الوقت- لا تزال المعادلات السياسية في منطقة غرب آسيا وبالاخص تلك المتعلقة بالأزمة السورية منذ عام 2011 وحتى هذه اللحظة غير واضحة وفي هذه الأثناء، يمكن وصف الأكراد السوريين بأنهم أحد الممثلين الجدد في هذه المعادلات المعقدة، خاصة وأنهم أصبحوا الآن العدو الأول للحكومة التركية في المنطقة. وفي الأيام الأخيرة، أثارت زيارة القائد العسكري للقوات الديمقراطية السورية الكردية، "مظلوم كوباني" إلى العاصمة الإماراتية "أبو ظبي"، موجة من الاحتجاجات والغضب لدى المسؤولين السياسيين الأتراك. ووفقًا لبعض وسائل الإعلام التركية، فلقد وصل "لاهور شيخ جنكي"، ابن شقيق "جلال طالباني" و"مظلوم كوباني" قائد قوات مكافحة الجماعات الإرهابية في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، إلى محافظة الحسكة في 18 نوفمبر 2019، وبعد ذلك قامت مجموعة من قوات مكافحة الإرهاب التابعة لـ"لاهور"، بالدخول إلى المنطقة، وفي الـ 28 نوفمبر الماضي، قام "مظلوم كوباني" بزيارة مفاجئة إلى مدينة السليمانية وبعد قضاء يوم واحد في مدينة السليمانية، غادر قائد القوات الديمقراطية السورية من مطار بغداد الدولي إلى العاصمة الاماراتية "أبو ظبي"، ولفتت وسائل الاعلام التركية إلى أن "كوباني" عاد إلى العاصمة العراقية بغداد بعد قضاء أربعة أيام في الامارات وأكدت وسائل الاعلام التركية أن "كوباني" إلتقاء خلال زيارته هذه بعدد من المسؤولين السعوديين والإماراتيين. ولقد أثارت هذه الزيارة غضب العديد من القادة الاتراك. يذكر أن قائدين عسكريين اخرين ينتميان إلى قوات سوريا الديمقراطية الكردية، وهما "الهام أحمد" و"رياض دارار"، كانا قد سافرا في وقت سابق إلى القاهرة والتقيا خلال زيارتهما تلك مع وزير الخارجية المصري "سامح شكري". وهنا وفي مثل هذه الاوضاع الجديدة، يمكننا أن نتساءل لماذا تخشى تركيا من اقترب الأكراد السوريين إلى الدول العربية، وإلى أي مدى يمكن أن يثمر التعاون بين الجانبين الكردي والعربي؟
جذور المخاوف التركية من تعاون الدول الخليجية مع الأكراد السوريين
بعد قيام القوات التركية بعملية "نبع السلام" في منطقة الفرات الشرقية، أصبح الأكراد السوريون الآن العدو الأول والأهم لأنقرة في تلك المنطقة وفي مثل هذه الظروف، تشعر الحكومة التركية بقلق عميق إزاء أي تعاون وتنسيق لأي جهة فاعلة في المنطقة مع قوات سوريا الديمقراطية الكردية المعروفة بـ"قسد" وحول هذا السياق، ذكرت العديد من التقارير بأن الحكومة التركية تقلق من شيئين رئيسيين؛ أحدهما هو أن التعاون والدعم العربي للأكراد السوريين والذي قد يساعدهم على تعزيز موقفهم وسلطتهم في تلك المنطقة والشيء الاخر هي الدولة السورية. الجدير بالذكر أن أنقرة ترى بأن زيادة مستوى التعاون والدعم الذي تقدمه بعض الدول ذات النفوذ الكبير مثل السعودية والإمارات على المستوى الدولي لهذه الجماعات الكردية، يمكن أن يفتح الباب أمام جماعات الضغط الدولية الكبيرة لتقديم الدعم الكافي للأكراد ولفرض عقوبات اقتصادية جديدة على تركيا.
