الوقت- بفضل التطوّرات والتقدّم الذي حدث في عالم وسائل الإعلام والفضاء الإلكتروني في السنوات الأخيرة، وكذلك بسبب وجود العديد من القواسم الثقافية والدينية المشتركة بين إيران وتركيا، فإن الشعب الإيراني كان يتابع منذ الدقائق والساعات الاولى، الانقلاب الفاشل الذي حدث في تركيا قبل أربع سنوات وكان فضوليّاً لرؤية نتائج هذا الانقلاب الفاشل، يذكر أنه في صباح يوم السادس عشر 2016، بثت وسائل الإعلام التركية صوراً لمئات الجنود وأعلنت أنه على عكس الانقلابات التاريخية التي وقعت داخل تركيا مثل انقلاب عام 1960، وانقلاب عام 1980 وانقلاب عام 1997، فإن الانقلاب الذي حدث هذه المرة، فشل فشلاً ذريعاً وأن الحكومة التي صوّت لها الشعب التركي لا تزال تحتفظ بالسلطة.
من أين أتى "غولن"؟
إن أولئك الذين هم على دراية بتاريخ الثقافة والبنية الاجتماعية والسياسية التركية، يعرفون أن هذه الأرض كانت دائمًا أرضًا لمختلف الطوائف والجماعات، وفي الأدب الديني والسياسي التركي، غالبًا ما يشار إلى الجماعات الدينية والصوفية باسم "التجمعات". ومن الفترة السلجوقية إلى أواخر العهد العثماني، ظهرت مجتمعات مختلفة في تركيا. وفي العقود الأولى من إنشاء الجمهورية التركية، كانت أنشطة الطوائف والمجتمعات صعبة عملياً ومستحيلة لفترة من الوقت. ولكن في النهاية صعدوا مرة أخرى إلى السلطة. ولقد كانت جماعة "فتح الله غولن" من أكثر المجموعات نشاطاً في السنوات العشر الأخيرة من القرن العشرين، ليس فقط في 81 مقاطعة في تركيا، ولكن أيضاً في العديد من البلدان الإسلامية.
ففي البداية، وضع "غولن" يديه على المساجد والمنابر وبدأ تنظيمه الأول من المساجد، وبصفته صياداً ذكياً، تمكّن من اجتذاب معظم الدعاة الأقوياء والخطباء الدينيين في تركيا، ولقد قدمت خطبهم الدينية التي كانوا يلقونها داخل الأوساط الدينية التركية ملايين الليرات التركية لجماعة "غولن".
كما قام بتوسيع أنشطته ليس فقط في تركيا والعراق والدول المجاورة الأخرى، ولكن أيضاً في آسيا الوسطى وأوروبا، وفي المرحلتين الثانية والثالثة من تطوير العمل التنظيمي لجماعته، ذهب "غولن" إلى إنشاء المدارس والكليات، وفي المرحلة الثالثة أيضاً تمّكن من الاستحواذ على العديد من الوسائل الإعلامية.
نظرية "غولن" السياسية وتكتيكات النفوذ والسيطرة
في حين أن قادة الأحزاب التركية، قاموا بالدخول في منافسات قوية وعنيفة مع خصومهم من أجل الحصول على عدد قليل من الأصوات والمقاعد في البرلمان، فكر "غولن" في نظرية أخرى بدلاً من الاستيلاء على السلطة، تتمثل في التأثير على الهيكل والسيطرة على الحكومة.
وحول هذا السياق، كشفت العديد من التقارير الاخبارية أن المئات من المراهقين والشباب ترعرعوا في مدارس "غولن" منذ عام 1990، وفي فترة زمنية قصيرة، تمّكن أولئك الشباب من الانضمام إلى الجيش التركي والقوات المسلحة، والشرطة، والمخابرات، والقضاء، والرعاية الصحية، والبنوك، والأسواق، ووسائل الإعلام وغيرها من المجالات، وشكلوا مجموعة كبيرة من التكنوقراطين المنظمين الموالين لـ"غولن"، وبالتالي لم يكونوا بحاجة في الأساس إلى خوض الانتخابات وتولي الحكومة، لأنهم تمكنوا بالفعل من التسلل إلى جميع مكونات النظام، إلى درجة أنه لم يتم اتخاذ أيّ قرار في أيّ مؤسسة دون إذن منهم.
لماذا سمح أردوغان لـ"غولن" بالتوغل في الحكومة؟
خلال صعود حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، كان لدى "غولن" وسائل إعلام وتنظيم كبير، ليس فقط في تركيا ولكن أيضًا كان لديه العديد من المؤسسات المالية والمدارس والمراكز الثقافية والجامعات في أكثر من مئة دولة. ونظراً أنه في بلدان مختلفة، غالبًا ما كان أطفال العائلات السياسية القوية يذهبون أيضاً إلى هذه المدارس، تمكّنت جماعة "غولن" من بناء علاقات طيبة مع العشرات من الضباط والديبلوماسيين والمؤثرين الذين يمكن أن يهرعوا لمساعدة "أردوغان" ورفاقه في الاقتصاد والدبلوماسية والاستخبارات والأمن وغيرها من المجالات.
وحول هذا السياق، قال الجنرال في الجيش التركي "أحمد يافوز" في مقابلة صحفية أن "حكومة أكبارتي هي التي سمحت لمجموعة غولن بأن تصبح حكومة ثانية داخل تركيا وأن تنشئ جمهورية جديدة لنفسها، ولهذا فلقد قامت مجموعة غولن بتوجيه الحكومة، وفعلوا ما يريدون".
