الوقت- في الوقت الذي تسعى فيه الاستراتيجية الجديدة الخاصة بالدفاعات الصاروخية الأمريكية وكذلك الاستراتيجية الفضائية الجديدة لحلف الناتو لنشر عدد من الصواريخ والرادارات الكاشفة لطائرات "إف 35" بالقرب من الحدود الروسية، بدأت موسكو أيضاً نشر عدد من المنظومات الصاروخية "إس 300" خارج حدودها.
وحول هذا السياق، كشفت عدد من المصادر الإخبارية بأن الحكومة الروسية جهّزت في الأسبوع الماضي، قاعدتها 201 في طاجيكستان والقريبة من الحدود الأفغانية بمنظومة "إس 300" الصاروخية.
كما أن موسكو نشرت هذه المنظومة الصاروخية في قاعدة أخرى لها في الأراضي الكازاخستانية، إن هذه الإجراءات الروسية أثارت العديد من التساؤلات حول كيف ستقوم موسكو بنشر استراتيجيتها العسكرية في آسيا الوسطى.
التهديدات التي تواجه المحيط الأمني الروسي
إن التطورات الميدانية التي وقعت في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011 وحتى يومنا هذا كان لها تأثير بالغ على الأمن القومي الروسي، ولهذا فلقد قررت الحكومة الروسية بعد عام 2014 نشر وتطوير العديد من أنظمة الدفاع الصاروخية الاستراتيجية التابعة لها، وذلك من أجل توجيه ضربة موجعة للحكومة الأمريكية التي قامت خلال السنوات السابقة باستفزاز الجانب الروسي وقامت بنشر الكثير من المنظومات الصاروخية بالقرب من الحدود الروسية ومع انسحاب أمريكا من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، دخلت هذه التهديدات مرحلة جديدة أكثر حساسية وذلك لأنه سيصبح بمقدور واشنطن إعادة نشر الصواريخ التقليدية والمتوسطة المدى ومنصات الإطلاق، وهذا يعني أن أمريكا سوف تتمكن من محاصرة روسيا بطريقة أو بأخرى بالاستعانة بهذه البرامج الاستراتيجية.
ووفقاً لتقديرات موسكو، فلقد زادت أمريكا من عدد قواعدها العسكرية في أفغانستان ووصل إلى نحو 13 قاعدة عسكرية، على الرغم من أن البيت الأبيض زعم في وقت سابق بأنه سيقوم بسحب الكثير من قواته العسكرية من هذا البلد، وحول هذا السياق، قال مبعوث الرئيس الروسي "بوتين" الخاص إلى أفغانستان "ديمتري كابولوف": "روسيا قلقة من وجود قواعد عسكرية أمريكية على الأراضي الأفغانية والتي لم يكن لها أي تأثير على الانتصارات التي حُققت خلال الفترة الماضية على الإرهاب".
تقوية الدروع الدفاعية في "الحدود القريبة"
تمتلك أمريكا العديد من القواعد العسكرية في أفغانستان وفي وقتنا الحالي تسعى استراتيجية الدفاع الصاروخية الأمريكية الجديدة بالإضافة إلى استراتيجية الناتو الفضائية الجديدة لاحتواء أنظمة الصواريخ الروسية عند نشوب هجوم أو هجمات صاروخية في المستقبل ولذلك فلقد نشرت أمريكا عدداً من الصواريخ والرادارات الكاشفة لطائرات "إف 35" بالقرب من الحدود الروسية، ولمواجهة هذا التحدي الجديد، بدأت موسكو بنشر أنظمة "إس 300" الصاروخية بالقرب من حدودها الخارجية وهنا تجدر الإشارة إلى أنه هناك ستة أنواع من أنظمة "إس 300" الصاروخية ولكل واحد منها قدرات مختلفة عن النوع الآخر.
