الوقت- انطلقت فعاليات قمة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي يوم أمس السبت في منطقة "شولبان آتا" بقرغيزستان. وتأتي هذه القمة في وقت تواجه فيه دول المنطقة، بما في ذلك بيلاروسيا وكازاخستان وروسيا وقيرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، تحديات مشتركة في تطوير التعاون الاقتصادي وخلق سوق مشتركة في نهاية المطاف كهدف أساسي للاتحاد. وتشمل هذه التحديات الأمنية، وأزمة وباء كورونا، وتطوير التعاون وإزالة الحواجز التجارية. إن التنفيذ الناجح للقمة ليس بالمهمة السهلة. وذلك لأنه أولاً، فيروس كورونا آخذ في الارتفاع في أربع دول على الأقل في آسيا الوسطى، وسيكون لذلك تأثير سلبي على الوضع الاقتصادي للمنطقة. وهذا يستدعي توسيع التعاون لمواجهة تسارع انتشار هذا الوباء. وفي وقت سابق من هذا الشهر، اقترح الرئيس التركماني "بيردي محمدوف" إنشاء نظام استخبارات إقليمي لتبادل المعلومات بين البلدان العضوة في الاتحاد لتعزيز نظام الصحة العامة، مما سيساعد الحكومات على تعقب الأوبئة في جميع أنحاء آسيا الوسطى.
وبالإضافة إلى ذلك، في الأشهر الأخيرة، تورطت قيرغيزستان وطاجيكستان في توترات بسبب النزاعات الحدودية التي تهدد الاستقرار الإقليمي. ومع ذلك، كان عقد قمة آسيا الوسطى السنوية في وقت سابق من هذا الشهر في تركمانستان بحضور رؤساء تلك البلدان خطوة مهمة في تخفيف التوترات. ومن النقاط المهمة التي تم الاتفاق عليها في قمة آسيا الوسطى الحاجة إلى زيادة سهولة التجارة بين البلدان. وفي حين أن تكاليف الإنتاج منخفضة نسبيًا في كل بلد، فإن البضائع التي تتأخر لساعات عند المعابر الحدودية تزيد التكاليف. ولمعالجة هذه المشكلة التي طال أمدها، اجتمع قادة المجالس مع ممثلي الأعمال من كل بلد للعمل معًا لمعالجة هذه الحواجز. كما تعهد الرؤساء بتعزيز البنية التحتية الرقمية للمنطقة لدعم التجارة والاتصالات الحديثة، مع الالتزام بتعزيز التجارة الجمركية. وهذه المبادرة أطلقتها كازاخستان لجذب الاستثمار الأجنبي وخلق الابتكار المحلي كمفتاح لمزيد من النمو التكنولوجي والاقتصادي في آسيا الوسطى.
ولكن من دون شك، فإن أحد أهم التحديات والقضايا اليوم في آسيا الوسطى والاتحاد الاقتصادي الأوراسي هو أفغانستان. فقد أدت وتيرة التغييرات في أفغانستان بعد إعلان انسحاب القوات الأجنبية من البلاد، إلى سقوط كابول وسيطرة حركة "طالبان" على الشؤون الداخلية الأفغانية، لدرجة أن جيران أفغانستان كانوا قلقين من آثار وعواقب هذه التغييرات، لا سيما في الجانب الأمني. ويرتبط جزء من القلق بشكل حتمي بظهور أزمة لاجئين، والتي في مواجهة الظروف الاقتصادية السيئة وتفشي كورونا ستضع الكثير من التكاليف على الدول المجاورة لأفغانستان. ومعظم الأشخاص الذين يفرون من أفغانستان إلى طاجيكستان يفرون الآن من حركة" طالبان" التي سيطرت على كافة الولايات الأفغانية. ولقد واجهت أوزبكستان وضعا مماثلا في أوائل يوليو الماضي عندما حاول عشرات الجنود والمسلحين الأفغان عبور الحدود لكن لم يُسمح لهم بالدخول. ووفقا لتقرير، وصلت 22 طائرة عسكرية و 24 طائرة هليكوبتر على الأقل إلى أوزبكستان من أفغانستان بين 14 و 15 أغسطس، وعلى متنها 585 جنديًا أفغانيًا. وفي أوائل يوليو، عبر حوالي 1000 مدني أفغاني الحدود الشرقية إلى طاجيكستان.
