الوقت- المراهقة السياسية، أو ربما الحمق؛ هو أقل ما يمكن وصفه للإجراءات التي تتخذها البحرين بحق الشيخ عيسى قاسم، بل أكثر من ذلك فإنّ تبعات تلك القرارات ستعود على حكام المنامة وبالاً دون أن يدروا، فالنظام البحريني وحين اتخاذ قراره بسلب الشيخ عيسى قاسم جنسيته وهو الشخصية الشعبية والمعتدلة في المملكة؛ لم يحسب حساب انتفاضة الشعب البحريني التي ستأتي هذه المرّة مغايرةً لما خبره نظام آل خليفة، وربما تعود بشكلٍ أكثر راديكالية ضد نظام آل خليفة.
اسقاط الجنسية
سبعُ سنواتٍ من الاحتجاجات المتواصلة للشعب البحريني؛ قابلها وطيلة تلك المدّة قمع منقطع النظير من قبل الحكومة البحرينية ضد الشعب البحريني في محاولةٍ منها لثني الشعب عن مواصلة المطالبة بحقوقه المشروعة.
لم تقتصر إجراءات الحكومة البحرينية على قمع المناهضين لها، بل تعدّاه لإسقاط الجنسية عن عدد من رموز المعارضة، وعلى رأسهم الشيخ عيسى قاسم الذي يُمثل أيقونة الثورة السلمية في البحرين.
يوم الإثنين الماضي (29 كانون الأول/ يناير) صدر الحكم النهائي من محكمة التمييز البحرينيّة (قراراتها غير قابلة للاستئناف) بإسقاط الجنسية عن الشيخ عيسى قاسم بشكلٍ نهائي (كان قد صدر في العام 2016 حكم أولي بسحب جنسيته البحرينية عن الشيخ قاسم)، بالإضافة لناشطين آخرين مقربان من الشيخ قاسم هما (حسين محروس وميرزا عبيد علي)، كما أكدت عقوبة الإعدام الصادرة بحق الناشط البحريني ماهر الخباز.
الشيخ قاسم والبالغ من العمر 76 عاماً، خضع لعملية جراحية في كانون الثاني/ ديسمبر بعد صدور الحكم الأولي الخاص بسحب الجنسية منه، حيث يُقيم الشيخ في قرية الدراز إحدى ضواحي العاصمة المنامة تحت الإقامة الجبرية.
جنسية الشيخ قاسم التي سُحبت منه بأمرٍ من الملك البحريني، حيث لم تتمكن محكمة الاستئناف من رد حكم الملك، وكما هو معروف فإنّ النظام القانوني في البحرين وخلال السنوات القليلة الماضية اشتهر بانتهاك المعايير القانونية والحقوقية، فقد أيّدت محكمة التمييز اسقاط الجنسية عن الشيخ قاسم.
قائد ثورة البحرين
الشيخ الذي عاد في العام 2001 إلى البحرين بعد أن أتمّ تحصيله العلمي، حيث كانت خُطب الجمعة التي يُلقيها في مسجد الإمام الصادق(ع) في قرية الدراز من أكثر الخطب شعبية وحضور في البحرين.
وعلاوةً على ذلك؛ اشتهر الشيخ بعيادة المرضى وزيارة أسر شهداء وجرحى قمع نظام آل خليفة، الأمر الذي شكّل مصدر قلقٍ دائم لنظام البحرين، كل تلك الصفات بالإضافة إلى التقوى واللطف والخبرة في الفقه جعلت من الشيخ قاسم الشخصية الأكثر شعبيّة بين البحرينيين، الأمر الذي حدا بآل خليفة إلى مُحاولة تشويه صورته بين البحرينيين من خلال اتهام الشيخ بقضايا مالية لا أساس لها من الصحة.
ومع بداية الثورة البحرينية، أخذ الشيخ عيسى قاسم زمام المبادرة وقاد الاحتجاجات المناهضة لنظام آل خليفة، ويقول مراقبون إنّ الثورة البحرينية هي الثورة الوحيدة التي لها قيادة واحدة، حيث أنّ جميع أطياف المعارضة مثل "الوفاق" و"شباب التحالف الثوري"، تعتقد بقيادة الشيخ قاسم لتلك الثورة، ويرى المراقبون أنّ تأثير الشيخ عيسى قاسم وقيادته للثورة وشعبيته الكبيرة كانت عاملاً مهماً في الحفاظ على ثورة الشعب البحريني طيلة السنوات السبع الماضية.
أهداف الشيخ والرد الخليفي
من خلال الخطب التي ألقاها الشيخ قاسم يمكن استنباط أهم الأهداف التي يسعى الشيخ إلى تحقيقها من خلال ثورة البحرين، والتي يمكن إجمالها بما يلي:
- الوحدة الإسلامية والوطنية في البحرين ومنع الصراع والاقتتال الطائفي.
- الحث على التحالف والتعاون السني الشيعي.
- الدفاع عن السجناء السياسيين وأسر الشهداء والجرحى والمصابون نتيجة قمع آل خليفة.
- المطالبة بانسحاب الجنود السعوديون والإماراتيون من البحرين، ومنع تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية البحرينية.
- منع إساءة استخدام المساجد والأماكن المقدسة والدفاع عنها.
- التمسك بخيار الثورة والمقاومة حتى تحقيق النصر.
الحضور القوي والدائم والمؤثر للشيخ قاسم دفع نظام آل خليفة للتصرف بصبيانية تارةً، وبوحشية تاراتٍ أخرى، فمع اتهامات الفساد المالي التي لفقها النظام للشيخ، قامت قوات الأمن البحرينية وأكثر من مرّة باعتقال الشيخ.
وفي العام 2016 أمر القضاء البحريني بسحب الجنسية عن الشيخ قاسم، كما شملت التهم الموجهة للشيخ الخروج على واجبات المواطنة والتعايش السلمي، بالإضافة لمعارضة الدستور والمؤسسات الحكومية، وبث روح الفرقة والانقسام في المجتمع.
وبعد عام على سحب الجنسية من الشيخ قاسم؛ هاجمت قوات الأمن البحريني منزل الشيخ بوحشية، حيث نتج عن هذا الهجوم استشهاد ستّة أشخاص وجرح أكثر من مئتين آخرين، الأمر الذي حدا بمنظمة العفو الدولية إلى وصف الهجوم بأنه استخدام القوة بشكل أكثر من المعقول، مع مطالبتها بإجراء تحقيق مستقل في ذلك الحادث.
وبالإضافة إلى ذلك؛ فإنّ الحکومة البحرينية تقوم بتجريد أي متهم بالمظاهرات من جنيته، مع إرسال ملفات المعتقلين إلى القضاء العسكري، الأمر الذي يُخالف كافة شرائع القانون الدولي المعمول به عالمياً.
خلاصة القول أنّ نظام آل خليفة ومن خلال استخدامه للعنف المُفرط حوّل البحرين إلى قاعدة عسكرية بهدف خدمة نظام آل سعود والأمريكيين من جهة، ومن جهةٍ أخرى؛ فأنّ القمع المُمارس ضدّ النشطاء الاجتماعيين والسياسيين من خلال اسقاط الجنسية عنهم، أو إصدار أحكام بالإعدام، ومحاكمتهم في القضاء العسكري، يدُلُّ على الانتهاكات المُمنهجة التي يمارسها نظام آل خليفة لحقوق الإنسان.