الوقت_ قبل بضعة أيام، أعلن التلفزيون الجزائريّ، وفاة الرئيس السابع للجزائر، منذ استقلالها عن فرنسا عام 1962، عبد العزيز بوتفليقة، عن عمر ناهز 84 عاماً، ويوصف الرئيس الجزائريّ الراحل بأنّه رجل المصالحة الوطنيّة الذي جلب السلم لبلاده بعد عقد من الحرب الأهليّة التي حصدت أرواح ما يقرب الـ 150 ألف شخص، بالإضافة إلى الخسائر الاقتصاديّة الضخمة، وقد تولى بوتفليقة رئاسة الجزائر عام 1999، فيما استقال لينهي فترة حكمه التي استمرت نحو 20 عاماً، عقب احتجاجات كبيرة استمرت لأسابيع عام 2019.
من الولادة إلى ما قبل الرئاسة
ولد الرئيس الجزائريّ السابق، عبد العزيز بوتفليقة عام 1937 في مدينة وجدة المغربية، وفي العام 1956، تخلى عن الدراسة ليلتحق بجيش التحرير الوطنيّ وهو في سن الـ19، وانخرط في القتال على العديد من الجبهات المشتعلة، وسرعان ما تبوأ مناصب رفيعة في قيادة ثورة التحرير الجزائريّة، كما التحق بهيئتي قيادة العمليات العسكريّة وقيادة الأركان غربي الجزائر، ثم بهيئة قيادة الأركان العامة.
وعقب استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسيّ عام 1962، ترك بوتفليقة الجيش واتجه إلى عالم السياسة، وانضم إلى حكومة أحمد بن بلة بحقيبة الشباب والرياضة والسياحة وهو في سن الـ25 من عمره، وبعد وفاة "محمد خميستي" أول وزير خارجية للبلاد بعد الاستقلال سنة 1963، تولى بوتفليقة المنصب وأصبح أصغر وزير للخارجية في العالم، وكان حينها يبلغ 26 عاماً.
وخلال الفترة التي كانت فيها الجزائر طرفاً فاعلاً في دعم الحركات المطالبة بالاستقلال والتحرر في العالم وفي حركة عدم الانحياز، ذاع صيت عبد العزيز بوتفليقة في الدوائر الدبلوماسيّة، حيث ترأس وفد بلاده للدورة الـ29 للجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974، وفي تلك الدورة، صادقت الجمعية العامة القرار 3236 الذي يؤكد حقوق الشعب الفلسطيني بـ 89 صوتاً ورفض 8 وامتناع 37، ويومها ألقى رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينيّة، ياسر عرفات، خطاباً وصف بالتاريخيّ أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، كما علقت عضويّة جنوب إفريقيا في منظمة الأمم المتحدة حينها، بسبب انتهاجها نظام الفصل العنصريّ.
وظل بوتفليقة وزيرا للخارجية حتى عام 1979 بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، الذي كانت تربطه به علاقة قوية منذ فترة الثورة التحريريّة، وعقب 6 سنوات قضاها بين أوروبا والخليج بسبب ملاحقته قضائياً بتهم تتعلق بالفساد الماليّ، سمح له الرئيس الجزائري آنذاك، الشاذلي بن جديد، بالعودة مع ضمانات بإسقاط التهم عنه عام 1987.
ولايات أربع
بعد سنوات طويلة من العنف والحرب الأهلية المعروفة هناك بـ "العشرية السوداء"، ترشح بوتفليقة مستقلاً للانتخابات الرئاسيّة بعد استقالة الرئيس، اليامين زروال، عام 1999، وقد انسحب جميع منافسيه بسبب اتهامات بالتزوير، فخاض الانتخابات مرشحاً وحيداً تحت شعار "جزائر آمنة مستقرة"، ووعد بإنهاء العنف الذي حصد عشرات الآلاف من الأشخاص، وخلف خسائر تُقدر بأكثر من 30 مليار دولار، وفاز برئاسة الجمهورية بدعم من الجيش وحزب جبهة التحرير الوطني، بنسبة 79 % من أصوات الناخبين.
وفي العام 2004، فاز عبد العزيز بوتفليقة بولاية ثانيّة بعد حملة انتخابية شرسة واجه خلالها رئيس الحكومة السابق، علي بن فليس، بحصوله على الغالبية الساحة من أصوات الناخبين بينما لم يحصل بن فليس إلا على 6.42% من الأصوات.
وفي الانتخابات التي جرت عام 2009، أعيد انتخاب بوتفليقة لولاية ثالثة بأغلبية 90% عقب تعديل دستوري عام 2008 ألغى حصر الرئاسة في ولايتين فقط، الشيء الذي لاقى انتقادات واسعة، واعتبره معارضوه مؤشراً واضحاً على نيته البقاء رئيساً مدى الحياة، وعلى تراجعه عن الإصلاح الديمقراطيّ.
ومن الجدير بالذكر أنّ الرئيس الجزائريّ السابق أصيب بجلطة دماغيةعام 2013 نقل على إثرها إلى المستشفى الفرنسيّ، وعاد إلى بلاده على كرسي متحرك، وخلال فترة غيابه، اعتبرت أحزاب وشخصيات جزائريّة منصب رئيس الجمهورية شاغراً ما يستدعي تطبيق المادة (80 ) من الدستور الجزائريّ، وعند عودته، شكك كثيرون في قدرته على ممارسة صلاحياته كرئيس للدولة وكقائد أعلى للقوات المسلحة.
ورغم كل ما ذُكر، ترشح بوتفليقة لولاية رئاسية رابعة عام 2014 وفاز بها بنسبة 81.53 في المئة من الأصوات بعد حملة انتخابية أدارها بالنيابة عنه أعضاء الحكومة ومسؤولون حزبيون، وفي العام 2016 صادق البرلمان الجزائريّ على تعديل دستور آخر عاد فيه بوتفليقة إلى تحديد رئاسة الجمهورية في ولايتين على الأكثر، وتعالت أصوات الأحزاب الداعمة له، خصوصا جبهة التحرير الوطنيّ والتجمع الوطني الديموقراطيّ، للترشح لولاية خامسة في انتخابات 2019، حيث ترشح لولاية خامسة وسط جدل كبير في الشارع الجزائريّ، حيث قابل الشعب ترشحه بالرفض لحالته الصحية بعد خروجهم في مظاهرات في 22 فبراير/ شباط عام 2019 ليعلن استقالته في 2 أبريل/ نيسان 2019.