الوقت- يبدو أن حلف شمال الأطلسي "الناتو" هو أكثر المنزعجين من التوافق الذي حصل بين روسيا وتركيا في شمال شرق سوريا، وما إن بدأ هذا التوافق يسري مفعوله حتى دخل "الناتو" على خط الأزمة لخلط الأوراق ومحاولة إعادة الأمور إلى نقطة الصفر أو إشراك "الناتو" بأي تفاهم أو اتفاق يحصل هناك، ويبقى السؤال لماذا كل هذا الهيجان للناتو طالما أن جميع الأطراف بما فيهم الحكومة السورية والأكراد موافقين على سير الأمور هناك؟.
الناتو حالياً يبحث عن نزع زمام الأمور من كل من روسيا وتركيا فيما يخص موضوع المنطقة الآمنة، ويقترح أن تصبح هذه المنطقة تحت إشراف ومراقبة وحماية حلف شمال الأطلسي، ولكن يبقى السؤال أين كان هذا الحلف عندما اقتحم الأتراك الأراضي السورية وهاجموا الأكراد، لماذا لم نسمع أصواتهم إلى أن بادرت روسيا بإيجاد حلّ للخروج من هذه الأزمة بأقل التكاليف؟.
إدارة المنطقة الآمنة أعلن عنها الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، ينس ستولتينبرج، حيث أيّد الاقتراح الألماني الخاص بإقامة منطقة آمنة في شمال سوريا برعاية أممية، يأتي ذلك بينما تقول تركيا إنها ستقيم بمفردها منطقة آمنة شرق الفرات شمال سوريا، وعلى إثر ذلك أطلقت عملية عسكرية تحت اسم "نبع السلام".
والأسبوع الماضي قالت ألمانيا إنها ستعرض على دول حلف الناتو، إقامة منطقة آمنة شمال سوريا تخضع لإشراف دولي، وهو عكس ما تريده تركيا إذ ترغب في أن تبقى المنطقة الآمنة تحت إدارتها، ومن جانبها ردّت روسيا على المقترح بالقول إنه "غير مجدٍ" في ظل التفاهمات التي تم التوصل لها مع تركيا خلال قمة سوتشي الأخيرة.
وفي معرض تعليقه على فكرة إنشاء منطقة آمنة شمال سوريا بقرار من مجلس الأمن الدولي، قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف إن "الجانب الروسي لا يفهم جوهر وهدف مبادرة إنشاء منطقة أمنية شمال شرق سوريا تحت رعاية الأمم المتحدة".
ماذا عن الناتو؟
يبدو أن الناتو بدأ يتلمّس خطر الخروج من المعادلة السورية في ظل المعادلات الجديدة التي تظهر "إمساك روسيا بزمام المبادرة" وهذا آخر ما يتمنّاه "الناتو" الذي يسعى لحصار روسيا وإضعافها وكان هذا الأمر واضحاً في أوروبا الشرقية، إلا أن محاولات الناتو هذه باءت بالفشل، وبالتالي فإن عودة روسيا إلى الساحة بقوة كبيرة، يؤثر على الناتو الذي بدأ ينقسم على ذاته بعد أن فشلت أمريكا بإدارة مجريات الأحداث شمال سوريا وخاصة بعد أن طعنت الأكراد في ظهرهم، الأمر الذي قد يدفع هؤلاء نحو الحضن الروسي، وبالتالي العودة إلى الحاضنة السورية والاندماج مع الحكومة السورية، وهذا الأمر لا يروق للغرب.
وما يزعج الناتو ويجعله ينتفض على اتفاق سوتشي الأخير الذي تم توقيع عليه بين الجانبين الروسي والتركي، هو تعاظم قدرات وقوة روسيا، إذ إن هناك رأياً راجحاً في الغرب يتمثّل في أن ضمّ القرم والتدخل العسكري في سوريا أدخل روسيا في معادلة تلعب فيها دوراً عسكرياً أكبر بكثير من إمكانياتها السياسية والاقتصادية، الأمر الذي يجبر حلف الناتو على اتباع سياسات للحدّ من النفوذ الروسي في الجوار الإقليمي المباشر وفي الجوار البعيد".
