الوقت- في الوقت الذي يشهد فيه الأمن العالمي العديد من التوترات الإقليمية وفي مختلف أنحاء العالم، كجنوب شرق آسيا وأوروبا الشرقية والشرق الأوسط، غير أنّ التهديد الأكبر والذي يظهر إلى العلن أكثر من أيِّ وقتٍ مضى هو التهديد النووي، وهو ما يمكن مشاهدته في قرارات البيت الأبيض واستراتيجيتها النووية التي أعلن عنها مؤخراً، حيث أعلنت واشنطن مؤخراً عن خططٍ لتحديث غواصاتها النووية بقنابل نووية أصغر حجماً، حيث أعلنت وزارة الدفاع الامريكية/ البنتاغون عن أنّ هذه القنابل الصغيرة ستُخصص لمواجهة التهديدات الروسية، كما سيكون لها تأثير رادع.
القنابل الصغيرة والعقيدة الجديدة للأمن الأمريكي
العقيدة الحربية الجديدة للبنتاغون والتي نُشرت يوم الجمعة الماضية 2 شباط/ فبراير، والخاصة بـ "الوضع النووي" قالت فيه إنه وعلى الرغم من أن القنابل الصغيرة لها قدرة تدميريّة أقل غير أنّها تتمتع بقوة ردع أكبر، وذكر التقرير الذي جاء بـ 70 صفحة أن الترسانة النووية الأمريكية لن تتوسع ولكنها ستستخدم الرؤوس النووية في حالات جديدة.
ويوم الجمعة أيضاً؛ قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: "إن الاستراتيجية الجديدة ستُقلل من إمكانية استخدام الأسلحة النووية، كما أنها ستزيد من قوة الردع ضد الهجمات التي من الممكن أن تستهدف الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها.
ماذا تُريد أمريكا من القنابل النووية الصغيرة؟
العقيدة الجديدة للبنتاغون والتي تؤكد على استخدام القنابل النووية الصغيرة تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك نيّة واشنطن باستخدام القنابل النووية حتى تلك التي توصف بـ "صغيرة الحجم"، وبحسب الخبراء فإن القنابل النووية الصغيرة لديها قدرة تدميرية تقارب 20 طن من الـ تي ان ته، كما ويمكن أن حملها بسهولة في الطائرات الحربية.
وفي الوقت الحالي وكما يؤكد الخبراء أنّ أمريكا تمتلك قنابل نووية كبيرة ومدمرة جداً، ولكن احتمال استخدام هذه القنابل قليل جداً من جهة، ومن جهةٍ أخرى فإنّ القنابل النووية التقليدية والتي استخدمتها أمريكا سابقاً في ساحات المعارك لها قدرة ردع كبيرة.
وعلى هذا الأساس يؤكد الخبراء أنّ القنابل النووية الصغيرة ستكون أكثر قابلية للاستخدام بالنسبة للأمريكيين، ويرى الخبراء أنّ واشنطن التي استخدمت القنابل النووية نهاية الحرب العالمية الثانية أثناء تفجير هيروشيما وناكازاكي؛ فإنها اليوم تُحاول نشر القنابل الصغيرة الأمر الذي ترى فيه تعزيزاً لقدرتها على الردع؛ وذلك من خلال زيادة احتمالية استخدام هذا النوع من القنبلة النووية.
القنابل النووية الصغيرة.. والمواجهة بين موسكو وواشنطن
ويرى مراقبون أنّ إعلان السلطات الأمريكية عن القنابل النووية الصغيرة العقيدة الحربية الجديدة للبنتاغون؛ يأتي مع التأكيد على خطر روسيا على أمريكا، وتذكر العقيدة العسكرية الأمريكية الجديدة وبصراحة أن هذه الاستراتيجية "ستضمن أن تفهم روسيا أن أي استخدام للأسلحة النووية أمر غير مقبول"، وبناء على ذلك، فإن أهم أهداف واشنطن من الإعلان عن تطوير وتوسيع استخدام القنابل النووية الصغيرة هو مواجهة الروس.
إدارة ترامب ونهجها العدائي
ومن ناحية أخرى، فإن إعلان البنتاغون عن القنابل صغيرة الحجم يأتي في الوقت الذي تقترب فيه الولايات المتحدة من الانتخابات نص الفصلية والتي ستُعقد خلال العام 2018، حيث أنّه من المفترض أن تُحدد هذه الانتخابات مصير المقاعد الشاغرة الموجودة في مجلس الشيوخ والنواب، ولكن أكثر أهمية بالنسبة لإدارة ترامب هو الكونجرس الأمريكي، الأمر الذي سيُحدد مصير حكومة ترامب خلال هذه الانتخابات.
أكثر من ذلك فإنّ نتائج هذه الانتخابات ستنعكس ليس فقط على السنوات المقبلة لرئاسة ترامب، بل تتعداها إلى تشكيل المنظور السياسي الأمريكي في السنوات المقبلة، ولهذا هو السبب فإنّ كلّاً من ترامب والحزب الجمهوري لديهم الكثير من الأمل في أن تُسهم هذه الانتخابات بتقوية ودعم مواقفهم.
وما من شك في أن القسم من نجاح ترامب في الانتخابات أتى نتيجة تصريحاته اليمينيّة، ويسعى ترامب اليوم لاتباع نهج شديد العدوانية في انتخابات منتصف وذلك بهدف إظهار سياسته الخارجية على أنّها نشطة، مع التأكيد على النهج العدواني، ويؤكد الخبراء على أنّ وضع استراتيجية أمريكية للأمن النووي خلال مدى الشهرين الماضيين استند إلى نهج عدواني للغاية بهدف خدمة الغايات الانتخابية لحكومة ترامب التي تعرضت خلال العام الماضي لانتقادات شديدة.
وأخيراً يمكن القول إن تركيز واشنطن على تطوير القنابل النووية صغيرة الحجم، بالإضافة للضغط المُمارس على البلدان الأخرى للانضمام إلى اتفاقات عدم الانتشار النووي، يعكس النهج الأمريكي المزدوج والكيل بمكيالين والخاص بتطبيق المعايير العالمية لانتشار لأسلحة النووية، حيث أنّه من المتوقع أن تُشكل الاستراتيجية الأمريكية الجديدة مجالاً جديداً لسباق التسلح النووي الأمر الذي سيوسع أيضاً حجم التنافس بين القوى الكبرى وتأثيرها على علاقات البلدان الصغيرة، بما في ذلك الهند وباكستان، الأمر الذي من شأنه أنّ يُهدد أمن واستقرار العالم في المستقبل.