أهداف دولة الإمارات والسعودية من التقرب للأكراد السوريين
يشهد الوضع الحالي في منطقة الشرق الأوسط مواجهة عدد من الدول العربية، وخاصة السعودية والإمارات ومصر، مع توسع نفوذ جماعة الإخوان المسلمين في المنطقة وخلال السنوات الماضية، كانت الحكومة تعتبر وجود هذه الجماعة الدينية دائماً تهديداً كبيراً عليها وعلى أمنها الوطني ونظرا بأن الحكومة التركية هي الحامي والداعم الرئيس لهذه الجماعة الدينية، فإن مصر والإمارات والسعودية قامت خلال الفترة الماضية بالتحالف مع عدد من الجهات الفاعلة في المنطقة المعارضة للسياسات التركية ويمكن ملاحظة ذلك بوضوح في التطورات الأخيرة في ليبيا، فعندما قامت الحكومة التركية بتقديم الكثير من الدعم للقوات الإخوانية المنتشرة في هذا البلد، قامت بعض الدول العربية وعلى رأسها مصر بتقديم الدعم للقوات العسكرية التابعة للواء "خليفة حفتر".
واستمراراً لهذه السياسة، تنوي الدول العربية دعم قوات سوريا الديمقراطية الكردية من أجل مواجهة تركيا والانتقام منها وفي هذا الصدد، كشفت العديد من المصادر الاخبارية بأن وزير الخارجية السعودي "ثامر السبهان" سافر مؤخراً إلى مدينة "دير الزور" للقاء بعض زعماء القبائل العربية وقادة قوات سوريا الديمقراطية السورية وهذا الامر يدل على أن الدول العربية تستخدم الأكراد السوريين كورقة ضغط ضد تركيا. ومن ناحية أخرى، يعتمد النهج الأمريكي الإقليمي في عهد "ترامب" على تشكيل تحالف ناتو عربي موحد يضم السعودية ومصر والإمارات، من أجل تخفيف التزامات واشنطن الأمنية في المنطقة وخاصة في سوريا. وبالإضافة إلى هذه المكونات الأساسية والأساسية، لا يمكن إهمال أو تناسي أن الرياض تسعى جاهدة للانتقام من الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بسبب استغلاله لقضية مقتل الصحفي السعودي المعارض "جمال خاشقجي" في قنصلية بلاده في اسطنبول قبل عامين وعلى الرغم من أن المحكمة السعودية أصدرت الأسبوع الماضي حكماً ضد المدعى عليهم، إلا أن تركيا صرحت بأن تلك المحاكمة كانت تمثيلية استعراضية ودعت إلى محاكمة كبار المدعى عليهم وعلى رأسهم "ابن سلمان".
الإمكانات والقيود لإقامة علاقات طيبة بين الاكراد السوريين وبعض الدول العربية
على الرغم من أن بعض الدول العربية تتبع بعض السياسات لدعم الأكراد السوريين، إلا أنه من المشكوك فيه في وقتنا الحالي ما إذا كان يمكن تحقيق تحالف بين القوى السورية الديمقراطية الكردية مع السعودية والإمارات ومصر. أو بعبارة أخرى، ما هي الإمكانات والقيود التي تقف كحجرة عثر في طريق التعاون بين الجانبين الكردي والعربي؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب النظر إلى مسألتين مهمتين: فمن ناحية، الأكراد السوريون ليسوا ممثلين للدولة السورية ولا يمكنهم أن يتصرفوا كأطراف فاعلة مستقلة ولقد أظهرت العلاقات التاريخية في منطقة غرب آسيا أن اللاعبين الصغار كانوا دائمًا ضحايا للعبة الكبار، ولهذا فإنه من المحتمل الآن أن الأكراد السوريين سيكونون مجدداً ضحية للعبة عربية تركية وذلك لأن أي تقارب في علاقات أنقرة مع الرياض وأبو ظبي والقاهرة يمكن أن يعّرض الأكراد السوريين للخطر. ومن ناحية أخرى، أظهرت التجربة أن الاستراتيجيات الإقليمية لدولة الإمارات والسعودية تفتقر إلى الاستقرار والثبات، حيث أظهرت الإمارات خلال الفترة الماضية العديد من العلامات على رغبتها في إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق وفقًا لهذه القاعدة، يمكن القول أن اعتماد الأكراد السوريين على الدعم العربي على المدى الطويل، يمكن أن يمهد الطريق لإخراجهم من التطورات الميدانية التي تشهدها الساحة السورية.