الوقت- بذلت دولة الإمارات خلال الفترة الماضية الكثير من الجهود للتدخل في الشؤون الداخلية للسودان وبسط نفوذها وتحويل مسار الثورة، خصوصاً بعد أن كانت من أوائل الدول التي رحّبت بقرارات المجلس العسكري الانتقالي في هذا البلد الفقير، وقدّمت مساعدات للخرطوم.
ولهذا الأمر فإن هناك حالة من التململ السياسي والشعبي تسود بين أبناء الشعب السوداني، وفي وقتنا الحالي يشعر السودانيون بالقلق من مخططات الإمارات في بلادهم، من خلال دعم العسكر، وتجاهل المدنيين، خصوصاً بعد التهنئة التي وجهها ولي عهد أبوظبي الشيخ "محمد بن زايد" إلى رئيس المجلس السيادي السوداني الفريق "عبد الفتاح البرهان"، وتجاهُل تهنئة رئيس الحكومة المعيَّن من المدنيين.
ويبدو أن لرجال السودان العسكريين الجدد، صلات واضحة بأبوظبي، وقد يلعبون خفية على حبال التناقضات الإقليمية ويدخلون لعبة المحاور المنهكة، في حين يُخشى أن تستعيد الإمارات دور العابث بمسار الثورات، ومدخلها المجلس العسكري واقتصاد متعب بتوالي الأزمات.
بداية التحركات المشبوهة الإماراتية داخل السودان
كشفت العديد من المصادر الإخبارية بأن الرئيس السوداني المعزول "عمر البشير" قدّم الكثير من الخدمات لدولة الإمارات وللسعودية وشاركهما في عدوانهما الغاشم على اليمن، إلا أنه في نهاية 2018 ومع تفاقم الوضع الاقتصادي في السودان خرج المحتجون إلى الشوارع، واكتشف البشير أن هذا الصديق القوي والثري ليس بجانبه.
وفي 21 أبريل 2019، أعلنت الإمارات وإلى جانبها السعودية، أنهما ستقدمان مساعدات للسودان قيمتها ثلاثة مليارات دولار، عقب الإطاحة بـ"البشير" في الـ11من الشهر ذاته.
واستقبل "عبد الفتاح البرهان"، رئيس المجلس العسكري الانتقالي حينها، وفداً إماراتياً سعودياً مشتركاً، قدِم إلى البلاد يمدّ يد العون للسودان الخارج من عسف الاستبداد.
كما تناقلت وسائل إعلام، في مايو الماضي، أخباراً عن زيارة للخرطوم أجراها "محمد دحلان"، القيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح" والذي يعمل مستشاراً أمنياً لدى ولي عهد أبوظبي، برفقة مسؤول إماراتي كبير، والتقى قيادات المجلس العسكري حينذاك.
وفي سياق متصل، كتب وزير الدولة للشؤون الخارجية في الإمارات، "أنور قرقاش"، تغريدة نشرها على "تويتر" في يونيو 2019، قال فيها: "إنه ما من شك في أن هذه فترة حساسة بعد سنوات من ديكتاتورية البشير والإخوان المسلمين".
زيارة "البرهان" للإمارات
كشفت العديد من المصادر الإخبارية، بأنه سبق وأن زار "البرهان"، في مايو 2019، العاصمة الإماراتية أبوظبي، بعد زيارة لمصر، التي يحكمها العسكر بقيادة "عبد الفتاح السيسي"، الذي تدعمه الإمارات والسعودية.
تلك الزيارة اعتبرها نشطاء ومعارضون بالسودان بداية لثورة مضادة تخطط لها أبوظبي في بلادهم، حيث قال أحد المغردين على "تويتر": "رئيس المجلس العسكري السوداني يتوجه إلى الإمارات في زيارة رسمية، وحميدتي بالسعودية، ثورة السودان تتحول سريعاً إلى ثورة مضادة للأسف الشديد".
ورأى البعض أنها محاولة من العسكر في السودان للاستقواء على الشعب الذي رفض أي تدخل خارجي، وتظاهر مرات في السودان رافعاً لافتات وشعارات تندد بالتدخل الإماراتي في السودان.
الإمارات وتجاهُلها للمدنيين
ذكرت مصادر إخبارية بأن ولي عهد أبو ظبي بعث في الـ6 من شهر سبتمبر الحالي تهنئة إلى "البرهان" بمناسبة تعيينه رئيساً للمجلس السيادي المتفق عليه في السودان، متجاهلاً تهنئة المدنيين الممثَّلين برئيس الحكومة "عبد الله حمدوك".