يذكر أن حلف الناتو لم يتمكّن حتى هذه اللحظة من شنّ أي هجمات ضد أنظمة "إس 300 بي إم يو" الصاروخية، وتتمتع أنظمة "إس 300" الصاروخية بالقدرة على مواجهة الصواريخ الباليستية ويمكنها أيضاً إطلاق الذخيرة لمسافة تصل حتى 400 كيلومتر، ولقد قامت الحكومة الروسية خلال الفترة الماضية بنشر عدد من أنظمة "إس 300 بي إم يو" الصاروخية في جمهورية أذربيجان وبلغاريا ولكن أنظمة "إس 300" الصاروخية المتمركزة في كازاخستان لها أهمية كبرى وذلك لأنها تغطي منطقة مهمة بالنسبة لروسيا لمواجهة التهديدات الأمريكية.
وفي سياق متصل، كشفت العديد من التقارير بأن نوع الأنظمة الصاروخية التي قامت روسيا بنشرها في قاعدتها العسكرية في طاجيكستان، هي من نوع "فافوريت" التي لديها قدرة مضاعفة تصل إلى ثلاث مرات في التصدي لصواريخ كروز والصواريخ الباليستية والطائرات الحربية، والتي يمكنها أيضاً اكتشاف الأهداف من فاصلة تصل ما بين 400 إلى 600 كيلومتر. كما أنه يمكن استخدام هذا النوع من الأنظمة الصاروخية يستخدم للدفاع عن القواعد الصناعية والإدارية والعسكرية الكبيرة، وهي أول أنظمة متعددة المهام قادرة على تتبع ما يصل إلى ستة أهداف وإطلاق ما يصل إلى اثني عشر صاروخاً، ووفقاً للمسؤولين الروس، يمكن أن يشكل هذا النوع من الأنظمة الصاروخية تهديداً خطيراً لمقاتلات "إف 35".
الحيلولة دون تسلل حلف الناتو
لمواجهة الحزام الأمني الذي أنشأته موسكو في خارج حدودها الاقليمية والتي وصلت بها إلى قرب الحدود الأفغانية، تحاول أمريكا وحلف الناتو كسر هذا الحزام الأمني من الداخل وذلك من خلال التسلل إلى دول آسيا الوسطى وجذب النخب السياسية إلى الجانب الأمريكي.
يذكر أن الرئيس "باراك أوباما" خلال السنة الأخيرة من فترة رئاسته، تقدّم باقتراح لإجراء محادثات منتظمة بين أمريكا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأوزبكستان وتم تسمية هذا المشروع باسم "C5 + 1"، ما يعني خمس دول في آسيا الوسطى بالإضافة إلى أمريكا، وفي هذا الأثناء بذل الرئيس الأمريكي الحالي "دونالد ترامب" الكثير من الجهود لزيادة تغلغل بلاده في آسيا الوسطى.
إن المخاوف الروسية من تغلغل الحكومة الأمريكية في دول آسيا الوسطى، قد أجبرها على وضع استراتيجية جديدة لمواجهة تلك التهديدات الأمريكية ولهذا فلقد خططت موسكو لفتح صفحة جديدة من التعاون الأمني مع دول آسيا الوسطى، وذلك فلقد قامت وزارة الدفاع الروسية بمناورات عسكرية مشتركة "سنتر 2019" في العديد من المناطق العسكرية والمياه الساحلية الواقعة على ضفاف بحر قزوين في أواخر سبتمبر الماضي، والتي شارك فيها نحو 128 ألف جندي من روسيا والصين وباكستان وقيرغيزستان والهند وكازاخستان وطاجيكستان وأوزبكستان، وفي يوم الخميس الماضي، عُقد أيضاً اجتماع لوزراء دفاع الدول الأعضاء في منظمة "همسود" في العاصمة الاذربيجانية "باكو"، بمشاركة وزراء دفاع أذربيجان وبيلاروسيا وكازاخستان وقرغيزستان وروسيا وطاجيكستان وأوزبكستان ولقد تم التأكيد في ذلك الاجتماع على ضرورة الاستمرار في مواجهة الإرهاب، كما حدّد هذا الاجتماع آفاق التعاون العسكري بين الدول الأعضاء بحلول عام 2025.