الوقت_ عقب قرار قبول الكيان الصهيونيّ الغاصب، كعضو مراقب في الاتحاد الإفريقي (منظمة دولية تتألف من 55 دولة أفريقية، تأسس في 9 يوليو/ تموز عام 2002) دون استشارة أيّ من الدول الأعضاء، ذكرت وسائل إعلام عربيّة، أنّ الجزائر اتفقت مع 13 دولة لطرد تل أبيب من الاتحاد الإفريقي، وقد بدأت رسمياً بتشكيل طاقم أفريقيّ لرفض قرار اقحام الكيان الصهيونيّ في الاتحاد الأفريقي وذلك للحفاظ على مبادئ الاتحاد ودعم دولة الفلسطينيّة العربيّة، ومن الطبيعيّ أن يُغضب هذا الموضوع الجزائر التي كانت أول دولة تعترف بدولة فلسطين، وافتتحت معسكرات تدريبية للمقاتلين الفلسطينيين في ستينيات وسبعينيات القرن المنصرم، بالإضافة إلى ذلك رفضت تطبيع المغرب بعد اعتراف واشنطن غير الشرعيّ بالأراضي التي تحتلها الرباط في الصحراء الغربية.
استنفار جزائريّ
باركت الكثير من الدول الخطوة التي تتخذها الجزائر ضد العدو الصهيونيّ المجرم، ومن بينها: جنوب أفريقيا، تونس، أريتيريا، السنغال، تنزانيا، النيجر، جزر القمر، الغابون، نيجيريا، زمبابوي، ليبيريا، مالي، السيشل، وتؤكّد الجزائر أنّ دبلوماسيتها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه الخطوة التي قامت بها تل أبيب والاتحاد الأفريقي دون استشارة الدول الأعضاء، ولم تخف حكومة الجزائر قلقها من تمدد الكيان الصهيونيّ يوماً في القارة الأفريقية، خاصة بعد إدخال المغرب في حظيرة التطبيع الأمريكيّة مع تل أبيب، حيث أوضحت أنّ "العدو بات على حدود البلاد في إطار مخطط خارجيّ لاستهدافها".
ومنذ قبول الاتحاد الأفريقي بشكل غير شرعيّ "إسرائيل" كعضو مراقب، اعتبرت الجزائر أنّ ذلك يهدف لضرب استقرارها لأنّها تقف مع فلسطين والقضايا العادلة، وكان قد أعلنت رسمياَ قبل مدة، أن وزير الشؤون الخارجيّة والجالية الجزائرية في الخارج، رمطان لعمامرة، سيقوم ابتداءً من يوم الثلاثاء بزيارة أفريقيّة تشمل تونس ومصر وإثيوبيا والسودان، بهدف "محاصرة المدّ الصهيونيّ" في مؤسسات الاتحاد الأفريقي.
وبحسب مصادر جزائريّة، فإنّ هذا التحرك الدبلوماسيّ الواسع يأتي في الواقع محاربة التغلغل الصهيونيّ في القارة الأفريقية، وهو الاختراق الذي عملت الدبلوماسيّة الصهيونيّة على مدى سنوات لتحقيقه، علماً أن كيان الاحتلال الغاصب تمتع سابقاً بصفة عضو مراقب في "منظمة الوحدة الأفريقية" لغاية 2002، ومن ثم انتزع منه ذلك جراء استبدال هذه المنظمة بالاتحاد الأفريقي، ورغم ذلك مازال يحافظ على علاقات مع 46 دولة أفريقيّة، بحسب ادعاء وزير الخارجية في حكومة العدو.
وتزامنت عودة لعمامرة إلى وزارة الخارجية، وتطورات مثيرة على المستويين المغاربي والأفريقي، تمثلت الحالة الأولى في ارتفاع منسوب التوتر بين الجزائر والمغرب، بسبب ما وقع خلال الدورة الأخيرة للمؤتمر الوزاري لمنظمة دول عدم الانحياز والذي ميزه انزلاق الدبلوماسية المغربية بخصوص الوحدة الترابية للجزائر، وكذا فضيحة التجسس “بيجاسوس” التي سقط فيها نظام المخزن، أما الحالة الثانية فتمثلت في قبول دولة الكيان الصهيوني عضوا بصفة ملاحظ في الاتحاد الأفريقي.
