الوقت-استؤنفت عمليات تقدم الجيش السوري مرة اخرى في ضواحي مدينة إدلب بعد توقف قصير بسبب هدنة موسكو بين روسيا وتركيا في 12 يناير، وتم خلالها السيطرة على مناطق أخرى من ضواحي إدلب خلال الأيام القليلة الماضية وتطهيرها من الارهاب. وتم تنفيذ وقف إطلاق النار في إدلب، بوساطة من روسيا وتركيا، يوم الأحد 12 يناير، والذي انتهك بعد يومين من قبل إرهابيي جبهة تحرير الشام.
خلال هذه الاشتباكات، تمكّن الجيش السوري وحلفاؤه في محور المقاومة من اخلاء بلدتي "سمكة" و"خوين الشعر" من المجاميع المسلحة. وفي هذا التقدم، هُزمت الخطوط الدفاعية للمسلحين في جبهتين هما "جمعية الزهراء" وتل "الشويحنة"، وسيطرت على المناطق الواقعة غرب حلب على التوالي. ولعبت هذه التطورات دوراً حاسماً في هدم معنويات الإرهابيين الذين يشعرون بقلق عميق ازاء مستقبل التطورات ويبحثون الآن عن مخرج من سوريا.
الجماعات الإرهابية التكفيرية مثل جبهة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) التي تسيطر على جزء كبير من مدينة إدلب، يرفضون الالتزام بهكذا هدن واتفاقات وبالتالي انتهاك هدنة موسكو لوقف اطلاق النار وذلك لسببين، الاول هو ان اتفاقات وقف إطلاق النار لأجل اخراج المدنيين يؤدي الى احتمال تعرضهم لمزيد من الضغوط (بسبب استخدام الارهابيين للمدنيين كدروع بشرية)، والسبب الثاني انهم ينظرون الى قضية سقوط حلب في عام 2016 هو نتيجة للتواطؤ بين تركيا والروس.
وفي رسالة إلى مجلس الأمن بعثتها وزارة الخارجية السورية قالت فيها: "لقد مر حوالي أسبوعين على انشاء المعابر الانسانية والمراكز الطبية ووسائل نقل في مناطق مثل "أبو الظهور" و"الهبيط" و"الحاضر" في ضواحي إدلب وحلب لإنقاذ المدنيين، ومازال الإرهابيون يمنعون المواطنين من مغادرة منازلهم واستهداف أولئك الذين يعتزمون استخدام هذه الطرق."
كما دعت الوزارة الأمين العام للأمم المتحدة ورئيس مجلس الأمن إلى اتخاذ إجراءات لإخراج المدنيين من المعابر الإنسانية المخصصة في إدلب وحلب.
قرار سوريا بحرق ورقة إدلب
إدلب التي تشكل حوالي 2 بالمئة من الأراضي السورية، هي المحافظة الوحيدة المتبقية تحت سيطرة الجماعات الإرهابية التي أعلنت نفسها ضمن المعارضة المسلحة ضد الحكومة المركزية. لذلك فإن السيطرة المستمرة على المحافظة لها أهمية استراتيجية للمعارضة من أجل لعب دور في التطورات المستقبلية في سوريا، وخاصة العملية السياسية.
في حين أن انتصار دمشق في الأزمة السورية المستمرة منذ سنوات في الحرب ضد الإرهاب أمر حاسم، يحاول المعارضون المدعومون من الخارج تحويل إخفاقاتهم في الساحة العسكرية إلى نصر سياسي، وبالتالي المساهمة في إفشال مسببات المفاوضات عن طريق وضع العقبات في طريق مفاوضات الدستور الذي بدأت أولى جولاته في جنيف بسويسرا مطلع شهر أكتوبر بإشراف الأمم المتحدة.
خيبة أمل روسيا من طاولة المفاوضات
كلما اعلنت الحكومة السورية عن عمليات تحرير إدلب، يَقدُم أردوغان مباشرة للسفر الى موسكو والتفاوض مع بوتين كوسيلة لمنع سقوط إدلب.
