الوقت- يتواصل تقدّم الجيش السوري في ريفي إدلب وحماة بعد النجاح الكبير الذي حققه الأسبوع الماضي في دخول خان شيخون بوصفها أكبر مدينة في ريف إدلب الجنوبي، ووفقاً لشبكة الجزيرة، فقد فرّ الإرهابيون من مدن وبلدات كفرزيتا، اللطامنة، الصياد، لطمين، اللحايا والبويضة في ريف حماه الشمالي، خوفاً من قطع الجيش السوري طرق إمدادهم ومحاصرتهم.
يذكر أن الجيش السوري قد خسر هذه المناطق في عام 2012، ولذلك فإنها المرة الأولى التي يستعيد فيها هذه المناطق منذ سبع سنوات.
وهذا يدل على أهمية هذه التطورات في استكمال عملية القضاء على الإرهاب في هذا البلد وإعادة سيطرة دمشق على جميع أراضيها المحتلة.
وفي أعقاب هذا التقدّم، حاصر الجيش السوري وفي حدث مهم جداً نقطة المراقبة التركية "الموقع 9" في قرية مورك في محافظة إدلب وريفها، باعتبارها واحدة من المواقع العسكرية التركية الـ 12، بحيث انقطع بالكامل طريق تواصله مع مركز إدلب وقيادة القوات التركية في هذه المدينة.
هذا الموضوع، إلى جانب حدث الأسبوع الماضي والمتمثل في بث لقطات فيديو لهجمات الطائرات العسكرية السورية بالقرب من مواقع القوافل والقوات العسكرية التركية، قد دفع المحللين إلى زيادة احتمال المواجهة المباشرة بين الجيش السوري والقوات التركية.
مع ذلك، فقد تجاهلت السلطات التركية هذه التحذيرات، ومن خلال نفي حصار الجيش السوري لموقعها، ذكرت أن الجيش التركي لن يترك مواقعه في إدلب.
وفي هذا الصدد، قال وزير الخارجية التركي "مولود جاويش أوغلو" من بيروت، إن بلاده ليست لديها نية لمغادرة الموقع، وإن "وجودنا في موقع المراقبة جاء لأننا نريد ذلك وليس لأننا غير قادرين على الانسحاب منه".
هذا في حين أنه ليس بالإمكان إرسال المعدات وتوفير الكهرباء والوقود والغذاء إلى القوات الموجودة في الموقع، ولذلك لن يكونوا قادرين على البقاء في هذا المكان لفترة طويلة، حتى من دون ردّ فعل الجيش السوري للسيطرة على المقر.
خيارات تركيا الصعبة
تركيا التي كانت تتنبأ في السابق حدوث مثل هذا الوضع المعقد، استخدمت كل أدواتها في الجولة الأخيرة من المفاوضات أستانا لمنع تقدم الجيش السوري، وحتى في الاتفاق النهائي تمكّنت من دفع الطرفين للقبول بوقف إطلاق النار، ولكن بعد عدم امتثال الإرهابيين، أعلن الجيش السوري عدم امتثاله بوقف إطلاق النار أيضاً.
لكن خيارات تركيا الآن ليست مواتيةً لأردوغان كثيراً، بحيث يجب عليه إما اختيار مجابهة القوات السورية أو التعامل مع موسكو وإيران للبحث عن طريق لخروج القوات المحاصرة دون مواجهة.
يبدو أن خيار تركيا سيكون الثاني على الرغم من نبرة وزير الخارجية التركي العالية، إذ أعلن الكرملين يوم الجمعة الماضي أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره التركي رجب طيب أردوغان قد اتفقا على "تفعيل الجهود الثنائية" لتهدئة الوضع في منطقة إدلب السورية.
كذلك وفقاً لتقارير وسائل الإعلام، سيسافر أردوغان إلى موسكو يوم الثلاثاء المقبل لإجراء محادثات مع بوتين مباشرةً، وذلك قبل قمة الشهر المقبل في سوتشي.
لقد أبدت روسيا دعمها الكامل لعملية إدلب في الأشهر الأخيرة، وخاصةً بعد استهداف القاعدة الجوية الروسية في حميميم بواسطة طائرات جبهة النصرة من دون طيار، الأمر الذي يدل على حصولهم على معدات متطورة خلال وقف إطلاق النار الفاشل الذي أقره اتفاق سبتمبر 2018 بين أردوغان وبوتين.
حتى إن صحيفة "العربي اليوم" الإخبارية قد ذكرت في تقريرها أنه في حادثة الأسبوع الماضي المتمثلة في استهداف الجيش السوري للرتل العسكري التركي، لم تسمح المقاتلات الروسية للطائرات التركية التي انطلقت لدعمهم بالتدخل.
وعلى هذا الأساس يمكن التنبؤ بأن تسفر المحادثات بين المسؤولين الأتراك والروس عن السماح للقوات التركية بمغادرة بلدة مورك نحو المناطق الشمالية وأحد حواجزهم للمراقبة في محافظة إدلب، وهكذا ستضاف محافظة حماة إلى قائمة المحافظات التي استعادتها الحكومة السورية بشكل كامل، وستتخلص من الجماعات الإرهابية.
فرصة الانتصار الذهبية
لقد كانت الحكومة السورية عاقدةً العزم على تحرير محافظة إدلب منذ منتصف العام الماضي، لكن هذا الأمر لم يتحقق على الأرض بسبب معارضة الروس والأتراك، لأعذار مثل خلق موجة جديدة من اللاجئين في المنطقة.
أما الآن فإن غارات الجيش السوري على مواقع الإرهابيين في مدينة معرة النعمان على بعد 25 كيلومتراً من خان شيخون، تشير إلى أن دمشق لن تتوقف بعد تحرير خان شيخون وستواصل جهودها لتحرير إدلب وريفها بالكامل.
تعتبر السيطرة على هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية، لأن الطريق الدولي الذي يمرّ عبر خان شيخون هو شريان حيوي يربط أهم مدن سوريا ببعضها البعض، بحيث إنه يربط حلب في الشمال بحماة وحمص، تليهما دمشق ثم معبر نصيب الحدودي مع الأردن.
الجماعات الإرهابية الآن تعيش وضعاً هشّاً ومتراجعاً للغاية، لذلك فإن تركيا مصممة على اتباع سياسة شراء الوقت لإعادة بناء هذه الجماعات في المفاوضات السياسية مع الروس.
ولا شك أن دمشق لن تفوت هذه الفرصة الذهبية، بالنظر إلى عدم موثوقية تركيا في الوفاء بوعودها وبعد أن أصبح الجيش السوري هو الذي يحدد المعادلات على الأرض.