والمثير للاستغراب في تلك القضيّة، أنّ القرار الأخير تم اتخاذه في وقت تعرض فيه الشعب الفلسطيني لحملة عسكريّة دمويّة وقصف مدمر مع استمرار الاستيطان والاعتقال والإجرام، خاصة أنّ قرار منح العدو الباغي صفة مراقب، لا يتوافق مع موقف الاتحاد الأفريقي الرافض بشدة لمنهج إسرائيل في قتل الفلسطينيين وتدمير بناهم التحتية المدنية، ويعتبر الاتحاد الأفريقي من أكبر المعاقل التي دافعت ولا تزال عن القضية الفلسطينيّة.
يُشار إلى أنّ مصر تُعد من أكبر الدول المؤثرة في الاتحاد الأفريقي، فيما تحتضن أثيوبيا مقر مؤسسات الاتحاد، وكانت وزارة الخارجية الجزائريّة قد أصدرت بياناً حول هذا الموضوع، مشدّدة على أنّ القرار يدخل ضمن صلاحيات الاتحاد الإداريّة فقط، نافية أن يؤدي ذلك إلى التأثير على الدعم الثابت والفعال للمنظمة القاريّة تجاه القضية الفلسطينيّة والتزامها بتجسيد الحقوق الثابتة للشعب الفلسطينيّ وأهمها إقامة دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
وفي ظل التكالب على فلسطين وداعميها من خلال الانجرار نحو اتفاقات العار لتمرير "صفعة القرن" التي تهدف إلى تصفيّة قضيّة الشعب الفلسطينيّ والعربيّ والإسلاميّ، والغوص في مشاريع التفتيت والتقسيم في المنطقة، نبهت الخارجيّة الجزائريّة إلى أن القرار الذي تم اتخاذه دون مشاورات موسعة مسبقة مع الدول الأعضاء، لا يحمل أيّ صفة أو قدرة لإضفاء الشرعيّة على ممارسات وسلوكيات المراقب الجديد التي تتعارض تماماً مع القيم والمبادئ التي ينص عليها القانون الأساس للاتحاد الأفريقي.
وفي الوقت الذي تعتبر فيه الجزائر أن القدس هي أولى القبلتين وثالث الحرمين وأن فلسطين هي "قبلة البلاد السياسية"، فمن المحتمل أن تنطلق الجزائر من خلال الكتلة العربيّة في الاتحاد الأفريقي، إضافة للدول الأفريقية المؤثرة وبالأخص أثيوبيا باعتبارها الدولة الحاضنة لمؤسسات الاتحاد الأفريقي، لمحاصرة المدّ الصهيونيّ داخل هذه الهيئة القاريّة، خاصة أنّ الجزائر كل فترة تعيد تذكيرنا بأنّها "كانت وستبقى مع فلسطين وشعبها وقيادتها الشرعيةّ حتى دحر الاحتلال الغاصب وقيام دولة فلسطين".
ومن الجدير بالذكر أنّ تل أبيب تقدّمت بطلبها أكثر من 10 مرات منذ 2002، ومارست ضغوطاً على حلفائها في أفريقيا مثل إثيوبيا وكينيا وغانا، ولكن لم يتحقق لها المطلوب إلا في عام 2021، عندما اتخذ رئيس الاتحاد الأفريقي التشاديّ الجنسيّة، موسى فكي، قراراً فرديّاً بذلك.
أسباب التغلغل الصهيونيّ؟
"إنّ مستقبل الأجيال القادمة في دول الاحتلال الصهيونيّ، مرتبط بقدر كبير بنشاطها في القارة الأفريقية"، مقولة لثالث رئيس وزراء لكيان الإجرام الصهيونيّ (1963-1969)، وقد عمل كل قادة العدو لتحقيق ذلك بكل ما أوتوا من قوة، لأنّ تل أبيب تدرك جيداً أهمية قارة أفريقيا التي تملك قدرات وإمكانيات هائلة من الموارد غير المستغلة، إضافة إلى حاجتها الماسة للتكنولوجيا الحديثة، ويضع قادة العدو هدفا إستراتيجيّاً بالتغلغل فيها، لما تمثّله من ثقل سياسيّ واقتصاديّ كبير، وباعتبارها سوقاً مفتوحة لمختلف منتجاتها ومن ضمنها العسكريّة، لهشاشة أوضاعها وسهولة الاندساس في مفاصلها.
