الوقت- حائرا يبدو نتنياهو في أمره هذه الأيام، فلا هو يستطيع الحنث بوعوده الانتخابية التي قطعها على نفسه من أنّه سيقوم بضم مستوطنات الضفّة الغربية ووداي الأردن، وهي التي أوصلته إلى منصب رئاسة وزراء الكيان الإسرائيلي، ولا هو قادر أيضاً على تنفيذ تلك الوعود، التي وإنّ نفّذها فستُفتح عليه أبواب جنهم، ليس فقط من الخارج، بل ومن المستوطنين أنفسهم.
فجأة تغيّر العالم بأسره ووقف بوجهه، فلم يجد بُدّاً من الرضوخ -ولو مبدأياً- للضغوط التي تُمارس عليه ربما حتى يتغيّر الوضع الدولي الحالي الذي يعيش حالة مخاضٍ عسير قد يولد من بعده نظام عالمي جديد، أو على الأقل وهو الأرجح عدم وصول صديق نتنياهو (دونالد ترامب) إلى البيت الأبيض، في ظل فشله في إدارة أزمة فايروس كورونا، والاحتجاجات الشعبية التي تتهم نظامه بممارسة العنصرية ضد الأمريكيين السود.
ضغوط دوليّة
على الرغم من وصول حزب المحافظين اليميني إلى سدّة الحكم في بريطانيا، غير أنّ أهواء نوّاب البرلمان البريطاني كان هواهم مُخالفاً للكيان الإسرائيلي ومشاريعه التوسعيّة، حيث وجّه مائة وثلاثون نائبًا إنكليزياً رسالة إلى رئيس الوزراء بوريس جونسون، طالبوه فيها بفرض عقوبات اقتصادية على الكيان الإسرائيلي، في حال أقدم على خطوة ضم المُستوطنات ووادي الأردن.
مملكة الأردن التي تُعتبر أحد أكثر المُتضررين من أيِّ قرارٍ متهور يتخذه الكيان، هددت بمراجعة علاقتها مع الكيان الإسرائيلي إذا مضى قُدماً في خطط الضم، لما لهذا الأمر من تأثير على الأردن.
أكثر من ذلك؛ فبعد مطالبة البرلمان الإنكليزي بالضغط على الكيان لوقف عمليات الضمّ، خرجت فرنسا أيضًا لتحث شركاءها في الاتحاد الأوروبي على التفكير في تهديد الكيان الإسرائيلي برد صارم إذا مضى قدما في مشروع الضم لأجزاء من الضفة الغربية المحتلة، ورافق فرنسا بهذه المطالبة دولا أوروبيّة أخرى أبدت انفتاحها للضغط على الكيان إذا ما واصل السير في مشروعه، فبلجيكا وإيرلندا ولوكسمبورج طالب مناقشة قرار يقضي باتخاذ إجراءات اقتصادية عقابية ضد الكيان، وهذه الدول بانتظار موافقة بقيّة الأعضاء للبدء بعمل جماعي ضد الكيان.
أما الأشدُّ مرارةً على الكيان كان حديث جو بايدن إلى مؤيديه من اليهود الأمريكيين في حملة لجمع التبرعات، تعهد بايدن خلالها بتقويض خطة ترامب المزعومة للسلام (صفقة القرن) بالإضافة لاستئناف مساعدته للفلسطينيين، وطالب بايدن الكيان الإسرائيلي بوقف التهديد بالضم، ووقف النشاط الاستيطاني، لأنها وحسب تأكيده ستقطع أي أملٍ في السلام.
أما ما لم يتوقعه ساسة الكيان هو وقوف ترامب وفرقه ضدّ مشاريع الضم، حيث أخطأوا قراءة إشارات واشنطن، فعلى الرغم من دعمه ترامب الكامل لنتنياهو، غير أنّه وكما يبدو غير مستعد لتأييد ضم فوري من جانب واحد، وهو ما بدا جليًّا خلال زيارة بومبيو الأخيرة إلى الكيان قبل عدّة أيام.
معارضة.. ولكن من نوع مختلف
ساكنوا المستوطنات الإسرائيلية رأوا في قرار الضم تنفيذاً لصفقة القرن المشؤومة، وأنّه من شأن هذه الصفقة إنتاج دولة فلسطينية، وهو الأمر الذي لم يعجبهم فهم لا يُريدون دولة فلسطينية حتى لو كانت على مقاس نتنياهو، دولةً يرفضها الفلسطينيون قبل غيرهم.
بالإضافة إلى المستوطنين حذّر جهاز الشين بيت (جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي) من أن الضم من جانب واحد قد يؤدي إلى موجة من العنف، مُطالباً إمّا بتأجيل هذا الضم، أو جلب المزيد من القوّات العسكرية لتفادي هذا التهديد.
وفي النهاية؛ سيبقى نتنياهو حائراً في أمره فمن جهة يُريد المُضي قدماً في مشاريع الضم التي يعتبرها تحريراً لنفسه من جميع اتهامات الفساد التي تلاحقه والتي يواجهها في محاكم الكيان الإسرائيلي، ويرى نتنياهو أنّ هذه هي الطريقة الوحيدة لإنقاذ حياته الشخصيّة وحياته السياسية في آنٍ معاً، غير أنّ إقدامه على هذه الخطوة سيجرُّ عليه وعلى كيانه ويلات العقوبات والمقاطعة الدوليّة التي لم يجربها هذا الكيان منذ استيلائه على أرض فلسطين، ناهيك عن الرفض الداخلي الذي من شأنه هو الآخر أنّ يُقوّض مشروع نتنياهو السياسي ويُحيله أثراً بعد عين، كما أنّ مشروع الضم وفي حال تنفيذه، فمن شأنّه أن يُعري العالم أجمع ويكشف عجزه أمام هذا الكيان الذي ومنذ تأسيسه لم يرضخ لأيٍّ من قرارات الأمم المُتحدة، الأمر الذي سيُشعل صراعًا جديدًا في الشرق الأوسط لن يبقِ ولن يذر، بعد أنّ ضاقت الناس ذراعا بمُمارسات الكيان الإسرائيلي، ليس فقط في فلسطين المحتلة، إنمّا في المنطقة برمّتها وكافة دول العالم بلا استثناء.