الوقت- تلفظ المجموعات المسلحة أنفاسها الأخيرة في الغوطة الشرقية، وبدأت تنهار بشكل متسارع وتخسر مناطق شاسعة كانت تسيطر عليها منذ عدة سنوات، لتعود هذه المناطق تدريجياً إلى كنف الدولة السورية التي لم تدخر جهداً في قطع كل السبل الممكنة لحفاظ المسلحين على مناطقهم.
النتائج الأخيرة للمعارك في الغوطة بالإضافة للخرائط المنتشرة على مواقع المعارضة المسلحة تظهر حجم الخسارة التي تكبدها المسلحون خلال الأسبوعين الماضيين لتصل إلى فقدانهم أكثر من 60% من مساحة المناطق التي كانوا يسيطرون عليها في الغوطة الشرقية، واليوم الغوطة الشرقية أصبحت غوطتين "جنوبية وشمالية" بعد أن تمكن الجيش السوري من شق الجيب المحاصر إلى نصفين بعد السيطرة على بلدة بيت سوى ومحاصرة الأراضي الزراعية وصولاً إلى أطراف مديرا وحمورية، فضلاً عن استكمال الطوق على منطقة حرستا وعزلها بالكامل عن منطقة دوما وبقية مناطق الغوطة الشرقية.
الأبعاد والدلالات
لا نبالغ إذا قلنا بأن مسلحي الغوطة الشرقية أرهقوا العاصمة السورية دمشق وسكانها البالغ عددهم "5 ملايين شخص" بالقذائف اليومية التي كانت تستهدف السكان المدنيين وتحصد أرواحهم بهدف الضغط على الحكومة السورية؛ قذائف هاون أمطرت دمشق على مدى السنوات الماضية، وقد تناسبت هذه القذائف طرداً مع مدى الضغط الذي يتعرض له المسلحون أو الأوامر التي يتلقونها من داعميهم في الدول الخليجية وتركيا وأمريكا، وبالتالي لم يبقَ أمام الحكومة السورية سوى الانتفاض في وجه المسلحين لحماية العاصمة من قذائفهم المميتة.
في الوقت الحالي الخسارة التي تعرّض لها المسلحون هناك كبيرة جداً وقصمت ظهرهم من المنتصف، وبالتالي لا بدّ لنا من البحث عن نتائج هذه الخسارة عليهم وعلى داعميهم، وفي مقابل ذلك نتساءل عن الإيجابيات التي يحصل عليها الجيش السوري من إعادة السيطرة على الغوطة الشرقية ومدى تأثير ذلك على الداخل والعاصمة والمعادلات الإقليمية والدولية؟!.
أهمية الغوطة الشرقية بالنسبة للدولة السورية
أولاً: بحكم قرب الغوطة الشرقية من العاصمة دمشق، فإنها تشكل خاصرة رخوة للعاصمة، خاصةً أن المسلحين يمطرون العاصمة بين الفينة والأخرى بعشرات قذائف الهاون، والتي كان آخرها يوم أمس الاثنين 12 مارس/آذار، حيث أطلق المسلحون 30 قذيفة نحو المناطق السكنية في دمشق وضواحيها خلال 24 ساعة، ما أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 22 آخرين بجروح، بحسب ما أعلن رئيس مركز المصالحة الروسي، الجنرال يوري يفتوشينكو.
وبسب تكرار هذه الحالة كان لابدّ من العمل قدر المستطاع على تأمين العاصمة وسكانها من خطر هذه القذائف عليهم، وذلك لا يتحقق إلا بإعادة السيطرة على الغوطة الشرقية.
ثانياً: كما أن إشرافها على الطريق الرئيس الواصل بين دمشق وحمص يعطيها أهمية كبيرة، وبالتالي شكل ذلك ضغطاً كبيراً على المناطق التي تسيطر عليها الحكومة في الجنوب.
ثالثاً: من الأبعاد التكتيكية الأخرى لأهمية الغوطة الشرقية سيطرة المسلحين على الطريق الممتد من دمشق إلى معبر التنف الذي تسيطر عليه حالياً القوات الأمريكية.
رابعاً: تعرف الغوطة بأنها "سلة دمشق الغذائية"، حيث تتربع الغوطة على مساحات زراعية واسعة ذات تربة خصبة تؤمن للعاصمة دمشق أغلب حاجاتها الغذائية من خضار وفواكه.
أهمية الغوطة للمسلحين وداعميهم
أولاً: في بداية الأزمة السورية، كانت إحدى أهم سياسات الحكومات الغربية هي الاستيلاء على العاصمة، وبحكم التصاق الغوطة الشرقية بالعاصمة السورية، أصبحت هذه المنطقة وجهة لكل من يرغب بإسقاط النظام السوري، وعلى إثر ذلك بدأ هؤلاء بدعم المعارضة المسلحة ومدها بالمال والسلاح لإسقاط النظام، ومع الاستيلاء على بعض الأجزاء الشرقية والغربية من سوريا، سعت الدول الداعمة للمسلحين إلى زيادة ضخ المال والسلاح لإرهاق الجيش السوري ودفعه للاستسلام.
لكن هذا الخيار وهذه الخطة لم تنجح، فعوضاً عن استسلام الجيش حرر كامل المناطق الغربية المجاورة لدمشق، لذلك تم دفع المسلحين من جديد للنشاط في المناطق الشرقية لخلق ضغط جديد وتأزّم الأمور من جديد.
ثانياً: وفي محاولة لخلق توازن مع الجيش السوري وتقدمه المستمر دعموا المسلحين في الغوطة الشرقية لتستمر في تهديدها للدولة السورية، بسبب عجزهم عن مواجهة الجيش السوري بشكل مباشر، ولم يكن أمامهم سوى قصف العاصمة بين الحين والآخر والاحتماء بالمدنيين واستخدامهم دروعاً بشرية لمنع الجيش السوري من الهجوم على الغوطة من جهة والضغط على الحكومة من جهة أخرى.
ثالثاً: الغوطة الشرقية تشكل أكبر تهديد لسكان العاصمة والحكومة السورية، وتعتبر ورقة ضغط كبيرة يتم استخدامها قبل أي مفاوضات أو محادثات خارج البلاد، وبالتالي كان لابد من دعم المسلحين فيها من قبل عدة دول على رأسها "تركيا والسعودية"، ففي حال سيطر الجيش السوري عليها وهذا ما يحدث حالياً سيصبح تأثير هذه الدول ضعيفاً في الداخل والخارج، وهذا بدوره سيؤثر حتماً على أي مفاوضات قادمة. وأخيراً.. مع كل الدعم المقدم للمسلحين لا يبدو أنهم قادرون على الصمود كثيراً والنتائج القادمة من الميدان هناك توضح ما نقول.