الوقت- كعادته، فتح الإعلام الأمريكيّ النار على ولي العهد السعوديّ، محمد بن سلمان، حيث أشار موقع “ميدل ايست مونيتور” الأمريكيّ مؤخراً، إلى أنّ الأخير يمثل "قوة مزعزعة للاستقرار في منطقة الشرق الأوسط وخارجها" ويتوجب اتخاذ إجراءات عقابية شاملة بحقه، عقب أسابيع على هجوم شرس من الصحافة الأمريكيّة ضد الحاكم الفعليّ للمملكة ووصفه بأنه "مسؤول عن أبشع الجرائم وانتهاكات حقوق الإنسان"، بالتزامن مع الأعمال الإجراميّة المتصاعدة التي يرتكبها السياسي الشاب بحق شعبه والآخرين، وفي ظل محاولاته المستمرة لتلميع صورته في مراكز صنع القرار بالولايات المتحدة للصمت عن سجل السعودية "المُشين" في حقوق الإنسان، والتي أنفقت مليارات الدولارات على استضافة فعاليات ترفيهيّة وثقافيّة ورياضيّة كبرى، واعتمدتها كاستراتيجيّة مقصودة لحرف الأنظار عن جرائمها المتفشيّة وتخفيف سخط المجتمع الدوليّ.
رسالة لبايدن
"على الرئيس الأمريكيّ الحالي التعلم من إنذارات سلفه –الصديق الحميم للدولة النفطية- دونالد ترامب في التعامل مع محمد بن سلمان"، هذه هي الرسالة التي وجهها الموقع الأمريكيّ لجو بايدن، حيث إنّه لم يعد يخفى على أحد أنّ النظام السعوديّ لولا المبالغ الطائلة التي يدفعها، لما بقي حكامه لحظة واحدة على عروشهم المتهالكة، وهذا ما يبرر صمت أميركا والمجتمع الدوليّ الذي لم يتوقف عن تقديم الدعم السياسيّ لهذا النظام الملكي الباغي وفقاً لمتابعين، في ظل غياب مؤسف لمحاسبة قياداته.
وباعتبار أنّ واشنطن بالذات تقبض بالتأكيد ثمن صمتها، بعد أن سار الرئيس بايدن على طريق سلفه السابق ترامب، بيّن الموقع أن الأخير فهم لغة التعامل مع المستبدين واستطاع الضغط عليهم لتنفيذ سياساته، وحتى عند دفاعه عن ولي العهد السعودي بعد قتل وتقطيع الصحافي السعودي الشهير، جمال خاشقجي، كان يستهزئ به قائلاً: "أنقذت مؤخرته"، مع استمرار انتهاكات السلطات السعودية بحق اليمن والمدافعين والمدافعات عن حقوق الإنسان، وخدمة الملك سلمان وابنه ولي العهد هذا الاعتداء المستمر على حرية التعبير والتدخل الدموي في شؤون الدول الأخرى.
ولأنّ الإدارة الأمريكيّة تستخدم أكثر من ورقة لاستنزاف الرياض أكثر فأكثر، بينها المشاكل الدوليّة الكبيرة ومن ضمنها قضية سجناء الرأيّ والمدافعات عن حقوق الإنسان في البلاد، والحرب على اليمن ومسألة المصير المريع للمهاجرين الإثيوبيين والناشطين والمدونين السعوديين المحتجزين في سجون النظام السعوديّ، إضافة إلى قضية الاحتجاز التعسفيّ من خلال قيام سلطات بن سلمان بتنفيذ حملات كبيرة من الاعتقالات التعسفيّة بحق المعارضين، والناشطين، والمثقفين، إضافة إلى المنافسين من العائلة الحاكمة، تحدث الموقع أنّه يمكن لأميركا بايدن أن تستخدم لغة الرئيس السابق في التعامل مع مثل هؤلاء المستبدين وتقدم لابن سلمان إنذاراً نهائياً، لأن سياسة حاكم بلاد الحرمين ستظل مزعزعة للاستقرار في المنطقة وخارجها.
