الوقت- بعد دخول الواقع السوري عامه الخامس، لا زال للجبهة الغربية بصيص أمل بإبعاد روسيا عن دعمها للشعب السوري، ظهر ذلك بوضوح من خلال الحملة الإعلامية الأخيرة التي شنتها وسائل الإعلام العربية والغربية حول تغيّر في الموقف الروسي وعن نية بسحب الغطاء، وقد شهد العام الفائت جهوداً بذلت في هذا السياق وخاصة من الجانب السعودي الرسمي والتي ظهرت بشكل سلسلة من الزيارات كانت آخرها زيارة سلمان الابن لموسكو ولقائه بنظيره الروسي لافروف والرئيس الروسي بوتين، ناهيك عن الإعلان المتكرر من الجانب السعودي الرسمي رغبته بشراء السلاح الروسي كان آخرها نيته توقيع اتفاق شراء صاروخ اسكندر الروسي، كل هذا وضع في خانة السعي من قبل المحور الغربي التركي وبعض الأنظمة العربية الحاكمة لتحييد روسيا عن دعمها للشعب الروسي.
تناقضات المحور الغربي يواجهها تصريحات المحور الروسي بثبات الموقف
في السياق الذي يعمل فيه المحور الغربي على استمالة الجانب الروسي، وفي سياق الحملة الإعلامية الغربية التي تحدثت عن نية روسية لرفع غطاء دعمها عن الشعب السوري وحكومته، فإن تناقضاً يشهده حديث المحور الغربي أيضاً، والمتمثل بالحديث عن تواجد عسكري روسي على الأراضي السورية لدعم الحكومة السورية وشعبها، فإذا کان ذلك التراجع قد حدث فما هي تلك المزاعم الغربیة التي تتحدث عن عملیات عسکریة للروس في سوریا! في حقيقة الأمر فإن تناقض المحور الغربي في حديثه عن روسيا يعكس القلق الشديد، هذا القلق والناتج عن الموقف الروسي الحازم اتجاه التعامل مع جماعات التخريب والتدمير وضرورة توحيد الجهود لمواجهته.
تصريح بوتين الأخير بأن روسيا ستقدم دعماً عسكرياً ملحوظاً لسوريا في مواجهتها هذه الجماعات من خلال توريد اسلحة ومعدات، والمساعدة في اعداد كوادر للقوات المسلحة السورية، هو ما يقلق المحور الغربي لكنه قال أيضاً إنه من السابق لاوانه الحديث عن استعداد بلاده للمشاركة في عمليات عسكرية ضد جماعات التخريب والتدمير، فالمشاركة في عمليات عسكرية ضد هذه الجماعات شيء والمشاركة في دعم النظام شيء آخر مختلف تماما. هذا التصريح هو في واقع الأمر رسالة واضحة في شقين، الأول أن الحديث عن تراجع في موقف بلاده اتجاه دعم سوريا وشعبها لا أساس له من الصحة وأن موقفها حازم وغير قابل للطرح بخصوص الجماعات التدميرية التخريبية، وثانيها بأن روسيا تقدم الدعم اللازم لسوريا بما تقتضيه المرحلة، وهذا الدعم يحدد بناءً على طبيعة التحديات وبالتالي فإن خيار روسيا بحماية الشرعية السورية ثابت وماضٍ ولن يشهد تراجعاً بل قد يشهد ازدياداً في مستوى الدعم بحسب طبيعة التحديات.
خيارات المحور الغربي إلى أين؟ مفرق طرق
أمام الموقف الروسي الثابت والصمود والإنتصارات التي حققتها سوريا بوجه جماعات التخريب والتدمير خلال السنوات الفائتة، وبالأخذ بعين الإعتبار تحولات المنطقة فإن المشهد السوري ليس بعيداً عنها. وهذا الواقع يضع المحور الغربي أمام مفرق طرق.
الخيار الأمريكي
امريكا وبعد أن وجدت بأن خيارها في سوريا فشل من جهة بسبب صمود الشعب السوري وحكومته، وأمام المشكلات التي برزت في المنطقة نتيجة سياساتها وأصبحت تهدد مصالحها والتي ترى أن لا بدّ لحلها إلا بالتعاون مع العناصر الفاعلة والتي لها تأثير كإيران وروسيا، وبعد الإتفاق النووي الأخير ونجاح الدبلوماسية الإيرانية التي بلورت منهجاً ومدرسة للتعاطي مع القضايا العالقة، وشبه التوافق الروسي الامريكي حول القضية الأوكرانية اواخر عام 2014، مجموعة أمور تضع السياسة الامريكية أمام ضرورة انتهاج مسلك مغاير، أو تكتيك مختلف عن سابقه.
الازمات التركية الداخلية والخارجية وانعكاسها على الموقف اتجاه سوريا
أما الخيار التركي الأردوغاني الذي يعمل على دفع الأمور باتجاه التصعيد وبناء منطقة عازلة تتيح له ضرب المشروع الكردي من جهة وتحقيق مشروع توسعي نفوذي من جهة ثانية، فإنه اليوم يواجه مشاكل كبيرة، فمن المعارضة الداخلية لسياسته والتي تبلورت في نتائج الإنتخابات البرلمانية الأخيرة، إلى خروج الملف الكردي عن سيطرته، إلى ملامح أولية تشير إلى نمو الفكر التدميري التكفيري داخل تركيا، إلى موجة الغضب الشعبية، يضاف إلى ذلك الخلاف الأمريكي التريكي الاخير والذي برز بشكله الواضح من خلال البيان المشترك بعدم التمديد لتواجد منظومة صواريخ باتريوت الأمريكية على الاراضي الروسية كلها أمور تضع تركيا في موقع متأزم داخلياً وخارجياً.
الأنظمة العربية الحاكمة الداعمة للجماعات التخريبية أمام خيارات صعبة
على صعيد الأنظمة العربية الحاكمة فإن الموقف أكثر تأزماً، فهذه الأنظمة تستشعر يوماً بعد يوم أن الخطر التدميري التخريبي الذي تولده هذه الجماعات وتتغذى من مالها النفطي هي في واقع الأمر خطر حقيقي على نفس هذه الأنظمة الفاقدة للتأييد الشعبي، أما الدول التي تتمتع بحكومات ذات تأييد شعبي كسوريا فهي عصية على الجماعات التخريبية التدميرية أن تحدث فيها أي خلل، على صعيد اخر فإن موجة الغضب الشعبي في البلدان الداعمة لجماعات التدمير والتخريب جراء السياسات الخارجية المتبعة خاصة بخصوص العدوان على اليمن الذي تشنه أنظمة هذه الدول العربية وما رشح عنه من تراجع في الإقتصاد وتدهور للوضع الأمني كلها أمور ضاغطة على هذه الأنظمة بضرورة البحث عن أي سبيل ممكن للخروج من أزمات ولدتها سياساتهم الخاطئة. إذن الضغوطات التي يعيشها المحور الغربي من جهة والسياسات المنتهجة من جهة ثانية تضع هذا المحور أمام مفترق طرق تحتم عليه إما الإختلاف والتناقض في المواقف أو انتهاج سياسة تراجعية، وعلى كل حال فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة ان الطرح الإيراني لحل الملف السوري يدعمه التوافق النووي الاخير.