الوقت - لا تكفُّ الولايات المتحدة الأمريكية عن تهديد الدول الراغبة بشراء منظومة إس-400 المتطورة المضادة للطائرات والصواريخ والمجمعات، ولا سيما حلفاؤها الراغبون باقتناء هذه المنظومة والتي تتفوق على نظيرتها الأمريكية "باتريوت"، حيث تسعى واشنطن من خلال تلك التهديدات إلى إجبار الدول على شراء منظومات الدفاع الجوي التي تنتجها، ويأتي هذا في إطار التنافس بين واشنطن التي تحتل المركز الأول في تصدير السلاح ومنافستها موسكو التي تحتل المركز الثاني.
التفاوض من موقع قوّة
في الوقت الذي حذّرت فيه واشنطن حلفاءها من مغبّة اقتناء منظومة"إس-400" الروسية، لكن وعلى عكس جميع الحلفاء؛ لم يضع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان كل بيضه في سلّةٍ واحدة، حيث حافظ على علاقات متوازنة مع العدوين (أمريكا وروسيا) بالإضافة لكون أغلب أسلحة الجيش التركي من مصدر أمريكي؛ إلّا أنّ –أردوغان- ومن خلال صفقة الـ "إس-400" قلب كل الموازين، لتبدأ بعدها واشنطن تارة بالترغيب وأخرى بالترهيب في محاولة ثني أنقرة عن شراء هذه المنظومة.
وفي محاولة من أنقرة للموازنة بين موسكو وواشنطن؛ ألمح وزير الخارجية التركي إلى أن أنقرة سوف تتخلى عن المنظومة الروسية في حال لم تُشارك أنقرة في صناعتها، وفي كلا الحالتين -الموافقة أو الرفض- فإنّ أنقرة لن تكون خاسرة، ففي حال قبلت موسكو فإنّ أنقرة وفي مرحلة لاحقة ستتمكن من توطين إنتاج هذا النوع من الأسلحة وهو يوازي الإغراءات الأمريكية وربما يزيد عنها، وفي حال رفض موسكو الطلب التركي؛ فبإمكان أنقرة العودة إلى المنظومة الأمريكية بجميع إغراءاتها، بالإضافة لإمكانية مطالبة أنقرة بتنازلات سياسية حقيقية من الولايات المتحدة بما في ذلك انسحاب التشكيلات الكردية من مناطق معينة.
ترغيب وترهيب
تركيا التي تحاول ومنذ مدّة ليست بالقصيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي؛ غير أنّ الفشل لازم كلّ مساعيها في الانضمام، وهو الأمر الذي أجبر ساسة أنقرة البحث عن حلفاءٍ جدد، الأمر الذي وضعها على مفترق طرق يشمل الأول أمريكا والغرب أما الثاني يشمل روسيا وإيران، وتبدو أنقرة اليوم أكثر حيرة في الاختيار بين الطريقين، لكن وفي حال استمرار الحال على ما هو عليه يؤكد مراقبون أنّ تركيا لن تتراجع عن صفقاتها مع موسكو، وذلك نظراً لأهمية العلاقات مع روسيا اقتصادياً عسكرياً وأمنياً، حيث من المتوقع أن تصبح الحركة التجارية مع كل من روسيا وإيران تمثل ثلثي التجارة الخارجية التركية.
الحلف التركي - الروسي وكما يؤكد الخبراء لن يلقى قبول ورضى واشنطن، حيث من المتوقع أن تبدأ الأخيرة بسلسة من الترغيب والترهيب في محاولة منها لثني أنقرة عن إنجاز صفقة الأسلحة مقابل امتلاكها منظومة "ثاد" وطائرات "اف 35" الأمريكية.
وفي هذا السياق يرى الخبير في مركز الأبحاث العسكرية السياسية بمعهد موسكو الحكومي للعلاقات الدولية "ميخائيل ألكسندروف" أنه لم يعد بإمكان الأمريكيين ليّ ذراع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ويذهب خبراء إلى أنّ الرئيس التركي بات يمتلك عدّة أوراق للعب بها مقابل الهجوم الأمريكي، فبالإضافة لصفقة الصواريخ هذه، تبقى مسألة الأكراد في سوريا محلّ قلقٍ بالنسبة لواشنطن، خصوصاً بعد التوافقات الكبيرة بين موسكو وأنقرة
تهديد الحلفاء
ما إن تُبدي إحدى الدول المتحالفة مع واشنطن أو التي تدور في فلكها رغبتها باقتناء المنظومة الروسية، حتى تبدأ واشنطن مساعي إفشال هذه الصفقة، ولعلّ أكثر ما يثير حفيظة واشنطن أنّ حلفاءها هم من يريدون شراء المنظومة الروسية، حيث يؤكد الأمريكيون دوماً أهمية الحفاظ على "التوافق التشغيلي" لأنظمة الحلفاء مع أنظمة أسلحة الولايات المتحدة والدول الأخرى في المنطقة، وذلك من خلال تنفيذ صفقات عسكرية كبيرة خاصة بشراء الأسلحة، لأن ذلك ضروري لمواجهة التهديدات المشتركة.
وقبل أيامٍ قليلة حذّرت الولايات المتحدة، العراق والدول الأخرى، من مغبّة إقدام بغداد على شراء منظومة الدفاع الجوي "إس-400" من روسيا، حيث قالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، "هايزر نويرت" إن واشنطن تحذّر بغداد والدول الأخرى من عواقب محتملة تتعلق بقانون مكافحة أعداء الولايات المتحدة من خلال العقوبات.
ولعلّ في محاولة السعودية امتلاك هذه المنظمة أكبر دليل على الفزع الأمريكي من سعي أقرب حلفائها في الشرق الأوسط إلى شراء هذه المنظومة من أكبر منافسي واشنطن في سوق الأسلحة والنفوذ العالمي، خصوصاً بعد أنّ أقرّت روسيا مجموعة من العقود لتوريد أسلحة ومعدات روسية للرياض بما يقرب من 3 مليارات دولار، غير أنّ خبراء استراتيجيين أكدوا أنّ الرياض (عاجلاً أو آجلاً) ستقوم بالتنصل من الصفقة مع روسيا، حيث إنّ القرار السعودي مرتبط وبشكلٍ كامل ما يُقرره سيّد البيت الأبيض.
ويذهب خبراء إلى أن التهديدات الأمريكية لحلفائها من مغبّة شراء الأسلحة الروسية ناتجة عن الخشية من دخول روسيا على خط بيع الأسلحة لحلفاء واشنطن التقليديين، ولا سيما تركيا التي تشترك معها في حلف الناتو، وبالإضافة لما سبق؛ فإنّ تجارة السلاح الأمريكية تعدُّ عِماد الاقتصاد الأمريكي، حيث تدرُّ هذه التجارة المليارات على الخزانة الأمريكية.
تجدر الإشارة إلى أنّ من بين الدول المرشحة لشراء منظومة الدفاع الجوي "إس-400" هي العراق ومصر وسوريا والسودان، والتي قد تتعرض جميعها لقانون "مكافحة أعداء أمريكا"، ويُعاقب هذا القانون الذي أقرَّ داخلياً كل من يعقد اتفاقيات مع "الدول المُعادية" لأمريكا، وقانون مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات هو قانون اتحادي للولايات المتحدة التي فرضت عقوبات على إيران وكوريا الشمالية وروسيا، وقد تم إقرار مشروع القانون في مجلس الشيوخ الأمريكي في 2 أغسطس العام الماضي.