ومع ذلك، فإن الانتهاكات المتكررة للاتفاقات وإثبات عجز أنقرة عن إجبار الجماعات الإرهابية على الالتزام بوقف إطلاق النار، دفعت موسكو في النهاية إلى عدم بذل أي جهد جدي لمنع استمرار العمليات العسكرية السورية في إدلب.
وفي هذا الصدد، يتسلط الضوء على اجتماع يوم امس الذي جمع الرئيس السوري بشار الأسد بالوفد الروسي الرفيع المستوى، نقلاً عن وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، والتي تم خلالها تأكيد المبعوث الخاص لرئاسة الجمهورية الكسندر لافنتييف ونائب الرئيس الروسي للشؤون الخارجية سيرجي فارشينين والوفد المرافق له التطورات الجارية في حلب وإدلب، وخاصة أهمية العملية العسكرية التي تدعمها روسيا في سياق الحد من التدخل الأجنبي في العملية السياسية.
وتأتي الزيارة في الوقت الذي التقى فيه وزير الخارجية الروسي لافروف بمبعوث الأمم المتحدة في سوريا جير بيدرسون الأسبوع الماضي، قائلاً إن وجود الإرهابيين في سوريا قد انتهى تقريبًا وان الإرهابيين يعطّلون العمليات الإنسانية في سوريا، الأمر الذي يتطلب معالجة حقيقية.
تجاهل تركيا لإدلب
ان جهود تركيا لاحتواء وقف إطلاق النار ووقف هجمات الجيش السوري قد فشلت بينما يبدو أن أنقرة أعلنت عن يأسها إزاء سيطرة الإرهابيين على إدلب.
كما أن الطريق امام التبريرات القانونية التركية للدفاع عن وقف إطلاق النار قد وصل الى طريق مسدود بسبب هيمنة جبهة تحرير الشام على قسم كبير من إدلب. ومن ناحية أخرى، كان للسيطرة على أجزاء من المنطقة الكردية الشمالية في العمليات الأخيرة (نبع السلام) وكذلك التطورات في ليبيا، تأثير على تغيير أولويات أنقرة في الحفاظ على إدلب، على الرغم من أن تركيا لا تزال تشعر بالقلق إزاء نتائج العملية العسكرية السورية التي يمكن أن تؤدي إلى موجة دخول جديدة من اللاجئين الى بلادها.
لقد جعلت تركيا من عرقلة سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي ومقاتلي وحدات حماية الشعب على مناطق شمال سوريا احدى اهم اهدافها في التطورات السورية، الأمر الذي تم حله بشكل كبير عن طريق تفاهم الشرق والغرب حيث تسيطر انقرة حاليا على أجزاء كبيرة من هذه المناطق.
وهذا قد يعني محاولة أنقرة لفتح أبوابها حول اعادة العلاقات مع دمشق، حيث اعلن المسؤولون الأتراك مراراً وتكراراً عن وجود اتصالات خلف الكواليس مع دمشق، نظرا إلى التجارة القائمة بين البلدين، والانفتاح الاقتصادي التركي نحو العالم العربي، وخاصة الدول الخليجية.
في النهاية، يجب على تركيا تسليم المناطق التي تسيطر عليها الى دمشق، وبهذه الرؤية، فإن أفضل حل لأنقرة هو التوصل إلى اتفاق مماثل لاتفاقية أضنة مع دمشق، والتي سيكون قبولها أسهل من خطر المواجهة العسكرية مع دمشق في المستقبل.
من ناحية أخرى، فتحت التطورات في ليبيا الباب أمام حل تحدي إدلب. لقد حولت تركيا تركيزها إلى البحر المتوسط وشمال إفريقيا مع تصاعد الاشتباكات في ليبيا وكثرة المؤيدين الدوليين لحفتر والأخبار تشير إلى انتشار ارهابيي ادلب في الساحة الليبية.
وفي الواقع، فإن أردوغان يدرك جيدًا أنه إذا فقدت تركيا الجبهة الليبية بيد المنافسين، فسيواجه مشكلات كبيرة في الانتخابات المقبلة. حيث إنه الآن لا يستفيد من التهديد الكردي أو الطفرة الاقتصادية الحاصلة.