طرد الكيان المجرم من الاتحاد الأفريقي، وعلى رأسها جنوب إفريقيا والجزائر، بالاستناد إلى أنّ ذلك القرار تم بدون التشاور معها، إضافة إلى أنّ هذه الخطوة تتعارض مع العديد من بيانات الاتحاد الإفريقي، بما في ذلك تصريحات فكي محمد نفسه الداعمة للأراضي الفلسطينية، للحفاظ على مبادئ الاتحاد ودعم الدولة الفلسطينيّة العربيّة، بعد أن أدخلت الولايات السودان والمغرب إلى حظيرة التطبيع مع أعداء العرب والمسلمين، مقابل الحصول على حفنة من المصالح التي بات يدركها الجميع.
كما أنّ هذا القرار الحاسم لهذه القضية التي ترفضها العديد من العواصم الإفريقيّة، يأتي بعد فشل وزراء خارجية المنظمة في حلها خلال الاجتماع الماضي في تشرين الاول/أكتوبر، حيث أُنهي هذا الملف الملح للغاية للالتفات إلى قائمة طويلة من القضايا الأفريقيّة الهامة من بينها جائحة فيروس كورونا، وإنّ "طرد إسرائيل" يُعد رفضاً أفريقيّاً تاماً للقرارات التعسفيّة التي تهدف إلى إعطاء العدو عصفة مراقب رغم أنف الجميع.
وبعد 20 عاماً من تأسيس الاتحاد الأفريقيّ، أعادت الدول الإفريقية بريق موقفها المعهود برفض العدو الصهيونيّ الطامح بالتغلغل الأكبر في إفريقيا، حيث خاضت دول عديدة نعركة دبلوماسيّة وأثبتت قولها السابق بأنّها "لن تقف مكتوفة الأيدي أمام الخطوة التي قام بها الكيان والاتحاد الأفريقي دون استشارة الدول الأعضاء"، في ظل القلق من قبل بعض الحكومات الإفريقيّة من تمدد الكيان الصهيونيّ يوماً بعد آخر في هذه القارة، خاصة عقب تطبيع الرباط والخرطوم.
وعلى الرغم من أنّ الاتحاد الإفريقيّ منح صفة مراقب لـ 72 دولة وتكتلاً ومنظمة إقليميّة، بما في ذلك كوريا الشماليّة والاتحاد الأوروبيّ وبرنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس نقص المناعة المكتسبة “الإيدز”، إلا أنّه رفض القرار الانفراديّ بقبول "إسرائيل" كعضو مراقب واعتبر ذلك "غير شرعيّ" باعتباره يهدف لضرب استقرار المنظمة التي لطالما طالبت بحل سياسيّ عادل للقضية الفلسطينية يضمن احترام حقوق الفلسطينيين وفقاً لمبادئ القانون الدوليّ وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، بما يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الصهيونيّ الكامل للأراضي الفلسطينيّة، واستقلال دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية داخل حدود الرابع من حزيران عام 1967، ناهيك عن دعوات إنهاء جميع أشكال التعامل مع الكيان الصهيونيّ الباغي.
كما أنّ هذا التحرك الدبلوماسيّ الواسع والمعادي لوجود الاحتلال وإن كان بصفة "مراقب"، أثمر بالفعل لكونه يأتي من باب محاربة التغلغل الصهيونيّ في القارة الأفريقية، وهو الاختراق الذي عملت الدبلوماسيّة الصهيونيّة على مدى عقود لتحقيقه، علماً أن كيان الاحتلال العنصري تمتع سابقاً بصفة عضو مراقب في "منظمة الوحدة الأفريقية" لغاية 2002، ومن ثم انتزع منه ذلك جراء استبدال هذه المنظمة بالاتحاد الأفريقي، حيث عزت حكومة العدو هذا الأمر إلى الزعيم الليبي الراحل، معمر القذافي، الذي كان ذو نفوذ كبير في الاتحاد الأفريقي حتى الإطاحة بنظام حكمه وقتله بإشراف أمريكيّ عام 2011.
بناء على ذلك، تخلصت المنظمة الأفريقيّة من شبح الوجود الإسرائيليّ، بعد أن أثار القرار الطائش لرئيس مفوضية الاتحاد علامات استفهام كثيرة، في وقت حساس للغاية ويتعرض فيه الشعب الفلسطيني لحملة عسكريّة دمويّة وقصف مدمر مع استمرار الاستيطان والاعتقال والإجرام، وخاصة أنّ قرار منح العدو الباغي صفة مراقب، لا يتوافق مع موقف الاتحاد الأفريقي الرافض بشدة لمنهج "إسرائيل" العنصريّ -حسب منظمات حقوقيّة دولية- في قتل الفلسطينيين وتدمير بناهم التحتية المدنية.
