الوقت- وصل وزير الخارجية الألماني، "هايكو ماس" إلى طهران صباح يوم أمس الاثنين في زيارة تستغرق يوماً واحداً عقب قيامه بزيارات مماثلة لكلٍّ من العراق والإمارات، حيث سيلتقي وزير الخارجية "محمد جواد ظريف"، والرئيس الإيراني حسن روحاني وتأتي زيارة "ماس" إلى طهران في إطار جهود أوروبية مكثّفة للحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني مع القوى العالمية ومن المنتظر أن يبحث ماس مع المسؤولين الإيرانيين أحدث المستجدات بشأن الاتفاق النووي وآلي ة"إنستكس". واستقبل سفير ألمانيا لدى طهران الوزير "ماس" أثناء وصوله إلى مطار العاصمة طهران ومن المقرر أن يجتمع "بير فيشر"، رئيس "إنستكس" الألماني الذي يرافق "ماس" خلال هذه الزيارة مع نظرائه الإيرانيين وعدد من المسؤولين المحليين وقبل وصوله إلى العاصمة الإيرانية طهران، قال وزير الخارجية الألماني خلال مؤتمر صحفي، إن موقف أوروبا من الاتفاق النووي هو دعم هذا الاتفاق والحفاظ عليه ولكن لا يمكن توقّع صنع المعجزة من أوروبا في هذا الخصوص واعتبر وزير الخارجية الألماني "هايكو ماس" أن تصعيد التوترات في المنطقة لا يصبّ في مصلحة أحد.
وفي الساق ذاته، قال "ماس"، في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الإيراني "محمد جواد ظريف" خلال زيارته لطهران ضمن جولته في عدد من بلدان المنطقة، إن الدخول في حوار وتبادل وجهات النظر يعدّ ضرورياً للغاية خلال الظروف الحالية.
وأشار إلى جولته في المنطقة، موضحاً: أنه لاحظ خلال لقاءاته في المنطقة بأن لا أحد يريد تصعيد التوتر في المنطقة وحمل رسالة إلى إيران من المنطقة حول هذا الموضوع.
ولفت إلى الاتفاق النووي، مبيناً أن محادثات مركّزة قد أجريت حول هذا الموضوع وأسلوب استمرار الاتفاق وأن مواقف البلدان الأوروبية الثلاثة "المانيا بريطانيا وفرنسا" تتمثل بدعم الاتفاق النووي ونحن لا نستطيع تحقيق معجزة لكننا نسعى للحفاظ عليه. وأشار إلى التطورات الحاليّة في سوريا واليمن، موضحاً، أن بلاده تعتقد أنه بالإمكان إيجاد حلول لهذه المشكلات عبر الأمم المتحدة وأن إيقاف الصدامات العسكرية يصبّ في سياق مصالحنا والمنطقة.
فكّ رموز مهمة "هايكو ماس" المتعلقة بقضية الاتفاق النووي
يعدّ "هايكو ماس" أول مسؤول ألماني رفيع المستوى يسافر إلى إيران منذ انسحاب أمريكا العام الماضي من الاتفاق النووي وبعد إعلان الرئيس الإيراني بأن طهران سوف تقلّل من تعهداتها المتعلقة بالاتفاق النووي مع الدول المتبقية في ذلك الاتفاق، ونتيجة لما تتعرّض له طهران من عقوبات قاسية وظالمة، بدأت الدول الأوروبية وحتى واشتطن بالاعتقاد بأن طهران تنوي الانسحاب أيضاً من ذلك الاتفاق النووي ومن هذا المنطلق يمكن مشاهدة نتائج زيارة وزير الخارجية الألماني إلى طهران من زاويتين مختلفتين:
أولاً: أطلق وزير الخارجية الألماني العديد من العبارات الجميلة والمنمّقة وذلك لكي يعرب لقادة طهران بأن الدول الأوروبية لا تزال ملتزمة بالاتفاق النووي.
وعلى نفس المنوال، شهدنا تصريحات "هايكو ماس" لنظيره الإيراني، "محمد جواد ظريف"، والتي أعرب فيها قائلاً: "إن الدول الأوروبية الثلاث تدعو إلى الاستمرار في الاتفاق النووي وستعمل على الوفاء بالتزاماتها، لكن لا يمكننا صُنع المعجزات". إن تصريحات "ماس" هذه يمكن أن تبرّر جميع أعذار الدول الأوروبية الفارغة بالوفاء بالتزاماتها تجاه الاتفاق النووي، والتي يسعون من خلالها لإقناع الإيرانيين بأنهم يستطيعون الالتزام والبقاء في الاتفاق النووي، وأن طهران لا تحتاج إلى اتخاذ مسار معاكس قد يجبرهم على الانسحاب من ذلك الاتفاق النووي.
ثانياً، يمكن رؤية البعد الثاني لمهمة زيارة "ماس" إلى طهران تتبلور في ربط الوعود الواعدة لطهران بالتزام الدول الأوروبية بجهودها لإنشاء النظام المالي "اينستكس" وعلى نفس المنوال، وخلال زيارة وزير الخارجية الألماني، شاهدنا المدير الألماني المسؤول عن الآلية المالية "اينستكس" يرافقه في هذه الزيارة في محاولة لإيصال رسالة إلى القادة الايرانيين مفادها أن الدول الاوروبية ملتزمة بتنفيذ هذا النظام المالي.
يذكر أن "ماس" قال في مؤتمر صحفي في طهران: "نحن نحاول إجراء وتنفيذ الآلية المالية اينستكس"، وهنا يمكن القول بأن زيارة وزير الخارجية الألماني إلى طهران تضمّنت مزيجاً من التصريحات المتكررة الأوروبية السابقة حول عجز القادة الأوروبيين عن مواجهة العقوبات الأمريكية وفي الوقت نفسه محاولة لإقناع طهران بأنهم يقومون بمحاولات جادّة لتحييد وخفض بعض آثار العقوبات المفروضة عليها من قبل أمريكا.
أوروبا.. لا تزال تقبع تحت وطأة الهيمنة الأمريكية
يمكن القول هنا بأن إنجازات زيارة "ماس" إلى طهران ضئيلة للغاية، بل مخيبة للآمال بالنسبة لأوروبا وذلك لأن الحقيقة هي أنه في ظل الضغوط غير المبررة، والعقوبات الأمريكية الأحادية الجانب التي فرضتها على إيران، كانت ردود الفعل الأوروبية في الدفاع عن الاتفاق النووي ضعيفة جداً، ولم تبذل أي جهد يُذكر للوفاء بوعودها تجاه طهران ووفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، فلقد بلغ إنتاج اليورانيوم منخفض التخصيب في إيران حوالي 12 كيلو جراماً في الشهر، أي ثلاثة إلى أربعة أضعاف ما كان عليه في الأشهر السابقة وهذا الرقم يؤكد قرب موعد وفاة الاتفاق النووي أكثر من أي وقت مضى، ويمكن القول هنا أيضاً بأن أوروبا ليس لديها نيّة جادة بالحفاظ على التزامها بإقامة قناة مالية مع إيران، في الواقع لقد أطلق القادة السياسيون الأوروبيون أجمل المفردات الكلامية في تصريحاتهم لدعم الاتفاق النووي، ولكن في مجال المعادلات الميدانية والموضوعية، حتى الآن لم يُتخذ أي إجراء جادّ من قبل أولئك القادة الأوروبيين.