إن المخاوف الأمنية هي جزء آخر من التأثير المحتمل للتطورات في أفغانستان على آسيا الوسطى. وانتشار الإرهاب والتطرف والفتنة العرقية والطائفية هو الشاغل الأمني الأهم لهذه الدول بسبب الفوضى التي تعيشها أفغانستان. وخلال الأيام الأولى لحكم حركة "طالبان" في كابول من عام 1996 حتى غزو الولايات المتحدة وحلفائها في عام 2001، تحدث قادة طالبان من الرتب المتوسطة أحيانًا عن احتلال مدينة "سمرقند"، أوزبكستان، التي تعتبر مركز تاريخي إسلامي مهم. كما تتمتع عشق آباد (عاصمة تركمانستان) بحصة اقتصادية أعمق في أفغانستان، مما يجعلها بوابة مهمة لمشاريع خطوط أنابيب الغاز المتوقفة منذ فترة طويلة، والتي تنقل حقول الغاز في تركمانستان إلى الأسواق الرئيسية في الهند وتربطها بباكستان. ولقد تم افتتاح معبر حدودي من مدينة "كيركي" في تركمانستان إلى مدينة "شبرغان" في أفغانستان في يناير الماضي ولقد حضر حفل الافتتاح في "قربانقولي بيردي محمدوف" و"أشرف غني" وكان ذلك الافتتاح لتعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين. وفي الوقت نفسه، فإن طاجيكستان، وهي منطقة معرضة لانتشار الفكر التكفيري في المنطقة، خاصتا وأن أعداد كبيرة من الشباب الطاجيكي ذهبوا إلى سوريا والعراق وأماكن أخرى من العالم، ليست مقتنعة كثيرًا بأن حركة "طالبان" ستكون مفيدة لها. لذلك ، أبلغت الدول الثلاث - تركمانستان وأوزبكستان وطاجيكستان – عن فتح قنوات للحوار مع مسؤولي طالبان في الأشهر الأخيرة.
اين روسيا من كل هذا؟
لقد أجرت موسكو، التي اتهمت الانسحاب الأمريكي غير المسؤول من أفغانستان بالمسؤولية عن الأزمة الحالية، عدة مناورات عسكرية مشتركة في الأسابيع الأخيرة. ومنذ نهاية يوليو الماضي، شاركت روسيا في ثلاث مناورات عسكرية مشتركة على الأقل، مع بكين في منطقة "نينغشيا" بغرب الصين، ومع أوزبكستان في منطقة التدريب الخاصة بها؛ ومع "طشقند ودوشنبه" بالقرب من الحدود الطاجيكية الأفغانية. ولقد تضمنت التدريبات الثلاثية، محاكاة هجمات جوية وبرية على توغل مسلحين، والتي تهدف بطبيعة الحال إلى الاستعداد للتصدي للتهديدات التي يمثله انتشار الإرهاب في أفغانستان، خاصة وأن روسيا تعلن عن خطط البيت الأبيض لنشر "داعش" بالقرب من حدود روسيا. لقد كانت روسيا، مثل ثلاث دول أوروبية وآسيوية، نشطة في التفاوض مع حركة "طالبان". ولقد سعى الكرملين إلى لعب دور في مستقبل البلاد من خلال استضافة عدة جولات من محادثات السلام ودعوة قادة "طالبان" إلى السلطة. وفي أحد مواقفه الأخيرة، اتهم وزير الخارجية الروسي "سيرجي لافروف"، حكومة كابول بوقف المحادثات وإحباطها، ورحب بالتزام حركة "طالبان" المزدوج بالحفاظ على الأمن في آسيا الوسطى ومواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في أفغانستان. وقضية أخرى مهمة تتعلق بالتطورات في أفغانستان بالنسبة لروسيا هي منع نقل القوات والقواعد الأمريكية إلى آسيا الوسطى. لقد استخدمت الولايات المتحدة قواعد في أوزبكستان وقيرغيزستان في المراحل الأولى من عمليتها عام 2001 في أفغانستان. ولكن واشنطن اضطرت إلى مغادرة أوزبكستان في عام 2005 وقرغيزستان بعد عقد تقريبًا، بعد ضغوط من روسيا والصين.
والآن، ومع ذلك ، فإن الجدل حول نقل القواعد الأمريكية إلى مناطق حول أفغانستان كان موضوعًا ساخنًا في المشهد السياسي والإعلامي في الأشهر الأخيرة. وبعد مغادرة أفغانستان دون الوصول إلى دول آسيا الوسطى، مثل أوزبكستان أو قيرغيزستان أو طاجيكستان، يجب على الولايات المتحدة استخدام قواعدها العسكرية في قطر أو حاملات طائرات تابعة للبحرية الأمريكية في المحيط الهندي للطيران إلى أفغانستان. ومع ذلك، فإن وقت الرحلة من دول الخليج الفارسي سوف يكون طويل جدًا بحيث يتعين على الطائرة بدون طيار الأمريكية إكمال أكثر من 60 ٪ من مهمتها للطيران من وإلى القاعدة الأمريكية في قاعدة "العديد" في قطر إلى أفغانستان وهذا الأمر سوف يحد من الوقت المستغرق لتنفيذ عمليات الاستطلاع أو الهجمات في جميع أنحاء البلاد. الجدير بالذكر أن "بوتين" أبلغ "بايدن" خلال اجتماع عقد مؤخرا في جنيف أن موسكو تعارض أي دور عسكري أمريكي في منطقة آسيا الوسطى وأن الصين سترفضه أيضا.