الوقت- لطالما كانت محافظة مأرب ذات أهمية جيوسياسية وعسكرية واقتصادية خاصة في ميزان القوى في اليمن. وخلال غزو تحالف العدوان السعودي لليمن، تم تحديد المحافظة على أنها إحدى الأهداف الاستراتيجية للمعتدين، وعلى مدى السنوات الست الماضية، بُذلت جهود كثيرة للسيطرة عليها من قبل أعداء حكومة صنعاء ولجانها الشعبية. وتقع محافظة مأرب على بعد 173 كم شمال شرق صنعاء وتبلغ مساحة هذه المحافظة حوالي 17405 كيلومترات مربع وتضم 14 مديرية. وبحسب آخر تعداد لعام 2014، بلغ عدد سكان هذه المحافظة حوالي 306 آلاف نسمة. وفي كانون الثاني / يناير 2020، بدأت قوات "أنصار الله" والجيش اليمني عملياتهم في منطقتي نهم وصرواح للتسلل إلى محافظتي مأرب والجوف، وأخذوا زمام المبادرة في هذه المناطق، مستخدمين عنصر المفاجأة. ونجحوا في السيطرة على مديرية نهم في عملية "البنيان المرصوص" وتمكنوا من السيطرة على مناطق واسعة جنوب غرب محافظة الجوف. واستمر هذا الاتجاه في آذار 2020، ونجحت القوات اليمنية واللجان الشعبية في السيطرة على منطقة الغيل والتقدم إلى مدينة الحزم والمتون، كما زادت نفوذها العسكري في الجزء السفلي من محافظة مأرب. واستجابة لهذا التقدم الميداني، استهدفت القوات الغازية عمومًا الأبرياء والعائلات اليمنية بضربات جوية ونفذت عمليات قتل على نطاق واسع بين المدنيين.
الأهمية الاستراتيجية لمحافظة مأرب
أدت الأهمية الإستراتيجية لمحافظة مأرب إلى تقليص عملية تحرير هذه المحافظة تدريجياً، لا سيما وسطها. وهذه المحافظة مهمة لكلا طرفي الصراع وذلك يرجع لأبعاد مختلفة:
أ: الأهمية السياسية:
يعتقد الخبراء أن نتيجة الحرب في مأرب حاسمة في تحديد المصير النهائي للحرب اليمنية، وأن الفائز في هذه المعركة سيكون له اليد العليا في التوازنات الميدانية والسياسية المستقبلية. وبحسب التقسيمات الإدارية التي تشكلت في اليمن عام 2014، تم تقسيم الجمهورية اليمنية إلى ستة اقاليم سياسية، وأصبحت خلالها محافظة مأرب مع محافظتي البيضاء والجوف جزءًا من أقليم سبأ وعاصمة هذا الاقليم كانت مدينة مأرب. وأدى هذا الانقسام إلى أن تكون مأرب منافسًا سياسيًا للعاصمة اليمنية صنعاء، لأنها تمتلك أيضًا احتياطيات نفطية وثروة كبيرة، وتولد لصنعاء الكهرباء. وكانت هذه المحافظة تحت الحصار منذ بداية الغزو السعودي لليمن، ويعتبر الرئيس اليمني المستقيل "عبد ربه منصور هادي" نفسه حاكم لتلك المنطقة، حيث قام بزيارة قصيرة ليوم واحد فقط إلى مأرب في السنوات الست الماضية واستمر في متابعة هذه المناطق من فنادق الرياض خلال السنوات الماضية!
ب: الأهمية العسكرية:
تحظى هذه المحافظة بأهمية عسكرية كبيرة بسبب موقعها الجيوسياسي وطول حدودها المشتركة مع محافظة صنعاء، ونظراً إلى أنها كانت دائماً تحت سيطرة العناصر المرتزقة في السنوات الأخيرة، كانت المناطق الحدودية في هذه المحافظة تشهد دائمًا توترات طويلة الأمد وحدثت صراعات كبيرة فيها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الطريق الرئيسي من صنعاء إلى مأرب وطريق الاتصال بين المدينتين عبر مديرية صرواح، لهما أهمية جيوسياسية خاصة في البعد العسكري لكلا الجانبين. وهذا المسار الذي يرافقه الكثير من العقبات عند مدخل صنعاء، يتسم بالسلاسة والانسيابية نحو مدينة مأرب، وهو من النقاط المهمة لـ"أنصار الله" في عملية الاشتباكات. أما محافظة مأرب فهي بوابة محافظتي شبوة وحضرموت الساحليتين اللتين يسيطر عليهما الرئيس اليمني المستقيل. وتتمتع هذه المحافظات بموارد وفيرة من النفط والغاز، وتسمح موانئها بتصدير هذه الموارد، بالإضافة إلى ارتباطاتها البرية والدولية عبر المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان. وهنا يعتقد "أحمد ناجي"، الخبير اليمني في شؤون "مالكوم كارنيغي" الشرق الأوسط، أن مأرب هي مركز التركيز العسكري للحكومة في شمال البلاد، وأن تحريرها من قبل "أنصار الله" سيعطيهم اليد العليا في المفاوضات المستقبلية.
