الوقت- أثارت جريدة "الوطن" الناطقة بالفرنسية جدلا واسعا في الجزائر بعد حذف منارة مسجد الجزائر الأعظم من صورة صفحتها الأولى التي خصصتها لجنازة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، ما دفع وزارة الاتصال إلى إصدار بيان حول الواقعة التي ربطتها الجريدة بخطأ تقني. ونشرت هذه الصحيفة في عددها ليوم أمس الثلاثاء صورة لمرور الموكب الجنائزي للرئيس الراحل "بوتفليقة" بمنطقة المحمدية بالعاصمة وفي خلفية الصورة توجد عمارات، لكن غابت عنها مئذنة الجامع الأعظم، و أرفقت الصورة بعنوان حول الجنازة جاء فيه "جنازة بالحد الأدنى". إن تغييب وحذف المئذنة أثار الكثير من التعليقات والانتقادات للجريدة، في حين ربط كثيرون ما جرى بخلفية إيديولوجية تتبناها الجريدة، ما دفع القائمين على هذه الصحيفة إلى إصدار بيان برروا فيه ما جرى بأنه راجع إلى خطأ تقني أدى لاختفا” المنارة من الصورة، وعبروا عن اعتذارهم للقراء. ونفت الجريدة في نفس الوقت أن يكون ما وقع له حسابات إيديولوجية.
غير أن تبريرات هذه الصحيفة لم تقنع قطاعا واسعا من رواد مواقع التواصل، حيث نشر الصحافي "قادة بن عمار" منشورا على حسابه جاء فيه "حذف المنارة أكبر من مجرد خطأ مهني.. وتوضيح الصحيفة عذر أقبح من ذنب!! يا ليتهم اعترفوا بانهم فعلوا ذلك قصدا لكان أشرف لهم من البحث عن حجج غير مقنعة!! الى وقت قريب كانت هذه الصحيفة تُنصّب نفسها عرّابة المهنية والمهنيين، وقد سبق لها محاكمة غيرها وتحديدا التلفزيونات الخاصة، لمجرد أخطاء او هفوات، او لخط افتتاحي يختلف معها، بل وطالبت بإغلاقها ونصبت المشانق للزملاء!! الآن، فاحت رائحة الأيديولوجية المقيتة وبات من الصعب ان يخفيها مجرد اعتذار!!". وعلى صعيد متصل، قال عضو جمعية المصورين الصحفيين في الجزائر "جعفر سعادة"، إن "منارة المسجد أصل ثابت في المشهد عند التصوير من كل الزوايا الممكنة للتصوير في تلك المنطقة، ولا يمكن لأي مصور تجنبها، وإذا أخذ المصور صورة فيجب أن تظهر المنارة خلف العمارة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إخفاؤها، وكل الصور المنشورة في لحظة مرور الموكب الجنائزي من نقطة التصوير نفسها تظهر فيها المنارة".
وعبّر مدونون عن استيائهم مما اعتبروه سلوكًا غير مهني قامت به إدارة تحرير الصحيفة، ووصفوه بـ"التزوير المفضوح"، بسبب خلفيات أيديولوجية تقدمية تحرك توجهات الصحيفة التي ناهضت، في تقارير صحافية سابقة، مشروع بناء المسجد الأعظم، واعتبرت ذلك جزءاً من الفساد في عهد الرئيس بوتفليقة. ووصف الباحث بلال كوردي الفعلة بأنها "حقد أعمى". فيما كتب الشاعر عبد العالي مزغيش "الفوتوشوب يعكس أنه لا مهنية الوطن، انظروا إلى احترافية ومهنية جريدة الوطن الناطقة بالفرنسية!! حذف جامع الجزائر الأعظم يدل على عدم مهنية الصحيفة التي تلاعبت بالصورة، عيب". واعتبر الإعلامي مروان لوناس أن مسح المئذنة من الصورة الأصلية عمل "لا مبرر فنياً ولا تقنياً له. إنه تعبير فقط عن عقدة نفسية مستعصية". وعلق الصحافي أبو طالب شبوب على القصة، ووصفها بعملية فوتوشوب رديئة لحذف صورة صومعة مسجد الجزائر، واعتبر أن "جريدة الوطن تريد إرسال رسالة مفادها أن بوتفليقة انتهى للأبد ولا أثر له بعد الآن، لذا حذفوا أي أثر للمسجد، باعتباره الجزء الظاهر الباقي من إرث بوتفليقة. لكن هذه مراهقة إعلامية، تقدر توصّل نفس الرسالة بدون التورط في حذف صورة الصومعة. لا فرق بين سلوك جريدة الوطن اليوم وسلوك أتفه صفحة ذبابية. انحطاط حقيقي".
