الوقت_ عقب تطبيع العلاقات بين تل أبيب والخرطوم بعد تفاهمات على إزالة السودان من القائمة الأمريكيّة للدول الداعمة للإرهاب، وحدوث تقدم كبير في الاتصالات بين الكيان الغاصب والحكومة السودانيّة في ظل العباءة الأمريكيّة بعد موافقة الخرطوم على دفع تعويضات لضحايا الإرهاب الأميركيين، كشفت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكيّة، أنّ ما يطلق عليه "اتفاق السلام" بين الجانبين معرض لخطر الانهيار بعد أقل من شهر على إعلانه، في الوقت الذي أصبحت فيه السودان خامس دولة عربيّة تعلن دخولها حظيرة التطبيع بعد الإمارات والبحرين.
هزيمة تلو الأخرى
أصرت الإدارة الأمريكيّة قبل بضعة أشهر على شرط التطبيع مع العدو الصهيونيّ، لإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ما دفع حكومة الخرطوم للموافقة على الشرط الأمريكيّ مقابل ذلك، وتضمنت الصفقة شطب اسم السودان من قائمة وزارة الخارجيّة للدول الراعية للإرهاب، إضافة إلى موافقة الكونغرس على التشريع بحلول نهاية 2020 من شأنه حمايته من الدعاوى القضائيّة المتعلقة بالإرهاب.
وفي هذا الصدد، وصل الكونغرس الأمريكيّ إلى طريق مسدود بشأن تشريع السلام القانونيّ، الذي سيمنع بشكل أساسي ضحايا الهجمات الإرهابيّة السابقة من السعي للحصول على تعويضات جديدة من السودان، حيث توصلت الخرطوم وواشنطن لاتفاق يقضي بإزالة السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في 23 أكتوبر المنصرم، مقابل دفع 335 مليون دولار كتعويضات لأسر ضحايا الهجوم على المدمرة كول في سواحل اليمن عام 2000، وأُسر ضحايا تفجير السفارتين الأمريكيتين في نيروبي ودار السلام في 1998.
ووفق الصحيفة، فإنه من دون إعطاء حصانة الكونغرس للسودان، قد يتردد المستثمرون الأجانب في التعامل مع الخرطوم خشية أن ينتهي بهم الأمر إلى تمويل مليارات الدولارات كتعويضات لضحايا الإرهاب، ودون الاستثمار الأجنبيّ لن تستطيع الحكومة الانتقاليّة إيجاد حل الأزمة الاقتصاديّة التـي تمر بها البلاد.
وكان رئيس ما يسمى "مجلس السيادة الانتقاليّ" في السودان، عبد الفتاح البرهان، بيّن لوزير الخارجيّة الأمريكيّ، مايك بومبيو، أنّ بلاده لن تمضي قدماً في علاقات دافئة مع الكيان الصهيونيّ قبل أن يمرر الكونغرس تشريع "السلام القانونيّ"، وبذلك فإنّ المسؤولين السودانيين قد وقعوا في فخ "الابتزاز السياسيّ" وعادوا بـ "خفي حنين" من معركة سياسيّة خاسرة، لم تفضِ إلى رفع اسم السودان من قائمة العقوبات، ولن تفضي إلى انهيار "التطبيع".
ضغوط شديد
استغل دونالد ترامب قضيّة التطبيع الذي قُدّم كإنجازٍ آخر له بعد اتفاق التطبيع الإماراتيّ - البحرينيّ مع العدو الصهيوني، رغم تحذيرات وكالة المخابرات المركزيّة ووزارة الخارجيّة الأمريكيّة، حول أنّ السودان ليس ناضجاً بعد للإعلان عن تطبيعٍ علاقاته مع تل أبيب وأنه من غير الصحيح في تلك الفترة فرض هذا الموضوع على الخرطوم.
وتواجه الخرطوم ضغطاً داخليّاً شديداً بعد هذه التطورات، ويخشى المسؤولون السودانيون من انعكاساتها على الشارع السودانيّ، بسبب رفض الطبقة المثقفة السودانيّة لأيّ علاقات مع العدو الغاصب باعتبارها "خيانة وطنيّة"، في ظل التراجع الأمريكيّ عن الالتزامات المتفق عليها مع السودان، بعد إلحاقه بقافلة الخيانة الإماراتيّة - البحرينيّة، واستغلال تلك الورقة في الانتخابات الأمريكيّة التي فشل فيها ترامب.
والسؤال هنا، هل سيدفع رئيس "مجلس السيادة الانتقاليّ السودانيّ"، عبد الفتاح برهان، ثمن تصريحاته خلال افتتاح مؤتمر اقتصاديّ بالعاصمة السودانيّة الخرطوم، قبل مدة، والتي زعم فيها أنّ السودان أمام "فرصة لا تعوض"، لحذف اسمه من قائمة الإرهاب الأمريكيّة، معتبراً أنّه يجب اغتنام تلك الفرصة، دون أن يذكر الشروط الأمريكيّة – الإسرائيليّة على ذلك، والتي ستثقل كاهل السودان وهي عبارة عن 47 شرطاً.
ورغم كل ذلك، تخطط إدارة ترامب بالفعل لحفل توقيع الاتفاق مع المسؤولين السودانيين في البيت الأبيض في أواخر ديسمبر الجاري، في الوقت الذي يرفض فيه السودانيون إقامة علاقات مع الكيان الغاصب، وقد نقلت مواقع إخباريّة أنّ 28 حزباً وتكتلاً ومنظمة وقعت على ميثاق ما بات يعرف في البلاد بـ "القوى الشعبيّة لمقاومة التطبيع مع الكيان الإسرائيليّ" من أبرزها حزب المؤتمر الشعبيّ، حركة الإصلاح الآن، حزب منبر السلام العادل، تجمع الشباب المستقلين، هيئة علماء السودان، الاتحاد السوداني للعلماء والأئمة والدعاة، جماعة "الإخوان المسلمين"، تجمع "أكاديمون ضد التطبيع"، رابطة "إعلاميون ضد التطبيع".