الوقت-أدى انهيار الاتحاد السوفييتي إلى تأسيس 5 جمهوريات مستقلة في منطقة آسيا الوسطى، وهي كازاخستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وتركمانستان وطاجيكستان. وبعد انتهاء الحرب الباردة، متى ما ذكر اسم اسيا الوسطى، تبرز أسماء هذه الجمهوريات الخمس المستقلة. ومع ذلك، ينبغي أن تؤخذ هذه النقطة في الاعتبار أنه كانت في الماضي تفسيرات مختلفة لآسيا الوسطى الكبيرة وتوسيع حدود هذه المنطقة.
فقد كان للدول المجاورة القوية لهذه المنطقة تفسيرات مختلفة وأحيانا متفاوتة عن آسيا الوسطى الكبيرة. وكمثال على ذلك، في ظل الحكم السوفييتي، اعتبرت آسيا الوسطى دون أفغانستان ومقاطعة شين جيانغ الصينية ناقصة.
فمن ناحية، أدى انهيار الاتحاد السوفييتي من جهة والتوسع المتزايد للصين من جهة أخرى، إلى تزايد قدرة بكين للتوسع والنفوذ في منطقة آسيا الوسطى، وسعت بطريقة ما لملء الفراغ الحاصل. ومع ذلك، فإن الصينيين لديهم تعريف وتفسير يختلف عن الروس فيما يخص آسيا الوسطى الكبيرة. فبالنسبة لهم، تضم آسيا الوسطى الكبيرة، بالإضافة إلى الجمهوريات الخمس الحالية، منغوليا وأفغانستان وباكستان وإيران كذلك.
وقبل عدة سنوات، كانت الولايات المتحدة الأمريكية، تسعى ايضا من خلال إدخال تعاريف وتفاسير مختلفة عن الصينيين والروس، إلى توسيع مصالحها في هذه المنطقة الهامة والاستراتيجية. ومن وجهة نظر الأمريكيين، ان آسيا الوسطى الكبرى تضم بالإضافة إلى الجمهوريات السوفييتية السابقة، أفغانستان وباكستان والهند.
وبهذه المقدمة، يصبح من الواضح أن روسيا والصين والولايات المتحدة هم المنافسين الرئيسيين في منطقة آسيا الوسطى، حيث يستخدم كل منهم أدواته الخاصة للتأثير والنفوذ في المنطقة مع وجود تفسيرات ومصالح مختلفة.
وفي سياق هذه المنافسة، أفاد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في إشارة لقرب الولايات المتحدة من دول آسيا الوسطى: ان هدف الولايات المتحدة المتمثل في اقامة علاقات مع دول المنطقة ليس النمو الاقتصادي لهذه الدول، بل ان مساعي الولايات المتحدة تصب في مسار تحقيق اهدافها الجيوسياسية وخلق آسيا وسطى كبيرة.
إن أهداف الأمريكيين من مشروع "آسيا وسطى كبرى" وما هي التهديدات التي تواجهها روسيا في هذا السياق، هو سؤال مهم يجب الإجابة عليه. بنظرة خاطفة وسريعة نحو الوثائق الأمريكية والنهج السلوكي لها في أجزاء مختلفة من العالم، يتضح أن واشنطن تعتبر روسيا والصين أهم تحدي رئيسي لها على مستوى القوى العظمى، ونتيجة لذلك، فإنها تحاول من خلال استخدام بعض سياساتها، الى تحديد وتقليص دائرة نفوذ موسكو وبكين داخل حدودهم الجغرافية وعدم تعدّيهما اياها.
ويسعى مشروع آسيا الوسطى الكبرى الى السيطرة على روسيا من ناحية، ومن ناحية اخرى، للحد من التوسع المتزايد للصين. والعنصر الرئيسي لمشروع آسيا الوسطى الرئيسي هو أن تُغيِّر جمهوريات آسيا الوسطى مسيرهم نحو جنوب آسيا من خلال اجتناب تتبع النهج السياسي لروسيا والصين.
