الوقت_ عقب وصول مئات السياح الصهاينة من الأراضي الفلسطينيّة المحتلة إلى مدينة "مراكش" جنوب غربيّ العاصمة المغربية الرباط، في أول رحلة تجاريّة مباشرة بعد 7 أشهر من التوصل إلى "اتفاق تاريخيّ" لاستئناف العلاقات بين العدو الصهيونيّ والمغرب مقابل اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الأراضي التي تحتلها في الصحراء الغربيّة، أطلق الشعب المغربيّ حملة ميدانيّة وإلكترونيّة، تحت شعار "لا مرحبا بالصهاينة في بلدي"، رفضاً لتلك الزيارة، وعكس تفاعل المغاربة عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ الرفض الشعبيّ المغربيّ للإساءات التي قامت بها حكومتهم بحق المغرب وشعبه أولاً وفلسطين ثانيّاً.
غضب شعبيّ
"#لا_مرحبا_بالصهاينة_في_بلدي"، ليس مجرد شعار أطلقه آلاف المغاربة للتعبير عن غضبهم من زيارة السياح الصهاينة، لكنّه تعبير واضح عن رفض الشعب المغربيّ استقبال أولى الوفود السياحية القادمة من الأراضي الفلسطينيّة التي يحتلها الكيان الغاصب، بعد أن وظفت حكومة المغرب قضية فلسطين للاستيلاء على الإقليم الصحراويّ المتنازع عليه، في تنازل عن أهم قضيّة عربيّة وإسلاميّة باعتراف جميع الأطراف الصهيونيّة والأمريكيّة والمغربيّة.
وفي الوقت الذي يدرك فيه الشعب المغربيّ جيداً حجم التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير "صفعة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، واصفت الحملة السياح القادمين إلى الأراضي المغربيّة بـ "مجرمي الحرب"، خاصة بعد أن تسببت الآلة العسكريّة للكيان المجرم خلال 11 يوماً في مايو/ أيار المنصرم، بسقوط أكثر من 275 شهيداً فلسطينيّاً، نصفهم تقريباً من الأطفال والنساء، وإصابة ما يقارب 9000 آخرين، ناهيك عن الخراب الذي خلّفه العدوان الغاشم.
وفي هذا الصدد، دعت "الجبهة المغربية لدعم فلسطين ورفض التطبيع"، الشعب المغربيّ إلى المشاركة بالحملة الإلكترونيّة المناهضة لقدوم الوفد الإسرائيليّ إلى البلاد، والذي يضمّ مستوطنين صهاينة من أصول مغربيّة، حيث تداول النشطاء صورةً تحمل شعار الحملة، كما شاركوا مواقفهم من خلال وسمٍ يحمل الشعار نفسه، كما شدَّدوا في منشوراتهم على التكاتف في رفض كافة أشكال التطبيع ودعم القضية الفلسطينية، في ظل مساومات الملك المغربيّ للسيطرة على أراضي الإقليم الصحراويّ منذ زمن بعيد، ولكن بشراسة أكبر بعد أن أقدمت واشنطن على ارتكاب "الذنب التاريخيّ" بحق فلسطين والصحراء الغربيّة، لإرضاء الكيان الصهيونيّ القاتل في عهد دونالد ترامب.
وتأتي تلك الحملة عقب أسابيع من إعلان شركة "العال" للطيران التابعة للعدو الصهيونيّ الغاشم، عن بدء الاستعدادات لتسيير رحلات سياحية من تل أبيب إلى مدينة مراكش ثالث أكبر محافظة مغربيّة بعدد السكان خلال فترة الصيف، وعلّقت إحدى الناشطات: "شاهدت فيديوهات لاستقبال فوج السياح القادمين من دولة الكيان المغتصب للأرض، والغاصب لحياة الفلسطينيين، والمدنس لمقدسات الأمة، فقط لمن أسعدتهم هذه الاحتفالية المبالغ فيها: ما إحساسكم أمام مئات الضحايا من الأطفال والنساء والدمار الذي لحق الشجر والحجر؟"، كما تساءل إدريس بوقرين عمراني قائلاً: "هل رأيتم يوماً مغاربةً آتين من بلاد المهجر يحملون أعلام البلدان التي أتوا منها عوض حمل علم بلادهم المغرب الذي يدّعون انتمائهم إليه؟".، وأضاف أنّ ذلك "استفزاز كبير للمغاربة الشرفاء"، مرفقاً منشوره بصورة عليها جملةٌ تعبِّر عن موقف الناشط اليهوديّ المغربيّ، سيون أسيدون، المعادي للكيان الصهيونيّ.
ومن المعروف أنّ عشرات الأحزاب والجمعيات المغربيّة تناهض التطبيع مع الصهاينة مجرمي الحرب، ومن مختلف التيارات، ما يدعم الموقف الشعبيّ في بلد مناصر للقضية الفلسطينية كما الفلسطينيين أنفسهم، لأنّ التطبيع مع القتلة يتناقض مع النزاع الحقوقيّ والدينيّ والروحيّ والأخلاقيّ، كما أنه يتم مع عدو يدنس مقدسات المغاربة ويحتل أولى قبلتهم ومسرى رسولهم يوميّاً، خاصة أن الاحتلال يسعى لإقامة ما يسمى "الهيكل المزعوم"، ويصادر ممتلكات وأوقاف الشعب الفلسطينيّ وهدم حارة المغاربة في القدس.
