الوقت- قبل ما يقارب الأسبوع من الآن طرحت ثمانية فصائل فلسطينية ما سمتها "المبادرة الوطنية لتحقيق الوحدة وإنهاء الانقسام الفلسطيني"، وحثّت الفصائل في مؤتمر صحفي عقدته بمدينة غزة لإعلان المبادرة حركتي التحرير الوطني (فتح) والمقاومة الإسلامية (حماس) على استئناف مباحثات المصالحة، والالتزام بالاتفاقيات الموقعة لإنهاء حالة الانقسام السياسي المستمر منذ منتصف العام 2007.
المبادرة أطلقتها كل من: الجهاد الإسلامي، والجبهة الشعبية، والجبهة الديمقراطية، وحزب الشعب الفلسطيني، وحركة المبادرة الوطنية، والاتحاد الديمقراطي الفلسطيني (فدا)، والجبهة الشعبية-القيادة العامة، وطلائع حرب التحرير الشعبية.
حماس وافقت على المبادرة من دون أي شروط أو أي ملاحظات، وأعلن إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لحماس، خلال لقاء مع قادة الفصائل التي وضعت المبادرة الجديدة، والتي تستند إلى أربع نقاط رئيسة عن الموافقة عليها من دون أي شروط.
وقال هنية: "أعلن الموافقة وقبول مبادرة الفصائل الوطنية كاملة والتي تقدّم بها قادة الفصائل من دون أي ملاحظات أو شروط أو تعديلات"، لافتاً إلى أن موافقة حماس على المبادرة "ليست ملحقة بأي ملاحظات"، بل هي تقدير منها بأن المسؤولية تقتضي دفع عجلة المصالحة للأمام.
وذكر رئيس المكتب السياسي لحماس أن حركته وافقت على المبادرة "بالرغم من أن هناك بعض الملاحظات البسيطة والمتواضعة على بعض ما ورد فيها".
في مقابل ذلك جاءت ردة فعل حركة "فتح" سلبية نوعاً ما تجاه المبادرة واعتبرتها "مضيعة للوقت"، ونسخة أخرى عن مبادرة "حماس"، لأن "فتح" لا تريد أن تبدو منعزلة، وظهرت من خلال الدعوة إلى الانتخابات وكأنها تريد الاحتكام إلى الشعب وليس إلى الفصائل.
وفي هذا الإطار أعلن نائب رئيس حركة فتح محمود العالول، اليوم الاثنين، موقف السلطة الفلسطينية وحركة فتح، من مبادرة الفصائل الثمانية لإنهاء الانقسام، "بأنه لا مجال للتعاطي والحديث عن أي مبادرات يتم إطلاقها لإنهاء الانقسام".
وأوضح العالول خلال تصريحات لإذاعة صوت فلسطين، أن موقف اللجنة المركزية ثابت وبأنه لا مجال لبحث مبادرة الفصائل الفلسطينية لسببين أولهما عدم إعطاء مزيد من الأمل لشعبنا دون جدوى، والثاني إصرارنا على تطبيق ما تم الاتفاق عليه في عام 2017، مشيرا إلى أن فصائل منظمة التحرير وحركة فتح بالاتفاق مع حركة حماس توصلت في السابق لاتفاقيات أبرزها اتفاق 2017، دون أن يتم تطبيق أي منها.
وبيّن أنه لا داعي لإطلاق مبادرات إنما لا بدّ من الذهاب لانتخابات كما دعا لها الرئيس محمود عباس في الأمم المتحدة للخروج من أزمة الانقسام.
هل من المنطقي إجراء انتخابات قبل إنهاء الانقسام؟
تجاهل حركة "فتح" للمبادرة يوحي بما لا يدع مجالاً للشك بأن "فتح" لا تريد إنهاء الانقسام وتريد الاستئثار بالسلطة لوحدها وإظهار نفسها بأنها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني، إلا أن ابتعادها عن الاندماج مع الواقع الفلسطيني وانخراطها في عمل المقاومة مع بقية الفصائل سيبعدها عن الشارع الفلسطيني وسيكون لهذا الأمر تبعات على الحركة خلال الفترة المقبلة، وفي حال حدثت انتخابات سيظهر هذا الأمر جلياً في هذه الانتخابات.
كان على "فتح" أن تتقدم خطوة للأمام وتقبل بهذه المبادرة حتى لو كان لها ملاحظات عليها، وذلك لتوحيد الصف الفلسطيني، خاصة وأن فلسطين تمرّ بأسوأ مرحلة تاريخية، فهي على شفا سلسلة من التغييرات التي من شأنها أن تغيّر هويتها، وفي مقدمتها توابع صفقة القرن والاستيطان وتهويد القدس ومحاولات تصفية قضية اللاجئين عبر إنهاء تفويض الأونروا.
ولو قبلت "فتح" بهذه المبادرة لكان موقفها أقوى أمام الغرب وتحديداً أمريكا، وكانت ستشكّل لها هذه المصالحة ورقة رابحة أمام أي تحدٍ قادم، إلا أن رغبة "فتح" في السيطرة على تفاصيل القضية الفلسطينية أبعدها عن هموم الشارع الفلسطيني، الذي هو اليوم أحوج ما يكون للوحدة وليس للانقسام.
في السابق كانت الفصائل دائماً ما تلقي باللائمة على حركتي حماس وفتح باعتبارهما الفصلين الأكبر على الساحة وصاحبي الخلاف السياسي، إلا أنه وبعد موافقة حماس غير المشروطة على المبادرة فإن فتح تبقى وحيدة في قفص الاتهام الفصائلي وعليها أن تأخذ خطوة إيجابية لتنفي هذه التهمة عن نفسها.
مشكلة فتح أنها لا تزال تعتقد أن إتمام المصالحة سيجبرها على دفع ثمن سياسي يخصم من رصيدها، لكن الواقع يقول إن تفاصيل المبادرة تشكّل مخرجاً لجميع الأطراف، وبالتالي انعدام فرضية الثمن الذي يتوجّب على طرف واحد أن يدفعه دون الآخر.
أما فيما يخص موضوع الانتخابات، فإن السلطة الفلسطينية لن تتمكّن من إجرائها وإنما تطرح موضوع الانتخابات لتقول للجميع أنها تريد إشراك جميع الفلسطينيين في تقرير المصير، ولو كان الأمر كذلك لماذا لم تقبل السلطة بالمبادرة الفلسطينية، خاصة وأنها تشتمل على بند يؤكد ضرورة إجراء الانتخابات العامة والشاملة كآلية للوصول إلى شرعيات جديدة في الحالة الفلسطينية.
الحل القادم كما نعتقد سيكون عبر الشارع الفلسطيني الذي عليه أن يضغط على جميع الأطراف للقبول ببنود المصالحة وإلقاء المشكلات الداخلية جانباً لأن فلسطين اليوم بحاجة للوحدة ورصّ الصفوف لمواجهة المشاريع الصهيو - أمريكية، وستساهم الفصائل في دفع الشارع نحو هذا الاتجاه، ولا نستبعد أن يبدأ التحرك ميدانياً في مظاهرات مليونية للضغط من أجل تحقيق المصالحة.