الوقت - بعد إعلان أمريكا عن استراتيجيتها الأمنية الجديدة زادت حدّة التنافس بين الدول المؤثرة في جنوب وجنوب شرق آسيا.
ومن إفرازات الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي برزت بشكل واضح وسريع يمكن الإشارة إلى التقارب الصيني - الباكستاني، الذي جاء كردّة فعل على تخلي واشنطن عن إسلام آباد بعد اتهامها من قبل الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بما أسماه الازدواجية في التعاطي مع الجماعات الإرهابية، وما تبع ذلك من قرارات أفضت إلى تقليص حجم الدعم الأمريكي للحكومة الباكستانية.
وتسبب التقارب الباكستاني - الصيني في تكريس المنافسة البحرية بين بكين ونيودلهي. والسؤال المطروح: إلى ماذا ستؤول الأمور في حال تصاعد التوتر بين الصين والهند خصوصاً وإنهما يعتبران أكبر بلدين في العالم من حيث تعداد السكّان؟
وتتنازع دول مطلة على بحر الصين الجنوبي السيادة على مناطق منه منذ عدّة قرون، لكن التوترات في المنطقة تصاعدت في الآونة الأخيرة.
وعزّزت بكين ادعاءاتها بالسيادة على أجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه وتسيير الدوريات البحرية في مياهه.
وتزعم الصين بأن الكثير من الجزر في منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا تعود لها وتحديداً الجزر القريبة من تايوان والفلبين وفيتنام وماليزيا وبروناي، وهذه البلدان تعد من حلفاء أمريكا في المنطقة.
كما تدّعي بكين سيادتها على منطقة تُطلق عليها اسم "خط الخطوط التسع"، أو "خط القطّاعات التسعة"، والتي تمتد لمئات الأميال جنوبي وشرقي جزيرة "هاينان" الواقعة أقصى جنوب الصين.
وهذه الادعاءات أثارت حفيظة الهند التي تسعى إلى توسيع نفوذها السياسي والاقتصادي في جنوب وجنوب شرق آسيا.
وشرعت نيودلهي في إجراء مباحثات مع موسكو لشراء منظومات "إس 400" للدفاع الجوي. ومن المتوقع إبرام اتفاقية بين الجانبين بهذا الخصوص في عام 2019.
وذكرت صحيفة "تايمز أوف إنديا" استناداً إلى مصادر في وزارة الدفاع الهندية أن الصفقة المحتملة تشمل 5 منظومات "إس 400" بقيمة 5.5 مليارات دولار.
وتعتقد العديد من دول جنوب وجنوب شرق آسيا بأن الهند يمكن أن تكون منافساً اقتصادياً وتجارياً قوياً للصين، وهذا من شأنه أن يترك انطباعاً سلبياً لدى بكين بأن نيودلهي تسعى للحد من النفوذ الصيني التجاري في عموم هذه المنطقة. ولكن هذا لايعني أن الصين ستتراجع أمام الهند في هذا المجال خصوصاً إذا ما عرفنا بأن حجم التبادل التجاري بينها وبين بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا يتجاوز الـ 470 مليار دولار، أي ما يعادل ستة أضعاف حجم التبادل التجاري للهند وعموم الدول الأعضاء في منظمة "آسيان" للتعاون الاقتصادي مع البلدان المذكورة. وتضم (آسيان) كلاً من تايلاند واندونيسيا وماليزيا والفلبين وسنغافورة وبروناي ولاوس وفيتنام وميانمار (بورما) وكمبوديا.
وتنبغي الإشارة إلى أن أهمية المناطق المحيطة ببحر الصين الجنوبي المتجزئ من المحيط الهادئ، ترجع إلى أنها تحوي احتياطات هائلة من النفط والغاز الطبيعي، ما أدى إلى وقوع نزاعات بين الدول المطلة على هذا البحر في أوقات سابقة. كما يحظى هذا البحر بأهمية خاصة لموقعه الذي يربط بين الشرق الأوسط والقارة الهندية ودول شرق آسيا، حيث تمر به ثلث الشحنات البحرية العالمية التي تقدر قيمتها بـ 7 تريليون دولار.
ويتبادل الصينيون والأمريكيون الاتهامات بأن الجانب الآخر يعمد إلى "عسكرة" بحر الصين الجنوبي، وثمة مخاوف من أن المنطقة تستحيل تدريجياً إلى نقطة احتكاك، وإن عواقب أي صدام فيها قد تكون وخيمة على النطاق العالمي.
والخلافات في بحر الصين الجنوبي هي أساساً حول السيادة على مياه البحر وجزر "باراسيل" و"سبراتلي" وهما سلسلتان من الجزر تدّعي عدد من الدول السيادة عليها. وإضافة لهاتين السلسلتين، هناك العديد من الصخور والكثبان الرملية والشعاب المرجانية التي تتنازع هذه الدول السيادة عليها مثل شعب "سكاربره".
وفي أوائل عام 2012، خاضت الصين والفلبين مواجهة بحرية مطولة اتهمت فيها إحداهما الأخرى بانتهاك السيادة في شعاب "سكاربره".
وتفضل بكين سلوك درب المفاوضات الثنائية المباشرة مع الأطراف الأخرى، لكن العديد من جيرانها يقولون إن حجم الصين وثقلها الاقتصادي والعسكري يمنحها تفوقاً غير عادل في هكذا مفاوضات.
ويبدو من خلال قراءة هذه المعطيات أن أمريكا وحليفاتها في المنطقة لاسيّما الهند يسعون لتقليص نفوذ الصين في منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا، ولهذا شددت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة التي أعلنها الرئيس "ترامب" على ضرورة التركيز على هذا المحور من خلال تعزيز العلاقات مع نيودلهي وباقي العواصم الحليفة لواشنطن في المنطقة.
في مقابل ذلك تؤكد بكين إن إحدى ركائزها الدفاعية والأمنية تعتمد بشكل أساسي على تقوية مواقعها في المياه الإقليمية في بحر الصين الجنوبي وعموم منطقتي جنوب وجنوب شرق آسيا لمواجهة التحديات التي نجمت عن إعلان الهند وأمريكا عن عزمهما تعزيز مواقعهما في هاتين المنطقتين.