الوقت - شعبية الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون على المحك، ولا يمكن تجاهل هذا الأمر أو عدم أخذه على محمل الجد نظرا للتغير الذي طرأ على سياسة ماكرون بعد تسلمه مفاتيح قصر الإليزيه، فالرئيس الفرنسي الشاب الذي كان على الأقل يملك شعبية كبيرة لدى فئة الشباب بدأت هذه الشعبية تذهب أدراج الرياح لأسباب داخلية على رأسها الأوضاع الاقتصادية وأسباب خارجية تتعلق بتهديد فرنسا لبعض الدول ومشاركتها في حملات عسكرية كان قد وعد ماكرون أنه بمنأى عنها.
إذاً لم يستطع الرئيس الفرنسي ماكرون أن يوفي بوعوده التي قطعها على شعبه في الملفات الداخلية والخارجية، ما أدى إلى تراجع شعبيته بشكل كبير مع رئيس حكومته إدوارد فيليب، وفقا لأحدث استطلاعات الرأي، وآخرها ما نشرته صحيفة "لوجورنال دى ديمانش" الفرنسية.
وأظهر الاستطلاع الذي أعلنت نتائجه يوم الأحد 18 فبراير تراجع معدل الموافقة على أداء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لأقل من 44 في المئة لأدنى مستوى لها منذ أكتوبر/تشرين الأول، من العام الماضي وذلك في الوقت الذي تمضي فيه الحكومة قدما في خطط تعديل الجهاز الحكومي بفرنسا، ولم يسلم رئيس حكومته إدوارد فيليب، من هذا الهبوط، فهوت شعبيته من 49% إلى 46%.
أسباب تراجع شعبية الرئيس
أسباب داخلية:
تتمثل الأسباب الداخلية بمجموعة من الخطط التي يقوم بها ماكرون فيما يتعلق بطرحه برنامجاً لتحديث الإدارة العامة في فرنسا والذي يتخوف الكثيرون من نتائجه على صعيد تأثيره على العاملين. وأعلنت الحكومة خططا في أوائل فبراير لتحديث الإدارة العامة في بلد فيه أحد أعلى معدلات الإنفاق العام في العالم. وقال رئيس الوزراء الفرنسي إدوارد فيليب إنه ليس لدى الحكومة أي هواجس بشأن إجراء تغييرات في القطاع العام حتى إذا واجهت مقاومة.
ويطلق حاليا على ماكرون لقب "رئيس الأغنياء" نظرا لاحداث تغييرات على قانون العمل الذي يهدد شريحة واسعة من الشباب الفرنسي بالبطالة التي وعد ماكرون بتخفيضها إلى 7.0 % في نهاية العام 2022 ولكن لم تظهر أي بوادر حكومية في هذا الشأن حتى اللحظة.
وحاليا يمكن القول بأن القدرة الشرائية تراجعت كثيرا في فرنسا ما أثر على شعبية الرئيس، وهو ما يفسره فريديريك دابى، المسؤول في معهد إيفوب، قائلا: "رهان القدرة الشرائية تزداد أهميته، وإن هناك تأثيرا مخيبا للآمال بسبب التناقض الشاسع بين خطاب ماكرون ووعوده بزيادة القدرة الشرائية وبين التأثيرات الحقيقية لسياسته"، ويضيف دابى أنه بدأ يلمس الانتقادات الأولى حول التغيير الحقيقي للبلد، كما لو أن "الرأي العام، الذي كان متسامحا مع ماكرون وسياساته، ثم بدأ يتسرب إليه شك حقيقي".
وما يخيف فعليا أن يبدأ المجتمع الفرنسي بحراك شعبي ضد سياسة ماكرون وتعديلاته الجذرية للقوانين التي ستنعكس سلبا على الشعب ومعيشته، وقد يبدأ هذا الحراك من قلب "الشركة الوطنية للسكك الحديدية" التي تسعى الحكومة لخصخصتها، ولم يتردد أمينها العام، فيليب مارتينيز، من الآن، في الإعلان عن تظاهرة كبرى في 22 مارس، مهددا بأنه في حال الإضراب فلن "يتحرك قطار، ولن يستطيع أحد الحركة"، في إشارة تهديدية إلى إضراب 1955 ضد إصلاح رئيس وزراء فرنسا الأسبق، آلان جوبيه، للتقاعد.
ولا تقتصر المشاكل في فرنسا على الأمور السياسية والاقتصادية بل تتعداها إلى فضائح جنسية تتعلق بأشخاص مقربين من الرئيس الفرنسي، وهذا ليس بالأمر الجيد لرئيس تولى منصبه قبل عدة أشهر فضلا عن كونه يحاول إظهار نفسه بأنه المنقذ الجديد للأمة الفرنسية، آخر هذه الفضائح تم توجيهها لوزير الحسابات العامة، جيرالد دارمانان، باغتصاب سيدة قبل بضع سنوات، وذلك بعد اتهام مشابه لأحد كبار الوزراء نيكولا هيلو، وزير البيئة، وكان من المفترض إحالة هؤلاء الوزراء إلى القضاء الفرنسي وإعفائهم لكن حتى اللحظة لم يحدث ذلك، علما أن الرئيس إيمانويل ماكرون شدد علی أن المساواة بين الرجل والمرأة تمثل "القضية الكبرى" لفترته الرئاسية.
الأسباب الخارجية
السياسة الخارجية للرئيس الفرنسي ليست أقل تأثيرا من السياسة الداخلية له في انخفاض شعبيته، خاصة أن ماكرون أظهر للعالم اجمع بأنه صاحب قرار مستقل وسياسة مستقلة لا تتدخل في شؤون الدول، ولكن اليوم لا نرى ذلك في التصريحات التي يلقيها ماكرون بشأن سوريا وايران.
واليوم نجد فرنسا تتبع سياسة الولايات المتحدة الأمريكية في كل شيء وكأنها تابعة لها وتوافقها جميع الآراء علما أن ماكرون تحدث في فترته الانتخابية عن القرار المستقل لفرنسا في كل الملفات، واليوم يتزايد انفاقها العسكري بعد اتخاذها قراراً بمهاجمة الجهاديين في الشرق الأوسط وافريقيا وهذا الأمر ينعكس على الداخل الفرنسي والاقتصاد بشكل مباشر.
ختاماً، على ما يبدو ان نقص الخبرة السياسية للرئيس الفرنسي ماكرون، تبتعد به عن متطلبات شعبه وحاجاته الحقيقية وتجعله ينصاع لدول كبرى، وهذا الكلام لا يليق بفرنسا وتاريخها وحضورها العالمي، والتغيير الجذري الذي يحاول ماكرون القيام به حاليا سيشكل خطراً كبيراً على بنية المجتمع الفرنسي في حال الاستمرار بهذا النهج، وقد تصل به الأمور إلى أماكن مشابهة لسلفه فرانسوا هولاند من حيث الشعبية.