وأضاف الموقع الأمريكيّ الشهير أنّ "معاقبة محمد بن سلمان ليست الهدف الوحيد فقط، بل يجب محاسبته على انتهاكات حقوق الإنسان، وسجناء الرأي السياسيين، وإنهاء الحرب الكارثية على اليمن، ويجب إصلاح النظام المدني والسياسي للبلاد"، بعد أن تفوقت السعودية على جيرانها واحتلت المرتبة الأولى في القمع والاستبداد، في ظل تخلي الرئيس الأمريكيّ، جو بايدن، عن عهوده الانتخابيّة حول أنّه سيجعل من السعودية بلداً منبوذاً دوليّاً، على خلفية جريمة قتل خاشقجي البشعة في قنصلية بلاده في مدينة إسطنبول التركيّة قبل سنوات، وعلى خلفية المأساة الإنسانيّة في اليمن بسبب العدوان السعوديّ - الإماراتيّ المتصاعد على هذا البلد المكلوم منذ 7 سنوات.
وبالتزامن مع إشارة “ميدل ايست مونيتور" إلى إعلان وزارة الخارجية الأمريكيّة في كانون الثاني/ يناير 2021، بأنّ السعودية شريك حيوي للولايات المتحدة في مجموعة واسعة من القضايا الأمنية الإقليميّة، والكشف عن أنّ وكالات الاستخبارات الأمريكيّة تعتقد أن الرياض تقوم الآن بتصنيع صواريخها الباليستية الخاصة بنشاط بمساعدة الصين، إلا أنّه من الصعب أن تتخلى السعودية عن محاولات كسب ود "أمريكا بایدن"، وعادة ما تذكر السعودية صديقتها الحميمة أنّها ستبقى أكبر شريك استراتيجيّ لها في المنطقة.
ولأنّ مملكة آل سعود تنتهج سياسة لا تتماشى أبداً مع سياسة "أمريكا بايدن" المدفوعة، لابد لأولئك الحكام أن يقدموا الطاعة والكثير من التنازلات ما يعني المزيد من الدعم للولايات المتحدة، دعم ربما يضاهي ما قدمته الرياض لإدارة ترامب الذي قام بزيارتها بعيد انتخابه في أيار/مايو 2017، وأقام مع قادتها وخصوصاً محمد بن سلمان علاقات وطيدة للغاية.
وبالاستناد إلى الدعم الأمريكيّ المُذل، لم تهتم المملكة النفطية للانتقادات المتكررة من قبل المنظمات الحقوقية المعروفة كـ "هيومن رايتس ووتش"، ولا حتى المفوضية السامية لحقوق الإنسان، التابعة للأمّم المتحدة، ولم يصغ المجتمع الدوليّ لدعوات لجنة "الدفاع عن حقوق الإنسان في شبه الجزيرة العربيّة"، التي تطالب بإيقاف الدعم السياسيّ عن نظام آل سعود، ما يطرح تساؤلات كثيرة حول آلية التعامل الأمريكيّة والدوليّة مع الرياض وغياب محاسبة قياداتها.
وعود زائفة
كلنا نذكر وعود بايدن وشعاراته الانتخابيّة التي أثقبت مسامعنا بضرورة جعل المملكة منبوذة بسبب القتل الشنيع لخاشقجي وتقطيع أوصاله، فضلا عن مجموعة من انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى، بما في ذلك التواطؤ في تحقيق ما اعتبرته الأمم المتحدة “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” باليمن، لكن أموال السعودية الطائلة جعلته يصمت ويتغاضى عن جرائم ولي العهد لدرجة أنّه أصبح مهووساً بالمال والنفط السعوديّ وشريكاً بكل ما تعنيه كلمة شريك في جرائم محمد بن سلمان في السعودية وخارجها.
ولأنّه ضمن الدعم الأمريكيّ والسكوت التام للإدارة الأمريكيّة، تفرغ الأمير الشاب إلى ناشطي المعارضة بشكل كبير، بعد أن تخلص من أهم منافسيه من خلال حملات الاعتقالات التي شملت أبرز الأمراء وكبار المسؤولين في البلاد، إضافة إلى مجموعة من الوزراء الحاليين والسابقين وبعض رجال الأعمال، حيث وسعت سلطاته حملات الاعتقالات، لتشمل الدعاة والعلماء والسياسيين والتجار، ولم تستثن الأقرباء المنافسين له كأبناء عمومته وأبنائهم وأسرهم.