كذلك، أدرك العدو الصهيونيّ حاجته الملحة إلى من يدعمه في المحافل المختلفة القاريّة والدوليّة، فعمد إلى بناء الجسور العلاقات مع الدول طمعاً في أصواتها، وبالتالي منع الدبلوماسيّة المعادية للإجرام الصهيونيّ من استصدار قرارات ضد تل أبيب ومعاقبتها على دمويّتها، حيث إنّ الكيان المعتدي يعتبر نفسه وسيطاً بين الدول الأفريقيّة وواشنطن، وهو موضوع هام استغلّته العصابة الصهيونيّة باستمرار ضد الدول الضعيفة والفقيرة هناك.
ومن الناحية الاقتصاديّة، يعتبر العدو الصهيونيّ القاتل أكثر من يستغل المعادن الثمينة في قارة أفريقيا، حتى أصبح من أكبر مصدري الماس والذهب واليورانيوم وغيرها من الموارد، ورغم الادعاءات الصهيونيّة بأنّ تل أبيب تتبادل المصالح مع أفريقيا، إلا أنّ الواقع يؤكّد أنها تستغل تلك الدول بدعم أجنبيّ.
وبما أنّ العدو المستبد يمتلك علاقات دبلوماسيّة كبيرة في أفريقيا، ويتملك بحسب زعمه علاقات مع 46 دولة هناك، فإنّ أهمية الاعتراف به داخل الاتحاد الأفريقيّ يقدم له الكثير من التسهيلات في التعامل مع الدول والهيئات التابعة له، خاصة في المجال العسكري والاستخباريّ، وهو أكثر المجالات التي تنشط فيها تل أبيب هناك، سواء كان في مبيعات السلاح، أو التدريب الأمنيّ للجيوش الأفريقيّة، أو التقنيات وتكنولوجيا التجسس.
أيضاً، تبرع "إسرائيل" في تغذية الصراعات الأفريقيّة، حيث تستغل النزاعات المزمنة في كثير من الأقاليم، وتعمل على تغذية أطراف النزاع بالسلاح، كدعم نيجيريا في قضية "بيافرا"، وتغذية النزاع في جمهورية الكونغو وجنوب السودان وتشاد وغيرها الكثير الكثير، والدليل على كل ذلك ما أشار إليه رئيس قسم أفريقيا بالخارجية الصهيونيّة، حول أن سبب اكتساب أفريقيا أهمية كبيرة في سياسة العدو الخارجية هو "تنامي أهميتها الاقتصاديّة والسياسيّة".
ولا يمكن أن تقل الناحية الثقافيّة عن كل ما ذُكر، وقد حاول العدو الغاصب إظهار نفسه على المستوى العالميّ بأنّه دولة تعرض شعبها للعنف والتمييز العنصريّ رغم أنّه أكبر كيان ممثل للإجرام والعنصريّة والاستبداد، وهو أيضا ما روج له في علاقاته مع القارة الأفريقية بأن كيانه الغاصب يشترك مع دول القارة السمراء في أنّهم تعرضوا للعنف و التمييز العنصريّ، لخلق نوع من التعاطف و التاريخ المأساوي المشترك بينهما رغم عدم صحة ذلك، إلي جانب ذلك قدمت تل أبيب نفسها على أنّها نموذج متقدم و متطور يمكن الاقتداء به من قبل الدول النامية مثل بعض دول أفريقيا كل هذا ساعد على اتساع دائرة العلاقات مع أفريقيا، و أدى إلى وصول العلاقات الصهيونيّ - الأفريقية إلى منزلة تعود بنفع كبير على العدو.
في النهاية، اختلفت مفاهيم الاحتلال والغزو والاستعمار بشكل جذريّ عما سبق، ولم تعد المعركة في أيامنا هذه معركة الدبابات والصواريخ والبوارج فقط، بل أصبحت معركة السياسة والاقتصاد والحرب الفكريّة، وباعتبار القارة الأفريقية كانت وماتزال مطمعاً للغزاة والمحتلين، لاستغلال ثرواتها والاستفادة منها، وهذا الأمر لا يقتصر على العدو الصهيونيّ فقط، يمكننا القول أنّ القارة السمراء الرائعة يحاوطها بالفعل الكثير من المخاطر المستقبليّة المتمثلة في التدخلات الخارجيّة.