لماذا حدث الانقلاب؟
قال "حنفي أفجي"، الرئيس السابق لقوات الشرطة التركية وأحد أهم الشخصيات الأمنية في البلاد، في مقابلة صحفية: "تأخر هيكلنا الأمني والاستخباراتي في الكشف عن مخاطر جماعة غولن. لم تفعل الحكومة شيئاً. وعلى الرغم من تحذيرنا ورفاقنا، لم يأخذنا أحد بجدية."
لقد جاءت الشرارة الأولى لهذا الانقلاب عندما أعلن "أردوغان" أنه يجب جمع أموال جماعة "غولن" التي تقّدر بملايين الدولارات من إدارة صفوف امتحانات القبول. لكن هذه كانت البداية فقط، ففي نفس الوقت كان "أردوغان" يعلم أن الأمر ليس مجرد مسألة اقتصاد وتعليم، وأن جماعة "غولن" قد تسللت إلى كل مكان في أركان الدولة التركية.
ولهذا فلقد أعلن في وقت لاحق أنه قد خُدع من قبل قادة هذه الجماعة، لكن الدلائل الحالية تشير إلى أن "أردوغان" كان يخطط لشن هجوم واسع النطاق للإطاحة بـ"غولن" ولكن جماعة هذا الاخير أخذوا زمام المبادرة وجاؤوا إلى السلطة بالأسلحة والدبابات للسيطرة على الحكومة ولكنهم فشلوا فشلاً ذريعاً.
لماذا فشل الانقلاب؟
مما لا شك فيه أن السبب الرئيس لفشل هذا الانقلاب كان النضال الشجاع للشعب التركي الذي وقف ببسالة للدفاع عن الحكومة المنتخبة وهذه هي المرة الأولى التي ينام فيها المواطنون الأتراك أمام الدبابات ويفتحون صدورهم لرصاص الانقلابيين. لكن بالإضافة إلى هذا العامل المهم والحيوي، كان لفشل هذا الانقلاب أسباب أخرى، أهمها:
1) اختراق بعض عملاء المخابرات التركية مجموعات الـ"واتس اب" لمخططي الانقلاب ومعرفة خططهم وقراراتهم.
2) عدم كفاءة بعض القادة وعدم قدرتهم على قيادة القوات الانقلابية.
3) الانقسامات والاختلافات في مراكز ومقرات مخططي الانقلاب.
4) عدم تعاون أحزاب أردوغان المعارضة مع الانقلاب.
5) ولاء بعض كبار قادة الجيش وضباطه للحزب الحاكم.
أين الجناح السياسي للانقلاب؟
وفقًا للأرقام الرسمية، فقد تم حتى الآن طرد أكثر من 20 ألف من قوات الجيش وأكثر من 80 ألف من أفراد الشرطة بسبب ارتباطهم بجماعة "غولن"، لكن لا توجد أنباء عن اعتقال نشطاء سياسيين مرتبطين بـ"غولن".
الآن، وفي الذكرى الرابعة للانقلاب الفاشل، يتساءل منتقدو الحزب الحاكم ومعارضوه، لماذا لم يتم حتى الآن تحديد الفصيل السياسي الذي قاد الانقلاب وتقديمه للعدالة على الرغم من مرور 4 سنوات على حدوثه؟
وحول هذا السياق، كتب "سيحون أفشار"، المحلل في صحيفة "الجمهورية" التركية: "فقد 251 من مواطنينا أرواحهم وأصيب 2196 شخصاً خلال محاولة جماعة فتح الله غولن القيام بانقلاب دموي في تركيا. وعلى الرغم من مرور 4 سنوات على الانقلاب الفاشل الذي وقع في عام 2016، إلا أن هذه القضية لا تزال تعاني من خلل خطير ولا أحد على استعداد للإجابة على هذا السؤال القائل، لقد تم سجن المجموعة العسكرية التي شاركت في هذا الانقلاب، بما في ذلك عشرات الجنرالات ومئات الضباط وآلاف العسكر، لكن ماذا حدث للمجموعة السياسية المشاركة في هذا الانقلاب؟ ألم يكن لدى هذه الانقلاب المئات من الأصدقاء المؤثرين والحلفاء والأشخاص والمفكرين بين الأحزاب التركية ؟ فلماذا لم يتم الكشف عن أسمائهم ولماذا ليسوا مسجونين؟"
من الانقلاب العسكري إلى الانقلاب الاجتماعي
كتب "حسن جمال"، الصحفي والمحلل التركي المعروف والمعارض للحزب التركي الحاكم، في الذكرى الرابعة للانقلاب الفاشل: "لن أنسى تلك الليلة أبدًا. لقد هاجم مخططو الانقلاب تلفزيون تي آر تي وذهبوا أمام الكاميرا. التقطت هاتفي على الفور وقمت بالتغريد ثلاث مرات. في البداية كتبت ثلاث مرات، لا للانقلاب. وكتبت في الثانية: لم تكن الانقلابات مناسبة لهذا البلد. وفي الثالثة، كتبت: إن الطريق لمحاربة مخالفات أكبارتي وأردوغان ليس بالقيام بانقلاب عسكري، وإنما بالنضال الديمقراطي. الآن، وبعد أربع سنوات، أعلن: أنني بقدر ما أعارض الانقلاب العسكري، أعارض أيضا الانقلاب الاجتماعي وانتهاك الحقوق الاجتماعية والمدنية للناس".