الوقت- أعلن الرئيس المصري "عبد الفتاح السيسي" و"خليفة حفتر"، إلى جانب "عقيلة صالح" رئيس البرلمان في شرق ليبيا، في مؤتمر صحفي في القاهرة يوم السبت الماضي، أن الجانبين توصلا إلى اتفاق بشأن مبادرة سياسية لإنهاء الصراع في ليبيا.
تدعو هذه المبادرة إلى إنهاء النزاع بدءاً من يوم الاثنين وإلى رسم إطار حل سياسي لإنهاء الأزمة الليبية، وقد رحبت بها الإمارات والسعودية والأردن وفرنسا والولايات المتحدة، والأمين العام لجامعة الدول العربية.
في الوقت نفسه، عارض المتحدث باسم جيش حكومة الوفاق الوطني الليبية اقتراح وقف القتال، قائلاً: "ليس لدينا وقت فراغ لمشاهدة هرطقات مجرم الحرب(الانقلابي خليفة حفتر) على الفضائيات". وأضاف: "نحن لم نبدأ هذه الحرب لكننا من يحدد زمان ومكان نهايتها".
فشل الخطط المقترحة واحدةً تلو الأخرى
تأتي خطة مصر المقترحة لبدء وقف إطلاق النار وإنهاء الصراع في ليبيا، والتي من المتوقع أن تتبعها محادثات سياسية، في الوقت الذي لا نری لها مستقبلاً واضحاً بسبب مصير الخطط السابقة المماثلة، على الرغم من ترحيب الدول المختلفة بها.
الخطط السابقة التي خرجت عن مؤتمرات عديدة حول ليبيا، والتي دعت إلى وقف إطلاق النار والحوار بين الأطراف المعنية في هذا البلد، على الرغم من الترحيب الأولي بها من قبل معظم الدول، ولکنها واجهت الفشل في نهاية المطاف، ونتائج المؤتمرات التي عقدت في ألمانيا وإيطاليا وحتى في مصر في وقت سابق، لا تظهر نتيجةً سوی ذلك.
وفيما يتعلق بالأسباب التي أدت إلى فشل الخطط السابقة لوقف إطلاق النار في ليبيا وبدء المحادثات السياسية، يمکن أن نذکر عدة عوامل فيما يلي:
1. إن الاشتباكات في ليبيا هي في الواقع حرب بالوكالة، حيث تحجم أطراف النزاع عن تقاسم السلطة وترى الغلبة العسكرية كطريقة رئيسية لكسب مصالحها والحفاظ عليها في ليبيا، وهم غير راضين عملياً بأي شيء سوى الإقصاء الكامل للخصم، وقد عمدوا إلى لعبة ذات مجموع صفر.
2. في صفوف المجموعات المتحالفة أيضاً، نرى خلافات في الرأي وأحيانًا تضارباً في المصالح؛ فعلى سبيل المثال، في التيار المؤيد لحفتر، على الرغم من رغبة مصر في حل الأزمة في أقرب وقت ممكن وتأمين حدودها الغربية، تعتزم الإمارات إطالة الحرب بالوكالة مع تركيا لأطول فترة ممكنة، ولا شك أن هذا الأمر قد ساهم في فشل المقترحات السياسية السابقة لحل الأزمة الليبية.
3. مصالح مصر وتركيا، بصفتهما فاعلين رئيسيين في الحرب الأهلية الليبية، مصالح لا يمکن الجمع بينهما. حيث تطالب مصر بالانسحاب الفوري لقوات من ليبيا تصفها بالإرهابية(الإخوان الجهاديون)، كما أن لديها مخاوف جدية بشأن وجود تركيا في ليبيا. بينما تقوم تركيا باستمرار بنقل هذه القوات من سوريا إلى ليبيا، وهي ليست مستعدةً لسحبها من هذا البلد، لأنه في هذه الحالة فإن بقاء حكومة السراج الضامنة لمصالح تركيا في ليبيا، سيكون في خطر كبير.
أهداف الخطة المصرية المقترحة
النقطة المهمة جداً حول الخطة المصرية المقترحة، هي أن الخطة تأتي في وقت هزمت فيه قوات حفتر على معظم الجبهات أمام قوات فايز السراج، وانسحبت عن مواقعها السابقة.
کما أن خطة مصر المقترحة لا تعكس خطةً شاملةً واستراتيجيةً، وتقوم على ركيزتين هما وقف إطلاق النار والحوار السياسي على التوالي. ولا تحدد الخطة ما إذا كان ينبغي إجراء محادثات سياسية بموجب شروط اتفاقية الصخيرات، التي انسحب منها حفتر مؤخرًا، أو ما إذا كان هناك إطار آخر لها.
وبناءً على ذلك، يبدو أن هذه الخطة هي خطة قصيرة المدى لتلتقط القوات التابعة لخليفة حفتر أنفاسها(والتي انسحبت من مواقعها في الأسابيع الأخيرة بعد الهزيمة في معظم المعارك الميدانية)، وترکز علی وقف إطلاق النار فقط، لأنه علی افتراض إجراء أي مفاوضات جديدة في ظل الظروف الميدانية الحالية في ليبيا، فإن حكومة فايز السراج ستحظى بمزيد من الثقة واليد العليا في المفاوضات بالنظر إلى الانتصارات الأخيرة التي حققتها، وهذا ليس ما يرضی به أنصار حفتر.
بدلاً من ذلك، يبدو أن مصر تستخدم وقف إطلاق النار لتعزيز التقارب في معسكر أنصار حفتر، وربما إجراء تغييرات على الشخصيات الرئيسية في طبرق؛ وفي هذا الصدد أفادت بعض المصادر بتحركات لتحديد بديل لحفتر إذاما تم التوصل إلى اتفاق سياسي، قائلةً إن مصر توافق على هذه الخطة أيضًا، وأن عبد الرزاق الناطوري(رئيس هيئة الأركان المشتركة) سيكون خيارًا جيدًا.
لذلك، يبدو بشكل عام أن خطة مصر المقترحة هي تكتيك لإخراج حفتر من الظروف المتأزمة الحالية ومحاولة لتنظيم أوراق حكومة طبرق، وهي في النهاية تهدف إلی توافق وإجماع من قبل أنصار هذه الحكومة(طبرق) والسعي لتقديم الخطط المقبلة سياسيةً کانت أم عسكرية.
في الختام، يمكننا القول إنه بحسب ما تقدم وبالنظر إلى تشكيل لعبة ذات مجموع صفر في الأزمة الليبية، فإن مستقبل الحرب الأهلية في هذا البلد لن يكون سوی حرب مستمرة، والاقتراح الحالي الذي قدمته مصر ليس فقط لا يبدو شاملًا وسياسيًا، ولكنه أقرب إلى تكتيك لإنقاذ حفتر من الوضع الحالي، وبطبيعة الحال لن يتم حل القضية الليبية إلا بموافقة جميع الأطراف المعنية، وخاصةً تركيا ومصر.