ويبدو أن موسكو لا تخشى من تشديد أو زيادة العقوبات، فتجارب فرض العقوبات أثبتت أن نتائجها تظل محدودة نسبياً، ولا تظهر نتائج مؤثرة إلا بعد فترة طويلة، وفي الحالة الروسية يشكّل اعتماد أوروبا على إمدادات الطاقة الروسية كابحاً للغرب عن التوسع أو التمادي في العقوبات.
وفي هذا الإطار قالت صحيفة لوموند إن حلف الشمال الأطلسي "الناتو"، المنقسم والذي أضعفه الانسحاب الأمريكي من سوريا، يجد نفسه أمام أزمة كبيرة في مواجهة الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والتركي رجب طيب أردوغان.
وتابعت لوموند التوضيح أنه إلى جانب عدم الإدانة الجماعية للهجوم الذي تم على الحدود السورية، لا يوجد إجماع في حلف الناتو حول كيفية التعامل مع الحليف التركي، لكنه، وإضافة للهجوم التركي في سوريا فإن الفجوة الاستراتيجية عميقة داخل الناتو.
وباتت فرنسا تجد نفسها معزولة بشكل خاص، حيث إن رئيسها ماكرون، الذي يحاول الترويج لـ"الحكم الذاتي الاستراتيجي الأوروبي" ويريد إحياء الحوار مع موسكو ومواصلة الحوار مع طهران، يثير شكوك شركائه حول سعيه إلى التعجيل بنهاية الناتو لمصلحة الاتحاد الأوروبي، دون تقديم ضمانات.
لا نعتقد أن الناتو اليوم قادر على خلط الأوراق إلا في حال أرادت واشنطن العبث من جديد بهذه التوافقات، إذ دخل الاتفاق الروسي - التركي، الذي وقّعه الرئيسان فلاديمير بوتين ورجب طيب إردوغان في سوتشي، حيّز التنفيذ، عبر البدء بتسيير دوريات روسية في منطقة عين العرب الحدودية في ريف حلب، والتي ينتشر فيها الجيش السوري، في انتظار تطبيق بقية البنود.
أمريكا في الحقيقة تبحث عن النفط في شمال سوريا وفي حال استطاعت الحفاظ على الكميات التي تسرقها من سوريا فلن تغير من المعادلات التي تجري هناك، ولكن إذا ما استطاع بقية الأفرقاء إبعاد واشنطن من الساحة قد تقوم الأخيرة بصناعة أبو بكر بغدادي جديد غير الذي قالت إنها قتلته مؤخراً.
حالياً القوات الأمريكية لن تترك قريباً حقول النفط في دير الزور والمنطقة المحيطة، كحقل العمر وكونيكو، إذ أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أمس، أن "قوة أمريكية صغيرة العدد ستبقى في محيط مناطق آبار النفط في شمال شرق سوريا"، في حين أكد المبعوث الأمريكي الخاص إلى سوريا، جيمس جيفري، أن "العمل جارٍ على وضع خيارات لإبقاء قوات أمريكية شمال شرق سوريا".
وفي هذا الإطار، قال وزير الدفاع الأمريكي، مارك إسبر، أمس، إن القادة الأمريكيين "يدرسون كيف بوسعنا أن نعيد قوات إلى المنطقة من أجل ضمان تأمين حقول النفط"، مؤكداً بذلك بياناً سابقاً من "البنتاغون"، كما أكد أن أمريكا ستعزّز وجودها العسكري في سوريا، وأشار إسبر، خلال مؤتمر صحافي في بروكسل، إلى "(أننا) نتخذ الآن بعض الإجراءات... لتعزيز موقفنا في دير الزور لضمان أن بإمكاننا منع وصول داعش إلى حقول النفط"، مضيفاً "(إننا) نعزز هذا الموقف، وسوف يشمل بعض قوات المشاة المجهّزة بمعدات ميكانيكية تشمل عادة الدبابات ومعدات عسكرية أخرى".