رحلات أسبوعيّة
تنفيذاً للاتفاقيات الخاصة بين الكيان الصهيونيّ والحكومة المغربيّة وبالأخص في المجال السياحيّ والاستثماريّ، كشفت المتحدثة باسم شركة،"يسرائير" التي سيرت الرحلة الجوية بين تل أبيب ومراكش، تالي ليبوفيتش، أنّه من المقرر تسيير رحلتين إلى ثلاث رحلات بشكل أسبوعيّ، حيث يعد المغرب موطناً لأكبر جالية يهوديّة في شمال إفريقيا مع تعداد يبلغ 3 آلاف شخص، ويعيش حوالي 700 ألف يهوديّ من أصل مغربي في الأراضي الفلسطينيّة التي يسيطر عليها العدو الإرهابيّ.
وإن تعبير السفير الصهيونيّ السابق لدى باريس، عن سعادته بما حصل يؤكّد مدى فرحة الكيان الغاصب بهذا الاختراق، لأنّ ما أسماها "الروابط الجويّة المباشرة" تعطي رؤية ووضوحاً للتطبيع الصهيونيّ -المغربيّ بحسب تعبيره، وخاصة بعد ما ذكرته شركة "إل عال" الصهيونيّة التي سيرت رحلات مماثلة، حول أنّها تعتزم تسيير رحلات أسبوعية إلى مراكش والدار البيضاء، حيث كان يأتي السياح الصهاينة ذوي الأصول المغربية عبر طرق غير مباشرة، لكن لم يكن باستطاعتهم الوصول عبر رحلات مباشرة ويضطرون للمرور بعدة بلدان.
وكالعادة، رحبت عرابة اتفاقات الخيانة والعمالة (الولايات المتحدة) بهذا الحدث، وذكرت وزارة الخارجية الأميركيّة عبر تويتر: "يسعدنا أن نشهد أول رحلة لشركة إل عال من تل أبيب إلى مراكش"، زاعمة أن هذا تطور مهم آخر نتج عن تحسن العلاقات بين شركائنا وأصدقائنا في الكيان والمغرب، في اعتداء على مشاعر الشعب المغربيّ الرافض لتلك المسألة، وإهانة لا يمكن تغطيتها بأيّ حديث مغلف بقشور الكذب والنفاق الأمريكيّ المعهود.
وتوقع خبراء في قطاع السياحة المغربيّ، أن تستقبل حكومة المغرب 200 ألف سائح صهيونيّ سنوياً بحلول العام المقبل، إلا إذا حالت دون ذلك تعقيدات متعلقة بوباء كورونا، وهو عدد من المرجح أن يرتفع بشكل كبير بسبب التسهيلات الكبيرة التي تقدمها الرباط للصهاينة، رغم أن القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للمجتمع المدني والحزبيّ في البلاد.
يشار إلى أنّ أول رحلة مباشرة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والعاصمة المغربية نُظمت في كانون الأول/ ديسمبر 2020، وأقلت دبلوماسيين صهاينة وُقعت على إثرها اتفاقات ثنائية ركزت على إدارة المياه وإعفاء الدبلوماسيين من التأشيرات والروابط الجوية المباشرة، ما أثار غضب الشارع المغربيّ الذي رفض تلك الزيارة بشكل قاطع وعبر حينها عن استيائه الكبير من الخيانات الكبرى التي ترتكبها حكومته.
وكان وزير الخارجية في حكومة العدو الصهيونيّ، يائير لبيد، أشار الأسبوع المنصرم، إلى رغبته بزيارة المغرب لاحقاً عقب تسيير أول رحلة من دون تحديد تاريخ ذلك، وجاء الإعلان الصهيونيّ بعيد نشر مجموعة إعلامية دوليّة تحقيقاً هاماً اتهمت فيه أجهزة الاستخبارات المغربيّة باستخدام برنامج "بيغاسوس" الصهيونيّ للتجسس على المواطنين وبالأخص المعارضين والصحافيين والشخصيات الوطنية والأجنبية.
ومن الجدير بالذكر أنّ المغرب رابع دولة عربية تدخل حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع الصهاينة، بعد الإمارات والبحرين والسودان، بالتزامن مع تسارع وتيرة التطبيع من بعض الدول والأنظمة العميلة لتنفيذ الاملاءات الامريكية، فيما يرفض الشعب المغربيّ بشكل مطلق خيانة فلسطين والقدس مقابل الوعود الأمريكيّ بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربيّة التي تحتل الرباط جزءاً كبيراً منها، ما يؤكّد أنّ الأهداف الأمريكيّة والصهيونيّة لن تمر بسهولة في هذا البلد مع اتساع الفجوة بين الحكومة الخائنة وشعبها المقاوم.
إذن، عكست الرحلة السياحيّة الصهيونيّة إلى المغرب نفس القدر من الرفض الذي حظيت به أول رحلة لمسؤولي العدو، ما يؤكّد بالدليل القاطع أن المغاربة لا يمكن أن يقبلوا بأن تطأ أقدام أعدائهم تراب وطنهم، خاصة في ظل قناعتهم الراسخة بأنّ بلادهم تسرق من بين أيديهم وأنّ قتلة الأطفال العنصريين وصلوا بإرادة حكومتهم إلى ديارهم.