ويتضح ذلك جليا في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية الروسي، التي يحدد فيها سيرغي لافروف "طبيعة مشروع آسيا الوسطى الكبير هو تغيير مسار جميع مشاريع آسيا الوسطى الكبيرة إلى الجنوب دون مشاركة روسيا". ومما لا شك فيه، على عكس الصينيين، فإن الولايات المتحدة ومن خلال مشروعها المتمثل في آسيا وسطى كبيرة، تسعى لتمرير اهداف جيو سياسية، لا تنمية اقتصادية.
إن جهود بلدان آسيا الوسطى لتنويع شركائها الأجانب هي من أهم المجالات المحتملة أو الإمكانيات القادرة على تنفيذ مشروع آسيا الوسطى، خاصة وأن الأمريكيين بدأوا بإتباع ألاعيب جديدة في آسيا في استراتيجيتهم الأمنية الجديدة حيث ان جنوب آسيا هي واحدة من المحاور الأساسية لاستراتيجياتهم. إذا ما تم تنفيذ مثل هذا المشروع، فإن الروس سوف يتضررون من ذلك، بلا شك أكثر من غيرها من الدول، لأن الجمهوريات السوفياتية السابقة هي من بين شركاء موسكو الأكثر موثوقية في النظام الدولي.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن روسيا تُحاصَر بشكل متزايد وتتحمل ضغوطات من الغرب، والآن فقط البلدان الأجنبية القريبة" هي التي تُحيط بروسيا كسور ممتد. لذا فإن مشروع آسيا الوسطى يستهدف روسيا تحديدا (وبالطبع الصين).
إن إدراك روسيا لهذا التهديد جعل موسكو، التي ترسم مشروعها الكبير كأورآسيا الكبرى، تحاول أكثر من أي دولة أخرى في المنطقة لمنع تنفيذ المشروع الأمريكي، وبالتالي، فإن روسيا هي العقبة الرئيسية أمام تنفيذ مشروع واشنطن. في حين أن الأداة الصينية لتوسيع نفوذها في آسيا الوسطى هي أداة اقتصادية، لكن الولايات المتحدة وضعت الأولويات الأمنية بالدرجة الأولى بسبب تواجدهم في أفغانستان.
وعلى الرغم من أن الروس لم يتفاعلوا على الأقل في الظاهر بالوجود الاقتصادي للصين، إلا أنهم يظهرون ردود أفعال شديدة على أي تحرك من قبل الولايات المتحدة وحتى أوروبا. الروس ومن خلال إيجاد نوعا ما "مبدأ مونرو روسي" في مجموعة من الدول السوفياتية اليسارية، لديهم رؤية استراتيجية لمنع تأثير القوى العظمى الأخرى في آسيا الوسطى.
وفي وجهة نظر الروس، ان الجمهوريات الحالية في آسيا الوسطى والقوقاز، وحتى أوروبا الشرقية، هي بالنسبة لهم بحكم "الدول الأجنبية القريبة" ونتيجة لذلك ستحتل هذه الدول الأولوية الأعلى في السياسة الخارجية الروسية.
ويمكن رؤية ذلك في الحرب الروسية الجورجية في عام 2008 وانفصال أبشخازيا وأوسيتا الجنوبية، فضلا عن التطورات في أوكرانيا والقرم، التي أظهرت ان موسكو حساسة لأي تلاعب غربي في هذه المنطقة ولا تقبل بتجاوز الخطوط الروسية الحمراء.
وقد أخذ الكرملين بعين الاعتبار الرؤية الطموحة لمجموعة متحدة في الاتحادات الاقتصادية والسياسية الأور آسية. يذكر ان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يسعى منذ فترة طويلة لإيجاد "أورآسيا كبيرة".
ويرى الكرملين أن منطقة أورآسيا الكبرى يمكن أن تشمل أيضا دولا مثل الصين والهند وباكستان وإيران. على الرغم من أن موسكو على ما يبدو لا ترى مشروع أورآسيا الكبيرة مناهضة للغرب، وصرّحت بانها تريد الدول الأوروبية ان تشارك في هذا المشروع، ولكن الروس يعرفون جيدا أن هذا الموضوع غير حقيقي.
بشكل عام، من وجهة نظر روسيا، من المتوقع أن تصبح أورآسيا الكبرى قدرة عالمية، ولكن من غير الواضح إلى أي مدى يمكن أن يتنافس المشروع الروسي مع منافسيه الدوليين مثل الولايات المتحدة، مع رسم مشاريع جديدة.