ج: الأهمية الاقتصادية
تعتبر محافظة مأرب ذات أهمية اقتصادية كبيرة لوجود موارد النفط والغاز في أراضيها. كما تمتلك هذه المحافظة امكانية توليد الكهرباء باستخدام الوقود الغازي لمحافظة صنعاء وعدد من المدن الاخرى في شمال ووسط اليمن، وقد تم تنفيذ هذه المهمة من خلال محطة كهرباء "صافر" منذ عقود، ولكن في الوضع الحالي ونتيجة لهذه الحرب فقد توقف جميع هذه الأنشطة. وبلغ إنتاج محافظة مأرب النفطي في عام 1986، 80 ألف برميل في اليوم، لكن بعد الحرب انخفض إنتاج النفط في هذه المنطقة إلى 8 آلاف برميل فقط. وبعد توقف إنتاج النفط في هذه المحافظة، بدأت قوات تحالف العدوان السعودي في إنتاج 20 ألف برميل نفط يوميًا منذ عام 2019، منها نحو 10 آلاف برميل يتم تكريرها داخل اليمن والباقي يتم تهريبها للخارج. كما تمتلك اليمن أكبر حقل للغاز الطبيعي في المحافظة باحتياطي 9.15 تريليون متر مكعب. وتشير بعض التقديرات إلى أن احتياطي الغاز في الحقل يزيد عن 15 تريليون متر مكعب
الفوائد الاستراتيجية لتحرير مأرب بالنسبة لـ"أنصار الله"
إذا تمكنت قوات "أنصار الله" من السيطرة الكاملة على محافظة مأرب، فإن مرتزقة الرئيس اليمني المستقيل سيفقدون العديد من قواعدهم الأخيرة في المحافظات الوسطى والشمالية. وهذا الانتصار بالنظر إلى الثقل الاستراتيجي لمحافظة مأرب، يمكن أن يمهد الطريق لانتصارات أخرى لأبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية على المرتزقة المعتدين. كما أن التحرير الكامل لمحافظة مأرب يمكن أن يضع خيار المفاوضات والتسويات السياسية على أجندة قوات تحالف العدوان السعودي، ويمكنهم إعادة النظر في حساباتهم. إن تحرير مأرب يعني تقوية كافة حدود المناطق الشمالية من البلاد. وفي غضون ذلك، يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي أيضًا على مناطق شبوة وحضرموت والمهرة وأبين وأرخبيل سقطرى. وهذا يضعف قوة "منصور هادي" ويضعف قواته المتمركزة في هذه المناطق.
وبالإضافة إلى ذلك، وبحسب الثقل الاقتصادي لمحافظة مأرب، فإن سيطرة أبطال الجيش واللجان الشعبية اليمنية على هذه المحافظة، على الرغم من أنه لا يمكن أن يكون لها دخل اقتصادي كبير على المدى القصير، لكنها ستوفر جزءًا من موارد البلاد من النفط والغاز. وفي هذه الحالة، سيمكن لليمنيين استخدام عائدات هذه المحافظة الغنية بالنفط لصالح الناس على المدى الطويل، وبتحرير مأرب، سيمكن لـ"أنصار الله" تفعيل محطة توليد الكهرباء في المحافظة وتزويد محافظات صنعاء وبعض المدن الأخرى في البلاد بالكهرباء.
ويعيش المرتزقة في محافظة مأرب شمال شرقي صنعاء أياماً سوداء وكئيبة؛ بفعل الهزائم التي تلاحقهم من منطقة إلى أُخرى، وآخرها ما حدث في عملية "ربيع الانتصار" من تحرير مديريات هامة جنوب مدينة مأرب. ويعد تحرير المديريات الواقعة جنوبي مأرب ضربة قاصمة للعدوان الذي ظل يراهن عليها طيلة السنوات الماضية، وحولها إلى أوكار للتنظيمات التكفيرية الإجرامية، ومنطلقاً لتنفيذ كل الخطط الإجرامية لقوى العدوان الأمريكي السعودي. وحول هذا السياق، قال عضو المجلس السياسي في حركة "أنصار الله"، "محمد البخيتي"، إن "تحرير مأرب ستكون له آثار كبيرة متعلّقة بطرد قوات الاحتلال واستعادة الثروات النفطية"، وأكد أنه سيكون هناك تصعيد كبير قريباً من الشعب اليمني ضد "التحالف". وقال عضو المجلس السياسي، إن "قيادة التحالف السعودي موجودة في مأرب، وكل عملياتها تُدار من هناك. وبالتالي، فإن تحرير ما تبقى من مأرب هو هدف مهم لليمن، وسيشكل نقطة تحول، ودخول مرحلة جديدة". وأكد "البخيتي" أن "تحرير مأرب ستكون له آثار كبيرة، متعلقة بطرد قوات الاحتلال واستعادة الثروات النفطية"، مشيراً إلى أن "هناك زخماً شعبياً كبيراً في اليمن يمثل نقطة تحول من أجل حسم المعارك ضد التحالف، وسيكون هناك تصعيد كبير قريباً من الشعب اليمني ضده". وقال إن "الهيمنة الجوية للتحالف السعودي لم تستمر طويلاً"، مشدداً على أن القوات المسلحة اليمنية تستمر في تحسين قدراتها العسكرية.