وحول هذا السياق، كشفت تلك المصادر الإخبارية، إن "بن زايد" أكد خلال اتصال هاتفي مع "البرهان"، وقوف الإمارات إلى جانب السودان والحفاظ على وحدته، مشيرة إلى أنهما بحثا في اتصال هاتفي، العلاقات الأخوية بين البلدين وإمكانية تنميتها في المجالات كافة، إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
الجدير بالذكر هنا أن ولي عهد أبو ظبي لم يسلم من هجوم شنه سياسيون وناشطون سودانيون عليه؛ إثر تجاهله رئيس الحكومة، وكتب الدكتور "أحمد مقلد" مؤسس تيار "السودان أولاً"، رداً على تغريدة "ابن زايد"، قائلاً: "تجاهلك لحكومة حمدوك المدنية في السودان، واستمرارك في دعم الشق العسكري في السودان ومحاولة شراء الجيش لن تجدي نفعاً".
وأضاف: "الشخص الأهم والحدث الأكبر هو حمدوك وليس البرهان، السودان مدني بقرار الشعب، ولن يصبح عسكرياً مرة أخرى باختيار الإمارات".
وقال آخر: "كفوا أيديكم عن الشعوب، دعوهم يعيشوا بسلام… لم تمتد أياديكم إلى بلد إلا وحل فيه الشقاء والدمار، وما حل ببلد من أمن وأمان وسكينة إلا وكانت أيديكم تعبث به وتريد زعزعته".
السيناريو المصري
يرى بعض المحللين، إن قادة الإمارات والسعودية ومصر يحاولون تعزيز نفوذهم في السودان بعد إزاحة "البشير" واعتقاله في 11 أبريل الماضي، بعد ثلاثة عقود من الحكم.
وحول هذا السياق، ذكر المحلل السياسي السوداني "مجدي الطيب"، إن التدخلات الإماراتية في بلاده، مستمرة منذ عهد "البشير" وحتى اليوم، مشيراً إلى أنه رغم رحيل "البشير"، إلا أنه جاء شخص آخر يُسعد "ابن زايد" ويحقق رغبته في التحكم بالسودان، واستدرك بالقول: "لكننا في السودان اكتسبنا دروساً من التجربة المصرية، خاصة فيما يتعلق بالتمسك بالسلمية منذ اللحظة الأولى، وصولاً إلى اختيار حكومة تمثل الشعب وتسحب الصلاحيات من يد العسكر".
وأوضح قائلاً: "نحن نختلف عن مصر، ونستطيع أن نقاوم بشكل مختلف ما تحيكه الإمارات أو السعودية لبلادنا، ونحن منظمون تحت مظلة قوى سياسية وتحالفات في مقدمتها الحرية والتغيير، في حين تلاشت الأحزاب الجديدة بمصر بسرعة، وأصبحت مصر اليوم تحت سيطرة الفرد الواحد، وهذا ما ساعد الإمارات على التحكم بالمشهد هناك".
ويتهم أبناء الشعب المصري، الإمارات والسعودية بدعم "السيسي" بشكل مباشر، لإسقاط حكم "الإخوان" في مصر، والانقلاب على الرئيس الراحل "محمد مرسي"، أول رئيس مدني منتخب ديمقراطياً في تاريخ البلاد، وتقديم مليارات الدولارات لتنفيذ مخططها الذي أنهى الديمقراطية في مصر.
حكومة مدنية تحكم السودان
إن الشعب السوداني يطالب بتشكيل حكومة مدنية لكي تحكم السودان وحول هذا السياق، يقول الناشط في الثورة السودانية "حسام فتاح"، إن التعاملات السرية بين الدول الخليجية وجنرالات السودان لن تؤثر فيما يحدث بالسودان، لكون الاحتجاجات في الشوارع، هي التي حددت المرحلة المقبلة، موضحاً أن الإمارات تطمح إلى تكرار التجربة المصرية، والقضاء على المدنيين.
وأكد "فتاح"، أن أبوظبي وشقيقتها الرياض وجدتا فرصة في تعزيز مصالحهما الاستراتيجية في القرن الإفريقي من خلال السودان، والاحتفاظ بقوات سودانية إلى جانبهما في الحرب باليمن.
وأشار إلى أن السودانيين، تنبهوا منذ اللحظة الأولى إلى التدخلات الإماراتية والسعودية، من خلال خروجهم بتظاهرات تندد بها، وتطالب بتسليم إدارة البلاد إلى حكومة مدنية، وهو ما حدث مؤخراً. وأضاف، قائلاً: "مسارعة الثوار خلال الأشهر الماضية إلى إعلان رفضهم التقارب المفاجئ بين المجلس العسكري الانتقالي والإمارات والسعودية، تنبع من تجارب الشعب السوداني مع هاتين الدولتين، لذلك على أبوظبي أن تعي أن الشارع هو من يحكم السودان وليس "البرهان" أو جنرالات الجيش الذين يطمحون إلى استخدامهم لمصلحتهم".
جدير بالذكر هنا أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي اتهموا السعودية والإمارات ومصر بالوقوف وراء أحداث فضّ اعتصام القيادة العامة، خاصة بعد زيارة قادة المجلس العسكري لتلك الدول قبل استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين.