الوقت- استحوذت قضية الصين وظهورها كقوة صاعدة في الساحة الدولية على اهتمام معظم المراقبين السياسيين خلال السنوات الاخيرة، فهذا البلد يحاول ان يتحاشى الدخول في المناكفات السياسة ويركز على الاقتصاد كأداة للتنمية والظهور كقوة عظمى جديدة في العالم.
ورغم سعي قادة بكين لتوخي الحذر سياسيا واقتصاديا بغية عدم اثارة دول الجوار الاقليمي وكذلك القوى العالمية لكن وجود هذا البلد في اقليم متوتر امنيا وجيوسياسيا في شرقي آسيا أرغم الصينيين على الدخول في بعض الخلافات او التوترات احيانا، ورغم انشغال بكين مؤخرا بالقضية الكورية الشمالية بغضط من الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب لكن يجب الانتباه ان كل اهتمامات التنين الصيني لاتختصره هذه القضية، فالصينيون يعتبرون على الدوام التايوان جزءا من ترابهم الوطني لكن الغرب وخاصة امريكا يستغلون هذه القضية كأداة ضغط على الصين، ويضاف الى ذلك الخلافات الحدودية بين الصين والدول الآسيوية (ومعظمها حليفة مع امريكا)، اما مسألة رسم الاستراتيجية الامنية الامريكية الجديدة من قبل دونالد ترامب وتغيير المعادلات في آسيا (اقتراب امريكا من الهند وابتعادها عن باكستان المتحالفة مع الصين) والذي يهدف الى تضييق الخناق على بكين، يدفع الصين نحو اتباع سياسة المواجهة مع امريكا.
ان الأزمة الكورية الشمالية لازالت تتفاعل خاصة مع دخول روسيا على الخط فيما تقترح الصين تجميد المناورات العسكرية الامريكية المشتركة مع كوريا الجنوبية مقابل وقف الاختبارات الصاروخية والنووية لبيونغ يانغ لكن واشنطن وبيونغ يانغ لاتستجيبان للمبادرات الصينية للحل وربما هذا هو سبب خلاف الصين مع بيونغ يانغ، ومن جهة أخرى تقوم واشنطن بربط الحل برحيل النظام الكوري الشمالي رغم معارضة الصين لهذا الامر.
ومازالت بكين تعتبر تغيير النظام في كوريا الشمالية خسارة استراتيجية كبيرة لنفسها في الوضع الراهن في شرق آسيا ومن المستبعد ان ترتكب مثل هذا الخطأ الاستراتيجي لكن كما قلنا ان هذا ليس كل هواجس بكين فقد عزمت استراليا مؤخرا على ارسال 6 سفن و 1200 عسكري الى البحر الجنوبي ما أثار غضب الساسة الصينيين الذين اطلقوا التحذيرات، والسؤال المطروح الآن هو هل الصين قادرة على السيطرة على تداعيات هذه الازمات؟ أما للإجابة على هذا السؤال يجب القول ان الصينيين يرغبون في رسم قواعد اللعبة بأنفسهم وليس اللعب حسب القواعد التي يرسمها اعدائهم، كما انهم لايرغبون بالتعاون مع امريكا من منطلق التراجع وهذا هو محور الصراع الاستراتيجي بين بكين وواشنطن.
ان الوثيقة الدفاعية للصين في عام 2015 نصت على ضرورة توسيع القدرات البحرية الصينية و هذا يقود الصين نحو الاحتكاك مع استراليا وباقي السائرين في الفلك الامريكي في شرق آسيا لكن المصالح الاقتصادية القوية تحول دون ذلك حتى الان، ومن جهة أخرى تعاني الصين من خلافات حدودية مع الهند وبوتان وهذا كله يجعل الصين تبدو محاطة بالأزمات من عدة جوانب.
ويجب القول ان منطقة شرق وجنوب شرق آسيا تستحوذ على اهتمام القوى العالمية مثل امريكا وروسيا والصين أكثر من ذي قبل لكن الصین تسعى الى معالجة هواجسها الاستراتجية في محيطها الاقليمي مثل قضية بحر الصين الجنوبي و الشرقي وقضية تايوان والتيبت وغيرها لسحب ذريعة التدخل من يد الامريكيين وهذا يظهر جليا خلال الاشهر الـ 9 الماضية.
اخيرا يمكن القول ان الازمة في هذه المنطقة الحساسة تبدو تحت السيطرة حتى الان وعلى المدى المنظور لكن هذا لايعني ان اعداء الصين ومنافسيها في المنطقة لايحركون ساكنا، اما الأمر الذي يساعد على حفظ الهدوء الحذر حتى الان فهو ميزان القوى الذي لم يتغير بشل كبير حتى الان في هذه المنطقة من العالم.