الوقت- عقب العدوان الصهيونيّ الغاشم على قطاع غزة المحاصر، والذي راح ضحيته مئات الشهداء وآلاف الجرحى مع دمار كبير في البنية التحتيّة، دعا رئيس المكتب السياسيّ لحركة المقاومة الإسلاميّة "حماس"، إلى محاسبة قادة الاحتلال الصهيونيّ على ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانيّة في قطاع غزة، وذلك خلال اتصال هاتفيّ مع رئيس اللجنة الدوليّة للصليب الأحمر، بيتر ماورير، حيث بحثا تداعيات ونتائج العدوان الإسرائيليّ الأخير على القطاع، في الوقت الذي دعت فيه الدول الإسلامية الأمم المتحدة للتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها الآلة العسكريّة للكيان خلال هجومها الذي استمر 11 يوماً، فيما يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة اليوم، جلسة خاصة حول هذه القضيّة، بناء على طلب باكستان، باعتبارها منسقاً لمنظمة التعاون الإسلاميّ، ودولة فلسطين.
استمع القياديّ الفلسطينيّ لشرح تفصيلي من ماورير بشأن دور وجهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر في قطاع غزة، وخاصة في المجال الطبيّ والإغاثيّ العاجل وتطلع المؤسسة للمساهمة في إصلاح ما تضرر من المنشآت الصحية والبنى التحتيّة والتعاون مع وزارة التنمية الاجتماعيّة للمساهمة في مساعدة المتضررين والحالات الإنسانيّة، وأشاد المسؤول الأمميّ بتعاون الأجهزة الحكوميّة في القطاع والتنسيق المتواصل، متطلعا إلى مزيد من هذا التعاون والعمل المشترك لحماية المواطنين وتعزيز احترام القانون الدوليّ والقانون الإنسانيّ، وذلك بعد أيام على تصريحات المنظمة التي أكّدت فيها أنّ الضربات الجوية الإسرائيلية على قطاع غزة خلال الأيام الإحدى عشر الماضية، قد أدّت إلى شل حركة السكان المعتمدين بالفعل على المساعدات الإنسانيّة وجعلت من الصعب الوصول إلى المدنيين المحتاجين للدعم.
بالمقابل، أثنى رئيس المكتب السياسي للحركة على جهود اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ووضع رئيسها في صورة العدوان الصهيونيّ الأخير على القطاع والذي أدى إلى استشهاد حوالي 250 فلسطينياً نصفهم على الأقل من الأطفال والنساء، فيما استهدف منازل المواطنين والأبراج السكنيّة والبنى التحتيّة والمؤسسات الصحيّة والتعليميّة وخطوط المياه والكهرباء وتمديدات الصرف الصحيّ.
لكن الشيء الأهم الذي جرى ضمن المكالمة الهاتفيّة بين الجانبين، هو دعوة رئيس الحركة إلى محاسبة قادة الاحتلال على ما اقترفوه من جرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، حيث دعت منظمة العفو الدولية، في وقت سابق، إلى التحقيق في استهداف العدو الصهيونيّ عمداً مبانٍ سكنية للمدنيين في القطاع، مؤكّدة أنّ ذلك يُعد "جرائم حرب"، وقد أشار هنية إلى مسببات المعركة من انتهاكات صارخة في مدينة القدس المحتلة سواء محاولة تهجير المواطنين الفلسطينيين وهدم بيوتهم أو مهاجمة الأقصى والمصلين فيه، ما أدى إلى مئات الإصابات وإغلاق مساحات واسعة بجوار الحرم أمام المصلين وزائري الحرم من المسلمين، داعياً إلى الاهتمام بما يجري في المدينة وضمان حرية العبادة والوصول للاماكن الإسلاميّة والمسيحيّة في المدينة المقدسة.
وبما أنّ الكيان الصهيونيّ العنصريّ لم يترك نوعاً من أنواع "جرائم الحرب" إلا واستخدمها ضد أصحاب الأرض والمقدسات بدءاً من تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو إعدامهم، ومروراً بالجرائم الموجهة ضد المدنيين والتعدي على ممتلكاتهم الشخصية وتهجيرهم قسريّاً، وليس انتهاءاً عند التعذيب والإبادة الجماعية، وجّه رئيس المكتب السياسيّ لحماس دعوة إلى رئيس اللجنة الدولية للصليب الأحمر لزيارة قطاع غزة، والاطلاع عن كثب على الأوضاع ونتائج العدوان الإسرائيليّ على القطاع ومواطنيه، كما دعاه إلى زيارة العاصمة الفلسطينيّة القدس وحي الشيخ جراح الذي يحاول الاحتلال تهجير سكانه وهدم وسلب منازلهم، بالإضافة إلى الإجراءات المتخذة بحق المصلين والأماكن المقدسة، فيما أبدى ماورير ترحيبه واستعداده لتلبية الدعوة في القريب العاجل.