ومجدداً، أكّد الاتحاد الإفريقي أنّه مازال من أكبر المعاقل التي دافعت ولا تزال عن القضية الفلسطينيّة، في ظل التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير "صفعة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، حيث إنّ القرار منع البعض من إضفاء الشرعيّة على ممارسات وسلوكيات العدو التي تتعارض تماماً مع القيم والمبادئ التي ينص عليها القانون الأساس للاتحاد الإفريقيّ، في دعم ثابت وفعال للمنظمة القاريّة تجاه القضية الفلسطينيّة والتزامها بتجسيد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطينيّ وأهمها إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
وبالتالي فشلت محاولة الإسرائيليين الجديدة، خاصة أنّ العدو الإسرائيليّ تقدّم بطلب الانضمام إلى الاتحاد أكثر من 10 مرات منذ عام 2002، ومارست تل أبيب ضغوطاً على حلفائها في أفريقيا مثل إثيوبيا وكينيا وغانا، ولكن لم يتحقق لها المطلوب إلا لفترة قصيرة في عام 2021، عندما اتخذ رئيس الاتحاد الأفريقي التشاديّ الجنسيّة، موسى فكي، قراراً فرديّاً بذلك، باعتبار أنّ القارة الأفريقية كانت وماتزال مطمعاً للغزاة والمحتلين، لاستغلال ثرواتها والاستفادة منها، وهذا الأمر لا يقتصر على العدو الصهيونيّ فقط، حيث إنّ القارة السمراء الرائعة يحاوطها بالفعل الكثير من المخاطر المستقبليّة المتمثلة في التدخلات والأطماع الخارجيّة.
وفي هذا الشأن، اعتُبر قرار تجميد عضوية الكيان الغاشم بمثابة "خطوة تصحيحية" اتساقاً مع المواقف التاريخية للاتحاد الأفريقي الداعمة للقضية الفلسطينية، والمناهضة للاستعمار والفصل العنصريّ الذي تمارسه العصابات الصهيونيّة، وانطلاقاً من عدم مكافأة تل أبيب على ممارساتها غير القانونية بحق الشعب الفلسطينيّ، حيث يربط الساسة الصهاينة مستقبل الأجيال القادمة في دول الاحتلال الصهيونيّ بنشاطها في القارة الأفريقية، وقد عمل كل قادة العدو لتحقيق ذلك بكل ما أوتوا من قوة، لأنّ العدو يدرك جيداً أهمية قارة أفريقيا التي تملك قدرات وإمكانيات هائلة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة، ويضع قادة العدو هدفا إستراتيجيّاً بالتغلغل فيها، لما تمثّله من ثقل سياسيّ واقتصاديّ كبير، وباعتبارها سوقاً مفتوحة لمختلف منتجاتها ومن ضمنها العسكريّة، لهشاشة أوضاعها وسهولة الاندساس في مفاصلها.
من ناحية أخرى، رحّبت حركة المقاومة الإسلاميّة "حماس" بقرار قمة الاتحاد الأفريقيّ، ودعت اللجنة المكلّفة ببحث هذا الموضوع إلى "الانتصار لقيم الاتحاد الأفريقي ومبادئه القائمة على رفض الاحتلال والتمييز العنصريّ، وتأييد حق الشعب الفلسطيني في انتزاعه لحقوقه وتقرير مصيره"، مثمنة مواقف وأدوار كل الدول الأفريقيّة التي تحرّكت ضد تمرير القرار السابق، بالتزامن مع الممارسات الإٍرائيليّة الإرهابيّة وارتكاب الآلة الصهيونيّة العسكريّة كل أنواع الجرائم بحق الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
في النهاية، أدرك العدو الصهيونيّ بالتأكيد مدى الوحدة الأفريقية في معاداته، نتيجة لإجرامه المتصاعد بحق الفلسطينيين لأنّه كيان ممثل للإجرام والعنصريّة والاستبداد، رغم كل ترهاته في القارة السمراء في أنّهم تعرضوا للعنف و التمييز العنصريّ، لخلق نوع من التعاطف و التاريخ المأساوي المشترك بينهما.