الوقت- يعلم الفلسطينيون قبل غيرهم أنّه لا سبيل لمنع مشاريع الضم خاصةً ومنع الكيان الإسرائيلي من القيام بأيٍّ عملٍ يضرُّ المصالح الفلسطينية بشكلٍ عامٍ إلّا بالمقاومة، ويعلمون أيضاً أنّ جميع التصريحات والبيانات والتنديدات والاجتماعات والقمم و و و... لن تُسمن أو تُغني عن جوع، فهذا الكيان أصغر من أن يستمع إلى المُناشدات الدولية، ويؤكد نائب رئيس المكتب السياسي للحركة صالح العاروري أنّ المواقف الدولية من خطة الضم أصبحت تسجيل مواقف فقط، دون اتخاذ إجراءات فاعلة.
وعلى المقلب الآخر؛ يعلم الكيان الإسرائيلي حق المعرفة أنّه إن لم يجد قوة حقيقية تردعه؛ فإنّه سيُكمل مشاريعه دون الالتفات لأي صوتٍ يطالبه بالكف عن استفزاز الفلسطينيين أو المجتمع الدولي، فهو وكما عهدناه سابقاً يُغلّب مصالح الاستيطانية على أيِّ مصلحةٍ أخرى، ولم يرتدع يوماً دون اللجوء إلى القوّة العسكرية، ولنا في جنوب لبنان وغزّة خيرُ مثالٍ على ذلك.
المقاومة هي الحل
بعدما أيقنت حركة المقاومة الإسلامية حماس أن الكيان الإسرائيلي ماضٍ في مشاريع الضم، وأنّه لن يُحجم عن مشروعه هذا مهما تعالت أصوات المجتمع الدولي لكفّ يده عن الفلسطينيين وما تبقّى لهم من أراضي، ولهذا خرج اليوم صالح العاروري، ليؤكّد أن حركته على استعداد للعمل المشترك مع حركة فتح والسلطة الفلسطينية، لمواجهة مشروع الضم، وأنّ حركته ستتجاوز جميع الخلافات مع حركة فتح وسلطة عبّاس.
دبلوماسيّاً كان السيد العاروري في توجهه إلى حركة فتح، ليؤكد أنّ حماس تؤيد ما تقوم به السلطة ومنظمة التحرير من جهد سياسي ودبلوماسي لمواجهة عملية الضم، لكنه عاد وأكّد أنّ التعويل الأساسي على حراك الجماهير الفلسطينية المتصاعد، والذي سيتحول لثورة شعبية ضد الكيان الإسرائيلي في كل مكان، أكثر ما نعوّل على الحراك السياسي والدبلوماسي.
وعلى الأرض؛ يبدو أنّ ما تراه حركة حماس هو الأقرب للتنفيذ ومواجهة مشروع الضم، وهو الذي أثبت نجاعته منذ احتلال فلسطين قبل اثنين وسبعين عاماً، ويبدو أيضاً أنّ ساسة الكيان الإسرائيلي لا يتخوّفون من شيء أكثر من تخوّفهم من اندلاع مقاومة فلسطينية مُسلحة، وهو ما حذّر منه رئيس وزراء الكيان السابق أيهود أولمرت، حيث إنّ مقاومةً كهذه يرافقها مقاومة سياسية هي الأجدى لثني الكيان الإسرائيلي عن تنفيذ مشاريعه.
لا حياة لمن تُنادي
سلطة عبّاس لم ترّد على العرض الذي قدّمته حركة حماس؛ ولن ترد، فهي تجد نفسها أمام هذا العرض مُجبرةً على قبوله، وهو ما لا تُريده، لذلك ستُفضل السكوت وكأنّها لم تسمع به، وفي حال رفضه فإنّها ستجد نفسها في مواجهة الشعب الفلسطيني، وستثبِت عليها تُهمة الخيانة.
ومن ناحيةٍ أخرى؛ فإنّ سلطة عباس، ومن خلفها حركة فتح، سترفض المشروع الذي طرحته حركة حماس، معتبرةً أنّ هذا المشروع جاء ردّاً على مشروعها "الاستسلامي" الذي قدمته منذ أيام، فعباس وحكومته ربما ولهذه اللحظة لم يدركا حجم الكارثة التي تحيق ليس بفتح وحسب أو بحماس وحسب، بل بفلسطين، كلُّ فلسطين، حيث تجرأ رئيس وزراء عباس (محمد أشتية) وطرح مشروعاً يعتقد أنّه مُضاد لمشروع الضم، وهو في الحقيقة ليس أكثر من نسخةٍ مشوّهة عن مشروع الكيان، مُدعين أنّه عرض مضاد لخطة الرئيس دونالد ترامب للشرق الأوسط "صفقة القرن"؛ مُطالبين بإقامة كيانٍ مسخ أسموه الدولة الفلسطينية، وهو كيانٌ "منزوع السلاح" حتى لا يُسبب أيّ مشكلات مُستقبلية للكيان الإسرائيلي، مع تبادل للأراضي مع الكيان الإسرائيلي.
هذا المشروع الذي لن يقبل به حتى الكيان الإسرائيلي ولا أمريكا من خلفه، أباح وجود المستوطنات الاستيطانية التي قطّعت أوصال الدولة المسخ التي يُطالب بها عباس وأشتية بعد أن استفحلت في أرجاء رام الله والقدس كالسرطان الذي لا ينفع معه سوى الاجتثاث.
وفي النهاية؛ ومع كل الأمل بأن يستطيع الفلسطينيين الوصول إلى مصالحة داخلية وإنهاء حالة الانقسام التي لم يستفد منها إلّا الكيان الإسرائيلي؛ غير أنّ الواقع له رأيُ آخر؛ فإنّ ما بين حركتي فتح وحماس، وما بين مشاريعهما واستراتيجيتهما لدولة فلسطين المُستقبلية، أكبر من أن تُنهيه -مصالحة داخلية-، فحركة فتح ومنذ اتفاقيات أوسلو ارتضت لنفسها أن مطيّةً لمشاريع الكيان، وهو الحال الذي لم ترتضيه حركة حماس، فهي تعلم أنّ ما أُخذ بالقوّة لن يُستعاد بالمفاوضات، وأنّ مقاومة الكيان هي الطريق الأسلم لفلسطين وللفلسطينيين، ومن المؤكد أيضاً أن الكيان الإسرائيلي لا مشكلة لديه بأن يفاوض الفلسطينيين لمئةِ عامٍ قادمة، لكنه على الأرض يقوم بتنفيذ مشاريعه دون انتظار نتائج أيّ مفاوضات.