وأمام هذا الجدل الذي أثارته الجريدة، أصدرت وزارة الاتصال بيانا شجبت فيه بقوة وبكل وضوح هذه التصرفات السلبية خاصة في ظل تعرض الجزائر لهجمة سيبرانية ومخططات ممنهجة لتشويه صورتها وقيمها المقدسة، واعتبرت ما حصل اعتداء صارخا على القوانين وانحرافا عن قواعد الاحترافية. وقالت الوزارة إنها تحتفظ بحقها الكامل في القيام بالمتابعات القضائية التي يقتضيها الوضع. وذكرت الوزارة بأن تصميم جامع الجزائر والشكل والمخطط المعماري له محمي بقوانين الجمهورية، التشريعية منها والتنظيمية. وتابعت أن الصورة "طمست منها بشكل مريب منارة جامع الجزائر الذي يشكل رمزاً من رموز الجزائر المستقلة، ومعلماً بارزاً من معالم الجزائر الجديدة"، وهو أمر بالغ "الحساسية لارتباطه بوجدان الأمة ممثلة في أبرز رموز ومقومات الهوية الوطنية ومكونات الشخصية الجزائرية المستهدفة بمختلف الطرق والوسائل".
وأكدت أن القانون يمنع "حجب الجامع بصفة جزئية أو كلية أو تشويه أو إخفاء وجهه الجمالي". وأعلنت وزارة الاتصال "احتفاظها بحقها الكامل في القيام بالمتابعات القضائية التي يقتضيها الوضع". واعتبرت أن إظهار الصورة التي طمس منها جامع الجزائر بالشكل الذي ظهرت به في غلاف الصحيفة "يعتبر اعتداء صارخاً على هذه القوانين، وتشويهاً لهذا الصرح الكبير والمعلم الديني وخرقاً لأخلاقيات المهنة وانحرافاً عن قواعد الاحترافية". ودعت الوزارة جريدة "الوطن" وكافة الصحافيين والإعلاميين إلى "التحلي بالاحترافية المطلوبة وإلى الالتزام بضوابط المسؤولية الذاتية والقانونية وبآداب وأخلاقيات المهنة".
ولقد تصدر هاشتاغ "مسجد الجزائر الأعظم هويتي"، يوم أمس الثلاثاء، الترند على تويتر، بعد الضجة التي أحدثتها صحيفة الوطن الناطقة بالفرنسية بحذفها لمنارته من صورة صحفية لجنازة الرئيس السابق، "عبد العزيز بوتفليقة". وعبر نشطاء عن استيائهم من حذف منارة المسجد بطريقة مهينة، داعين لضرورة معاقبة الصحيفة والمسؤول الأول عن هذا التعدي الصارخ على صرح ديني. ولقي الهاشتاغ انتشارا كبيرا مرفقا بصور وفيديوهات للمسجد الأعظم مع تعليقات تعكس الفخر والاعتزاز به، باعتباره منبرا للمرجعية الدينية الوطنية الأصيلة، ومنارة للإشعاع العلمي والفكري. وقال مغردون إن المسجد الأعظم سيبقى منارة شامخة غصة في قلوب العلمانيين، ومن يريد تزييف التاريخ والحقائق وضرب الهوية الوطنية. وشهد تويتر إنزالا لفيديوهات وصور من مختلف الزوايا والأوقات، لإظهار جمال المسجد الأعظم وشموخه، نكاية في الجريدة التي تعمدت حسبهم نزع المنارة من الصورة.
والمسجد الأعظم في الجزائر هو ثالث أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين الشريفين في مكة والمدينة، بالمملكة العربية السعودية. وهو أيضًا أكبر مسجد في أفريقيا، ومئذنته هي الأطول في العالم إذ يبلغ ارتفاعها 267 مترًا. وحسب بعض المصادر، فقد تكلف تشييد مسجد الجزائر الأعظم أكثر من مليار دولار، واستغرق إكماله 7 سنوات، حيث أقيمت الصلاة الأولى داخله في أكتوبر 2020، بعد نحو عام من استقالة "بوتفليقة" من منصبه إثر احتجاجات حاشدة.