بناء على ذلك، ظلت وعود الرئيس بايدن مجرد كلام وحبر على ورق، فيما تُتهم السعودية بمحاولة شراء المواقف الدوليّة بعد أن أصبحت في السنوات الأخيرة، قبلة فنية وثقافية وترفيهية عالميّة، يتوافد عليها نجوم الفن والغناء من مختلف دول العالم، في إطار خطط البلاد للانفتاح على ثقافات العالم بعد عقود من الانغلاق استناداً لتفسيرات دينيّة ما لبثت المملكة أن تخلت عنها، للتغطية على جرائم الحكومة بحق مواطنيها، ولكي تقنع الرياض الرأي العام العالميّ بأنّها أصبحت ديمقراطيّة في ليلة وضحاها وأنّه بات لديها "صورة مختلفة"، بعد الفضائح المشينة التي وثقت المنهج الدمويّ الذي يتبعه حكام السعودية للبقاء في سدة الحكم، خاصة بعد إثبات أميركا نفسها تورط وليّ العهد السعودي بجريمة اغتيال وتقطيع الصحافيّ السعوديّ المعروف جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018.
وإنّ نتائج الوعود الأمريكيّة الزائفة، باتت تشاهد بأم الأعين، حيث انتهج مستبدو الرياض سياسة "إرهاب الدولة" ضد مواطنيهم من المفكرين والحقوقيين والنشطاء السياسيين في الداخل، وكذلك ضد شعوب المنطقة ولقد استفحل هذا النهج بشكل كبير مؤخراً، ويشير مصطلح إرهاب الدولة إلى أعمال الإرهاب التي تقوم بها الدولة ضد شعبها أو أهداف أجنبيّة، كما يمكن الإشارة بذلك إلى وصف انتشار أعمال العنف من جانب دولة ضد شعبها.
كما أنّ النظام السعوديّ الجاثم على قلوب السعوديين باعتباره ملكيّاً بالمطلق ولا يتيح أيّ مجال لمعارضة سياسيّة في البلاد، حولها محمد بن سلمان إلى سجن كبير بالنسبة للمعارضين أو من يُتهمون بذلك، وقام باعتقالات تعسفيّة كثيرة بحق العديد من النشطاء والسياسيين ورجال الدين السعوديين، بعدما أحس بأنّ هناك ثورة شعبيّة تتنامى في الشارع السعوديّ ولهذا فقد أسرع وقام بالكثير من جرائم الحبس والاعتقال والقتل للعديد من معارضيه الذين طالبوا بالعديد من الاصلاحات الحقيقة في السعودية، فيما يُعتبر المصير الوحيد لمن يُعبر عن آرائه هو إقامة دائمة خلف القضبان، لمجرد ممارسة حقهم المشروع في حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع، ما يجعلهم يخسرون سنوات طويلة من حياتهم لمجرد دعوتهم إلى التغيير والإصلاح في بلد لا تعرف من الحرية حتى اسمها.
وقد جعلت السلطات السعوديّة هذا الوضع المُستبد أمراً واقعاً في استغلال كبير للصمت الدوليّ المؤسف، حيث لجأت إلى قوانين وأحكام فضفاضة ومعقدة الصياغة، وخاصة في قوانين العقوبات والإجراءات الجنائيّة وجرائم الإنترنت وغيرها من القوانين لاحتجاز الأفراد بشكل تعسفيّ ومحاكمتهم ومعاقبتهم، وساوت بين الأنشطة السياسية السلميّة والتهديدات لأمن الدولة، وفرضت قيوداً شديدة على التجمعات العامة والمظاهرات، وحظرت وحلّت المنظمات غير الحكوميّة المستقلة وحبست مؤسسيها، وجماعات المعارضة السياسيّة.
ولأنّ شعارات جو بايدن الزائفة المناهضة للسعودية خلال الانتخابات لم تؤتِ أوكلها، حيث إنّ التوقعات العالميّة لتغيير السياسة الأمريكية تجاه السعودية كانت كبيرة جداً، أصيب الجميع ومن بينهم الأمريكيين بخيبة أمل كبيرة، بعد أن قامت الإدارة الأمريكيّة بحصر هذه القضيّة المهمة في الإفراج عن عدة سجناء ودعم حقوقهم بالإضافة إلى فرض عقوبات لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين أنّ هذا الملف السعوديّ المُشين، أكثر دمويّة بعشرات المرات من هذه الحالات، الشيء الذي أماط اللثام عن نفاق وكذب الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، صاحبة الهم الوحيد وهو كم ستجني من السعوديّة، الشريك الأمنيّ والمشتري البارز للأسلحة الغربيّة.