الوقت- تجتمع الدول السبع الكبرى في العالم بشكل دوري لبحث المواضيع التي تشغل السياسة والإقتصاد العالميين، وخاصة تلك التي تتعلق بشكل مباشر بالمصالح المشتركة بين هذه الدول، وقد أتى الإجتماع الأخير في مدينة درسدن الألمانية بين وزراء مالية ومحافظي البنوك المركزية في مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى، في محاولة لدراسة السعي في إعطاء قوة دفع جديدة للاقتصاد العالمي المترنح، وبحث مخاطر نمو الفقر عالميا وتأثيره على النمو الإقتصادي العالمي والطرق الأسلم لمواجهته. ويشار إلى النجاح في الوصول في الأعوام الأخيرة للحد من نموه المتسارع، كما وإمكان الوصول الفعلي للتقليل من الفقر عالميا فيما لو وجدت إرادة دولية جدية لذلك.
وفي الإطار فإن أبرز الأمور المتعلقة بالفقر وضوحاً هو أن هذا العنوان نسبي ويتغير من مجتمع إلى آخر بحسب قوة اقتصاده ودرجة تطوره ونموه، ولكن يلاحظ أن من بين العوامل المتسببة في ظهور الفقر تأتي الظروف المعيشية غير الملائمة وهو عبارة عن الافتقاد إلى التعليم وعجز الحكومات المعنية على اتخاذ خطوات اصلاحية اقتصادية ذات جدوى، فمع عدم حصول البعض على التعليم بفرعيه الرسمي وغير الرسمي ينتج حرمانهم من الحصول على وظائف دائمة وهو ما يجبرهم بالتالي على الرضا بوظائف مؤقتة ذات أجر قليل وهي وظائف لا تمنح أصحابها الأمان الوظيفي بالطبع، ونتيجة لذلك، تتسبب الوظائف المؤقتة ذات الأجور المخفضة والبطالة أيضاً في الوقوع في شرك الفقر، وهذا الشيء يمكن ملاحظته بوضوح في حالة الأمريكيين من ذوي أصول مكسيكية وأمريكية جنوبية إذ يتسبب فقدانهم للتعليم الجيد وأميتهم في أن يقبلوا بوظائف مؤقتة ذات أجور متدنية مما يؤدي إلى حالة الفقر التي يعيشون فيها رغم أنها على أرض الأحلام الأمريكية!!
الأمر الآخر أنه حتى وإن تمتع الأشخاص بمستوى جيد من التعليم والتدريب فإنه يمكن أن تتسبب ظروف أخرى، خصوصاً في الدول النامية، في عدم الاستفادة من هذا التعليم بسبب عدم اتخاذ الاجراءات الاقتصادية الناجعة وتفعيلها على أرض الواقع، أي إن الخبرات التعليمية والتدريبية تضيع سدى ولا يتم الاستفادة منها في تطوير مثل هذه الدول، وطالما ظل الاقتصاد في دولة نامية ما جامداً يراوح مكانه فإن مداخيل الافراد لن تزداد وسيبقون فقراء كما هم.
وبشكل إجمالي فإن نقص فرص العمل وتزايد البطالة أدى إلى ظهور مشكلة الفقر على مستوى كثير من دول العالم، حتي داخل الدول الأوروبية، ناهيك عن الدمار المباشر الذي لحق بالثروات الطبيعية المملوكة للشعوب، أو على الأقل الاستيلاء عليها من قبل الدول الرابحة في الحروب الإقتصادية أو العسكرية، وعلى سبيل المثال، يمثل الفقر في أمريكا حالة خاصة تعكس التنوع الاجتماعي والعرقي داخل ذلك المجتمع، ولم تكن أمريكا لتسلم من مشكلة الفقر هذه رغم متانة اقتصادها وضخامة حجمه، كما أن الضمان الاجتماعي كان عاجزاً فيما يبدو على القضاء على المشكلة بل وتخفيضها، نظرا لما يحتاجه من المجتمع نفسه من اصلاح ثقافي يخرجه من العنصرية، وهنا نخص بالذكر الإقتصادية منها.
وأشار البنك الدولي أن الفقر حاليا يصيب واحداً من بين كل ثلاثة أشخاص، ما يعني أن نسبة 34% يعيشون على 2 دولار في اليوم، وقد أشار رئيس البنك الدولي جيم يونج كيم أن نسبة السكان في العالم الذين يعيشون في فقر مدقع قد انخفضت بنحو 40% عام 1990 و 20% عام 2010. وإضافة لذلك أظهرت إحصائيات منظمة “غالوب” العالمية إلى أن 16% من سكان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعيشون على 1.25 دولارا أو أقل في اليوم، بينما يعيش 28% من سكان المنطقة ذاتها على 2 دولارا أو أقل في اليوم. وتشير آخر الدراسات إلى 800 مليون جائع ومعان من سوء التغذية في العالم بالرغم من النجاح في الأعوام الأخيرة لتخفيض هذه النسبة، إلا أنه تخفيض غير كاف ولم يوقف من نمو الفقر.
أما بالنسبة إلي الدول الكبرى وعلى رأسها الدول السبع الأقوى اقتصاديا في العالم، فسياسات هذه الدول في مواجهة تهديدات الفقر العالمية، تتأرجح بين الحفاظ على قوتها الإقصادية ونموها المالي، ومشكلة التقليل من آثار الفقر والجوع في العالم على اقتصادها، لما يسببه من تهديد لنموها. فمثلا ليس من مصلحة أمريكا طرح كل انتاجها من القمح في السوق العالمية لما يسببه من خفض في أسعار القمح، فتقوم سنويا بتلف آلاف الأطنان من القمح حتي تحافظ على أسعار مرتفعة له، في حين أن هذا القمح المتلوف في البحر يكفي ليسد جوع عدة دول أفريقية، وحاليا تستخدم أمريكا سلاح الغذاء للتحكم بسياسات العديد من دول العالم.
والأمثلة على ذلك لا تنتهي إذا ما تحدثنا عن السياسات الإقتصادية الأوروبية والشركات العالمية الكبرى التي تملك ميزانيات أكبر من ميزانيات بعض الدول الغنية، وشركات السلاح التي باتت مرتكزا من مرتكزات موارد بعض هذه الدول، مثل أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين. أي أنه بعباره أخرى تعتمد محاربة الفقر والجوع على مدى استعداد الدول الكبرى لأن تفضل مساعدة فقراء العالم مقابل التضحية بشيء من أطماعها الإقتصادية أو السياسية.