الوقت- جاهداً يُحاول عبد الفتاح السيسي الخروج من عباءة الرئيس الانقلابي؛ غير أنّه وكما يقول المثل "العرق دساس"، فهو لا يَملُّ من التأكيد دوماً على أنّه رئيسٌ انقلابي وابنٌ بار لثورةٍ مضادة، وعلى هذا الأساس وبعد أن أخذ التعليمات من مشغليه في السعودية والإمارات بدأ بدعم شقيقه في الثورة المُضادة أمير الحرب الليبي خليفة حفتر، بعد أن وصلت أصداء هزائمه إلى الرياض وأبو ظبي، وعلى هذا الأساس خرج السيسي ليؤكد أنّ تقدم قوّات حكومة الوفاق ووصولها إلى مشارف مدينة سرت في الشرق الليبي وتهديدها المعقل الأخير لقوّات حفتر بات يُهدد الأمن القومي المصري، مُهدداً بتدخل جيشه بشكل مُباشر في الصراع الليبي.
لماذا الآن؟
تعليقات السيسي "القوية" تأتي بعد تقدم قوّات حكومة الوفاق نحو سرت، بعد أن تجاهلت المبادرة المصرية التي دعاها لها السيسي لوقف إطلاق النار في اليمن، وعدّ السيسي هذا الرفض "إعلان حرب" من طرف الحكومة الليبية ومن خلفها أنقرة والدوحة، وجميعهم محسوبون على الإخوان المُسلمين، العدو الأكبر للسيسي وداعموه الرياض وأبو ظبي.
أكثر من ذلك؛ فإن وصول قوّات الوفاق إلى مدينة سرت سيفتح الباب أمامها للتقدم إلى ما بعد سرت شرقاً، وهو ما يُشكل احتمالية السيطرة على المنشآت النفطية وحقول النفط التي أغلقتها القبائل المتحالفة مع حفتر في وقت سابق من هذا العام، ما أدّى إلى قطع مصدر الدخل الرئيس عن حكومة الوفاق، أما اليوم فإنّ وصول قوّات الوفاق إلى تلك المنشآت من شأنه أن يمدُّ حكومة الوفاق بمبالغ مالية ضخمة ستساعدها على تحسين موقفها بالحرب من حفتر، بالإضافة إلى ذلك فإنّ وصول قوّات الوفاق إلى منابع النفط من شأنه أن يحرم السيسي من تلك المنشآت مُستقبلاً، وهو ما يسعى إليه السيسي.
ما هو مُستقبل هذا التدخل
حديث السيسي يوم أمس يُعدُّ المرة الأولى التي يتحدث فيها عن التدخل العسكري في ليبيا كخطوة محتملة، كما أشارت تعليقاته إلى أن مثل هذا الإجراء قد يكون وشيكًا، حيث يعتقد السيسي رُبّما خاطئاً أنّ "تفويضاً شعبياً" كذلك الذي فبركه في مصر من المُمكن أن ينجح في ليبيا، حيث يقول السيسي: "إذا طلب منا الشعب الليبي التدخل، فهذه إشارة للعالم بأن مصر وليبيا تشتركان في المصالح المشتركة والأمن والاستقرار"، قاصداً بذلك تهديد تركيا التي نزلت بقوتها العسكرية على الأرض الليبية بعد استنجاد حكومة الوفاق بها.
ما إن خرج السيسي بتصريحاته تلك حتى تلقفها السعوديون والإماراتيون؛ حيث قالت وزارة الخارجية السعودية إن المملكة تقف إلى جانب مصر بشأن حقها في الدفاع عن حدودها ضد التطرف والميليشيات الإرهابية و"مؤيديها" في المنطقة"، وبالمثل، قالت وزارة الخارجية الإماراتية بأنها تنحاز إلى مصر بشأن جميع الإجراءات التي تتخذها لحماية الأمن والاستقرار من تداعيات التطورات المتعلقة بليبيا.
تهديدات السيسي الفارغة، وتأييده من قِبل عرّابي الثّورات المُضادّة أجبرت أنقرة على الرّد على تلك التهديدات، لتؤكد على أنه ينبغي على قوات الإنقلابي خليفة حفتر أن تنسحب من مدينة سرت الاستراتيجية، ليبدأ بعدها وقف لإطلاق النار بشكل دائم، وبهذا التصريح تردُّ أنقرة على تهديدات السيسي الذي وصف مدينة سرت بـ "الخط الأحمر"، ومن جهةٍ أخرى فإنّ التطورات على الأرض تُشير إلى أنّ حكومة الوفاق وأنقرة لن يتوقفا قبل السيطرة التامة على مدينة سرت.
وفي النهاية؛ فإنّه من غير المُرجح أن يتدخل السيسي عسكرياً في ليبيا، فهو المُختبئ في قصره يخشى من أنّ تدخلاً كهذا كفيل بأن يُطيحه عن حكم مصر، والكثير من خصوم السيسي بانتظار خطأ كهذا لينقضّوا عليه، ليس فقط من الإخوان المسلمين، بل حتى من الجيش المصري ذاته، خصوصاً بعد أن فرّط السيسي بمياه نهر النيل، وحكم على المصريين أن يبقوا عطشى، مُفضلاً رفع القضية إلى الأمم المُتحدة، غير أنّه وبعدما تعلّق الأمر بشريكٍ له بالثورات المُضادة بدأ يرعد ويزبد، وكأنّ مصيرهما مرتبط ببعض، لكن الواقع يقول أنّ أحداً لا يبقى في السفينة الغارقة، وسفينة حفتر اليوم غرقت في الرمال الليبية، وليس من مصلحة أحد الغرق معها، وكل ما قاله السيسي ومن خلفه الرياض وأبو ظبي ليس أكثر من مُحاولات لإبقاء حفتر على قيد السلطة أملاً بحلٍ قد ينقذ صاحبهم من السقوط النهائي.