الوقت - دولة البحرين وعلى رغم صفة "المملكة" التي وُضعت قبل اسمها ليست سوى دمية في أيدي آل سعود. هذا الأمر ليس خفيا على أحد، فكل خطوة أو مبادرة بحرينية سياسية كانت أو اقتصادية، داخلية كانت أو دولية إنما تعبّر عن تطلع وإرادة الشقيقة الكبرى أي السعودية وهذا الأمر ثابت لا حاجة لدلائل تبرهن صحته. وبالتالي فإن آل خليفة من أعلى الهرم وصولا إلى حُجّاب قصورهم ليسوا سوى أتباع لآل سعود ومن يقف خلفهم.
لطالما كان من المستغرب بالنسبة للعالم حال وأسلوب آل سعود السلطوي في الحكم، السبب الذي يجعلهم يبقون على الوجود، ولو الهامشي، لدولة كالبحرين التي يعتبرونها جزءاً لا يتجزأ من سيادتهم وحديقتهم الخلفية الخاصة. اليوم وبعد أن بدأت اللعبة الدولية تتكشف أكثر فأكثر باتت الأمور أوضح وعلى طريقة المثل العربي الشهير "إذا عُرف السبب بطل العجب". البحرين اليوم تشكل رأس الحربة السعودية في عملية التطبيع الخليجي مع الكيان الإسرائيلي تتويجا لمسيرة من التطبيع والعلاقات الخفية التي تعود لعقود خلت.
نعم العلاقات البحرينية مع الكيان تعود لما لا يقل عن عقدين من الزمن. إذ أن الزيارة الأولى (التي أعلن عنها) لمسؤولين صهاينة للبحرين تعود إلى العام 1994 من القرن الماضي، حيث زار "يوسي ساريد" وزير البيئة الإسرائيلي آنذاك البحرين على رأس وفد رسمي من الكيان وذلك للمشاركة في مؤتمر بيئي. التقى الأخير خلال زيارته وزراء ومسؤولين بحرينيين منهم وزير الخارجية آنذاك "محمد بن مبارك آل خليفة".
اليوم وبعد مرور أكثر من 23 عاما على تلك الزيارة التي تبعتها زيارات كثيرة معلنة وخفية إضافة إلى لقاءات لا يمكن إحصاؤها على هامش مؤتمرات واجتماعات في دول ثالثة يبدو أن الوقت قد حان إيذانا بمرحلة جديدة من العلاقات وهذه المرة على أعلى المستويات. النبأ اليقين جاء ممن يسمى بملك البحرين "حمد بن عيسى آل خليفة" الذي أكدت مصادر إعلامية أجنبية وإسرائيلية أنه شارك مؤخرا في احتفال في مدينة لوس انجلس الأمريكية بمناسبة ذكرى "الهولوكوست" وأطلق تصريحات لافتة ومهمة شجب فيها مقاطعة الدول العربية للكيان الإسرائيلي واعدا بالسماح للبحرينيين بزيارة الكيان بكل حرية.
هذا الكلام يتقاطع مع كلام لرئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو مؤخرا يقول فيه إن العلاقات مع الدول العربية في أحسن أحوالها. وكأن حمد أراد تأكيد هذا الأمر إيذانا بانفتاح غير مسبوق بين حكومته وحكومة نتنياهو التي من المفترض أن لا علاقات دبلوماسية حتى الساعة بينهما.
هذا الكلام ليس يتيما لحمد بل إن كلاما مشابها كان قد نطق به بداية العام المنصرم في نيويورك، حيث أكد لرئيس مؤسسة التفاهم العرقي الحاخام اليهودي مارك شناير أن "إسرائيل قادرة على الدفاع عن نفسها وعن الدول العربية المعتدلة في مواجهة إيران" مضيفا أن "توازن القوى في الشرق الأوسط بين المعتدلين والمتطرفين وعلى رأسهم إيران وحزب الله ممكن استنادا إلى إسرائيل" ويضيف حمد ليؤكد أن التطبيع مسألة وقت فقط، وكل هذا بحسب حمد الذي نقلت تصريحاته كبرى الصحف العالمية دون أن يعلق ولو ببنت شفة إنكارا. وكيف سينكر هذا وقد كتب بقلمه أكثر من مقال في كبريات الصحف العالمية منها الواشنطن بوست يدعو فيه العرب للتواصل مع الشعب الإسرائيلي وفتح قنوات الاتصال من أجل التطبيع.
جديد هذه التصريحات اليوم ليس بحرينيا بقدر ما هو سعودي حيث تتأكد يوما بعد آخر أن آل سعود وعلى رأسهم سلمان وابنه قد أطلقوا مشروع التطبيع العلني، ومن أجل هذا الهدف هناك ممر إلزامي يعبر عبر تطبيع البحرين والإمارات، التي قطعت أشواطا أيضا، وصولا إلى مرحلة يصبح التطبيع السعودي مسألة مقبولة من الشعب السعودي بالدرجة الأولى ناهيك عن إيجاد الظروف الملائمة إسلاميا كون السعودية تعتبر نفسها قطبا للمسلمين من كافة أنحاء العالم.
ما يعزز هذا الأمر ويؤكده الحديث الإسرائيلي مؤخرا عن مؤتمر اقتصادي سيجمع الكيان مع السعودية في دولة من اثنتين إما مصر أو الأردن، إيذانا ببداية مرحلة اللقاءات المعلنة بين الطرفين. العجيب اليوم أن المسير الذي سلكته البحرين نيابة عن السعودية والذي طال لأكثر من عقدين تنوي السعودية اليوم اختصاره بوقت قياسي. حيث أن المؤشرات تؤكد أن محمد بن سلمان لن يصبر لسنوات وصولا للتطبيع بل سيكتفي بمجرد تطبيع العلاقات بين البحرين والإمارات ليعلن التطبيع بدوره. أما عن السبب فهو الوضع المتأزم للسعودية داخليا والحراك الذي يخشاه بن سلمان ضده من أبناء عمومته من آل سعود. وهو يؤمن كما حمد أن "إسرائيل" قادرة على حمايته من التهديدات وخاصة الداخلية منها.
تبقى الأسابيع والأشهر القادمة كفيلة بإناطة اللثام أكثر فأكثر عن حقيقة ما يجري بين الدول الخليجية والكيان الإسرائيلي، دول تجد في هذا الكيان أفضل ملجأ لها أمام ما تسميه التهديد الإيراني ناهيك عن التهديد الشعبي الداخلي الذي يؤرق أجفان آل سعود وآل خليفة على حد سواء.