يأتي ذلك، في ظل تصاعد الدعوات المُطالبة بإجراء تحقيق في جرائم العدو الغاصب، حيث يعقد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة جلسة خاصة حول ذلك يوم الخميس 27 أيار، بناء على طلب باكستان وفلسطين، وقدمت الدول الإسلاميّة مشروع قرار الثلاثاء المنصرم، يقضي بتشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في جميع انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ 13 أبريل / نيسان الماضي.
ومن المتوقع أن تبحث اللجنة كافة الأسباب الجذريّة الكامنة وراء التوترات وعدم الاستقرار في الأراضي الفلسطينيّة المُحتلة، بما في ذلك التمييز والقمع المنهجيّ على أساس الهويّة القوميّة أو العرقيّة أو الدينيّة، حيث يؤكّد الإسرائيليين أنفسهم أنّ منهجيّة الكيان عدوانيّة على أصحاب الأرض والمقدسات، وقد ذكرت تقارير إسرائيليّة عدة أنّ فلسطين منطقة جيوسياسيّة واحدة تحكمها حكومة واحدة (جيوسياسيّة: السياسة المتعلقة بالسيطرة على الأرض وبسط نفوذ الدولة في أي مكان تستطيع الوصول إليه)، وأوضحت أنّ هذه ليست ديمقراطيّة بجانب احتلال، بل "أبرتهايد" (نظام فصل عنصريّ) بين النهر والبحر.
وفي الوقت الذي تشدّد فيه منظمات حقوقيّة إسرائيليّة أنّ الكيان الصهيونيّ يخفي الكيان الصهيونيّ حقيقة أنّ ما يقارب الـ 7 ملايين يهودي و7 ملايين فلسطينيّ يعيشون في ظلّ نظام واحد ذي حقوق غير متساوية إلى حد كبير، وأنّه لا يوجد معيار واحد يتساوى فيه الفلسطينيّ واليهوديّ في فلسطين المحتلة، سيقوم الفريق المستقل بجمع وتحليل أدلة الجرائم المرتكبة، بما في ذلك مواد الطب الشرعيّ، من أجل تعظيم إمكانية قبولها في الإجراءات القانونيّة، وبتقديم التقرير في ، وسيحدد التقرير الذي سيقدم في حزيران 2022، المسؤولين عن محاولة إنهاء الإفلات من العقاب وضمان المساءلة القانونيّة.
ومع وصول الإجرام الصهيونيّ إلى درجة لا يمكن تخيلها، زعمت سفيرة الكيان لدى الأمم المتحدة في جنيف، ميراف إيلون شاهار، أن عقد الجلسة يستهدف "إسرائيل" وهو دليل واضح على الأجندة المعادية للكيان من قبل هذه الهيئة، متناسيّة عدوان الكيان الغاشم على أرض فلسطين والقدس الشريف وغزة الأبية، والذي أدى إلى استشهاد عشرات المدنيين من النساء والأطفال، وتدمير العديد من المباني السكنية والمنازل والبيوت المأهولة، الأمر الذي يشكل انتهاكاً فاضحاً لمبادئ حقوق الإنسان والقوانين الدوليّة.
يُشار إلى أنّ مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة والذي يضم 47 عضواً، عقد ثماني جلسات خاصة سابقة منذ تشكيله عام 2006، أدانت الكيان الصهيونيّ وأطلقت عدة تحقيقات في جرائم حرب نفذها بحق الأبرياء، وقد عادت الولايات المتحدة (الداعم الأكبر للعدو بمختلف المجالات) للانضمام إلى المنتدى في عهد الرئيس الأمريكيّ جو بايدن بعد أن انسحبت إدارة سابقه ترامب، بسبب اتهامها من قبل المنظمة بالانحياز لتل أبيب، ويتمتع الوفد الأمريكي حالياً بصفة المراقب فقط ولا يحق له التصويت.
في الحقيقة، يتفق الجميع على أنّ الكيان الصهيونيّ الذي يمثل عمق المصالح الأمريكيّة والغربيّة في بلادنا هو "مجرم حرب"، وخاصة ما فعله العدو القاتل في غزة مؤخراً، والذي لا يمكن أن تصفه الكلمات من هول الظُلم والاستبداد حيث إنّه يتخطى جرائم الحرب بأشواط، لكن الشيء الوحيد الذي يجب أن يُدركه العالم وبالأخص المنظمات الدوليّة المعنية بحقوق الإنسان، هو أنّ العدو الغاصب للأراضي العربيّة لو حوكم في السابق على جرائمه البشعة، لما تجرأ على ارتكاب هذه الجرائم اليوم.