الوقت- في الآونة الأخيرة، اتفق وزراء دفاع دول مجلس التعاون على إنشاء مركز قيادة واحد في الرياض. وجاء القرار في الاجتماع الثامن عشر لوزراء دفاع دول مجلس التعاون، الذي عقد الاثنين الماضي.
وبحسب "نايف فلاح مبارك الحجرف" الأمين العام لمجلس التعاون، في افتتاح مركز القيادة، فإن الهدف من إنشاء مثل هذه المؤسسة هو "حماية أمن وإنجازات الدول الخليجية وتكامل قدراتها وقوتها لمنع التهديدات الوشيكة لمن يسعون إلى تقويض أمن شعوب هذه الدول".
المخاوف الأمنية ومتغير الانسحاب الأمريكي من المنطقة
عادةً ما يحدث الميل لتشكيل تحالفات إقليمية لمواجهة التهديدات المشتركة، والذي يمكن الإشارة إليه بمبدأ خلق التوازن، عندما يكون اثنان أو أكثر من الفاعلين الإقليميين غير قادرين بشكل فردي على تحقيق التوازن بين المنافسين، أو التعامل مع مصادر التهديد المختلفة. ولذلك، يحاولون خلق التوازن والأمن المشترك من خلال تشكيل الائتلافات.
وعلى الرغم من أن منظمة دول مجلس التعاون هي منظمة إقليمية لها أهداف تتجاوز القضايا الأمنية، إلا أن دور الشعور بالتهديد من التطورات الإقليمية في أواخر السبعينيات، مع انتصار الثورة الإسلامية في إيران والاحتلال السوفيتي لأفغانستان وتعطيل البنية الأمنية السابقة التي کانت تعتمد علی الغرب، كان السبب الرئيسي لإنشاء هذا المجلس.
وبناءً على ذلك، مع تخطيط الولايات المتحدة ودورها لمنع انتقال الخطاب الثوري للشعب الإيراني إلى دول إسلامية أخرى في المنطقة، تم اعتبار مجلس التعاون وسيلةً لتحقيق التوازن بين مشيخات الخليج الفارسي وإيران. ونتيجةً لذلك، قرر أعضاء مجلس التعاون في عام 1984 إنشاء قوة عسكرية مشتركة تسمى(درع الجزيرة).
في العقدين الماضيين، ولا سيما في السنوات التي أعقبت عام 2011، حدثت تطورات جيوسياسية مهمة في هندسة القوة والتحالفات الإقليمية، والتي تمشل الإطاحة بالنظام البعثي في العراق وصعود الشيعة في هذا البلد، تحوُّل تركيا إلی منافس جديد لقيادة العالم الإسلامي في عهد أردوغان، صعود محور المقاومة بعد انتصارات المقاومة الفلسطينية واللبنانية والسورية واليمنية على التحديات، ومؤخراً اتفاقيات تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني.
لکن في هذه الأثناء، فإن أحد التطورات المهمة في المنطقة، والذي ربما يكون المتغير الأكثر تأثيرًا على قرار مجلس التعاون للتحرك نحو إعادة بناء وتحديث وتعزيز فاعلية التحالفات العسكرية السابقة بناءً على الظروف الإقليمية الحالية، هو الانسحاب التدريجي للقوات الأمريكية من المنطقة.
إن الانسحاب الفاضح للولايات المتحدة من أفغانستان، والذي أصبح رمزاً لتراجع هيمنتها العسكرية والسياسية على الساحة الدولية، قضية ستزيد من حدة المعضلة الأمنية للدول الخليجية.
بطبيعة الحال، كان هذا المجلس قد واجه في السابق صدمةً كبيرةً بشأن الدعم العسكري والأمني لواشنطن، من خلال عدم تلبية الولايات المتحدة للتوقعات السعودية بشأن التدخل في هجوم 2018 على منشآت أرامكو النفطية.
وفي هذا السياق، يبدو أنه بعد إثبات عدم فاعلية آليات الدفاع المشترك السابقة مثل درع الجزيرة والتفكك السياسي في مجلس التعاون، خاصةً مع أزمة حصار قطر التي استمرت ثلاث سنوات عام 2017، فإن إنشاء مركز قيادة مشترك، مع الدور الأمريکي مجدداً، خطوة لاستعادة هيكل التعاون الدفاعي المشترك بين هذه الدول.
إستمرار الثغرات الأمنية في دول مجلس التعاون
لا شك أن أهم رسالة في تكوين التحالفات العسكرية، هي إظهار الوحدة بين الأعضاء وبعث هذه الرسالة لمواجهة التهديدات.
لكن الاعتماد المفرط على القوة الأجنبية(الولايات المتحدة)، ووجود مستويات مختلفة من النزاعات الإقليمية والحدودية، والاختلافات السياسية والأيديولوجية، والمنافسات الجيوسياسية بين الأعضاء على مدى العقود الأربعة الماضية، أدت عملياً إلى عدم كفاءة آليات الدفاع المشتركة(مثل درع الجزيرة) في الأوقات الحرجة. ومن الأمثلة الواضحة علی ذلك في السنوات الأخيرة، قضية فشل التحالف السعودي لغزو اليمن في عام 2015.
بينما تحولت حرب اليمن، كأكبر تهديد عسكري للسعودية في تاريخ الحكم السعودي علی شبه الجزيرة، إلی اختبار للقدرة العسكرية لأقوى أعضاء مجلس التعاون(السعودية والإمارات) المجموعة الأمنية لمجلس التعاون أولاً، واتفاقيات التعاون العسكري المشترك في المجلس ثانيًا، أظهرت أزمة حصار قطر عدم قدرة آليات الدفاع المشترك على معالجة المخاوف الأمنية الرئيسية للأعضاء الأصغر ضد هيمنة الأعضاء الأكبر.
اليوم، من خلال إبرام تحالف عسكري مع تركيا، تعمل قطر عمليًا على تلبية احتياجاتها الأمنية خارج الهياكل الدفاعية لمجلس التعاون. کما يواصل الكويتيون الإصرار على استمرار الدعم العسكري الأمريكي.
وبالتالي، لا تزال هذه الثغرات الأمنية الكبيرة تلقي بظلالها على مركز القيادة المشتركة المنشأ حديثًا، دون فهم واقعي للخلافات.