الوقت- بعد صمت طويّل، تخلّلته إشارات واضحة على الدعم الاسرائيلي لاستفتاء كردستان المقرّر إجراؤه في 25 سبتمبر/ أيلول المقبل، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو دعمه لقيام دولة كرديّة.
لم يقتصر الدعم الإسرائيلي على موقف نتنياهو الذي ذكرته صحيفة "أوشليم بوست" الإسرائيلية، بل عمد نتنياهو الذي يعيش أيّامه الأخيرة على الصعيد السياسي في "اسرائيل" بسبب قضايا الفساد، عمد الأسبوع الماضي إلى القول أمام وفد مكوّن من 33 عضواً في الكونغرس الأمريكي أنّه يدعم التطلّع الكردي للانفصال.
وجاء كلام نتنياهو الاوّل حول هذا الموضوع، بعد إعلانه السابق في العام 2014 في تل أبيب أنّه "يتعيّن على اسرائيل دعم التطلّع الكردي للاستقلال"، في إطار دراسة استقصائية للكونغرس الأمريكي للقضايا الإقليمي، تحديداً فيما يتعلّق بنشاط ايران الإقليمي، ليخاطب نتنياهو الوفد الأمريكي بالقول: "الدولة الكرديّة أثارت حفيظة تركيا".
يبدو جليّاً من خلال كلام نتنياهو أن الدعم الإسرائيلي للأكراد يأتي في إطار صراع كيانه القائم مع ايران، وتركيا بدرجة أضيق، وبالتالي لا يعدّ الأمر نصيحة تصبّ في صالح الأكراد الذين سجّلوا نجاحات باهرة ضدّ تنظيم داعش الإرهابي، فما هي الأهداف الإسرائيلية من هذا الدعم؟ وهل لو كنت كرديّاً سأصغي للكلام الإسرائيلي وأصوّت على الاستفتاء في حال عقده، فضلاً عن القبول بعقده أساساً؟
عند قراءتي ككردي أريد الاستقلال عن العراق أن الكيان الإسرائيلي يعدّ الداعم الوحيد لهذا الاستفتاء، فهذا الأمر يدفعني لإجراء حسابات دقيقة لأسباب تتعلّق بالاعتبارات الإقليمية والدولية من ناحية، والاعتبارات والحسابات الإسرائيلية والكرديّة من ناحية أخرى.
لم يأخذ الجانب الإسرائيلي بعين الاعتبار الوقائع الاقتصادية التي تشير إلى أن متوسط إيرادات تصدير نفط كردستان، بما فيها عوائد نفط المناطق المتنازع عليها في كركوك، للمواطن الكردي، تقل عن متوسط العائد من النفط العراقي الذي يحصل عليه الآن من الحكومة المركزيّة، هذا إذا كان هناك منفذاً مستقلّاً لكردستان لتصدير نفطها، باعتبار أن تركيا المعارضة للاستفتاء تستطيع خنقها اقتصاديّاً.
اليوم، من المفترض أن يُجري بارزاني مراجعة سياسة لموضوع الاستفتاء تكون بعيدةً عن مصالحه الشخصيّة، بل تصبّ في صالح الشعب الكردي الغير قادر على البقاء دون التعاون مع دول الجوار. لا بدّ من توفير ظروف إجراء الاستفتاء لان هذه القضية تستلزم مزيدا من التدقيق، ويجب الحصول على رضا الجوار وفي غير هذا سيحكم على الاستفتاء بالفشل، وفق ممثل حكومة اقليم كردستان في ايران ناظم الدباغ الذي اتهم الحكومة العراقيّة بعدم استعدادها لتسوية المشاكل العالقة مع الإقليم، معلّقاً على الدعم الإسرائيلي بالقول: لا يمكن العثور على دولة أعلنت رسميا تأييدها للانفصال، سوى "اسرائيل" التي تدعم الاستفتاء لانه يصب في مصلحتها حيث تريد أن تكون المنطقة دائما في حالة صراع وتحاول إيجاد مشاكل لإيران وتركيا وسوريا والعراق.
"اسرائيل" لم تأخذ بعين الاعتبار أن الكرد في الإقليم سيدفعون ثمناً باهظاً جراء الاستفتاء في حال عدم موافقة دول الجوار عليه، فمن الناحية الجيوسياسيّة لن يكون للأكراد منافذ برية ولا جوية ولا بحرية، وبالتالي لا بدّ من الدخول في مفاوضات مع الحكومة العراقيّة، ودول الجوار حتى لا يغدو الإقليم جنوب سودان آخر. يكفي أن يعلم الأكراد أن الكيان الإسرائيلي احد أبرز المسؤولين عن الحضور الداعشي في العراق، والذي كلّف الأكراد، قبل غيرهم، ألاف الضحايا وعشرات آلاف الجرحى!
ما يريده نتنياهو هو تحقيق المصالح الإسرائيلية في عدم استقرار المنطقة، ولو كان الأمر عبر إثارة النزاعات القوميّة والمذهبية، والأهداف الإسرائيلية من دعم الاستفتاء ليست عن هذا الأمر ببعيد. لن تقتصر النزاعات على العرب والأكراد، بل ستنتقل إلى الأكراد التركمان الذي يعيشون حالة من الصراع الصامت. ما يريده الكيان الإسرائيلي قلب الصراع من طائفي إلى مذهبي في المرحلة التي تلي تنظيم داعش الإرهابي. أو بعبارة أخرى انهاك العراق في حرب قوميّة بعد سنوات الحرب مع التنظيم الإرهابي الأبرز في العالم.
في الحقيقة، ما يريده الجانب الإسرائيلي هو تسميم الجو العراقي الذي بدأ يتعافى شيئاً فشيئاً من مرض "داعش". هذا الكيان الذي عاش فترته الذهبية منذ بدء ما يسمّى بالربيع العربي، يسعى اليوم لإطالة أمد الوقاع القائم والتناقضات التي يعيش عليها، فما يهمّ نتنياهو من دعمه للأكراد هو إقحامهم في معارك سياسيّة وعسكرية ضدّ دول الجوار، كرها بأعداءه، وليس حبّاً بالأكراد.
لو أنّ الواقع الجيوسياسي للكيان الإسرائيلي كما هو حال الأكراد، لما تحدّث نتنياهو كذلك، لأنّه لم يكن هناك كيان في الأساس بسبب حصاره من دول الجوار، وبالتالي إن توصيته للكونغرس الأمريكي تأتي في إطار إقحام الإقليم في نفق لا يخدم الأكراد أبداً، بل الكيان الإسرائيلي أوّلاً وأخيراً.
لو كنت كرديّاً لما أصغيت إلى الكلام الإسرائيلي الذي يعدّ حافزاً لمعارضتي لهذا الاستفتاء، تماماً كما يجب أن أتجاهل كافّة حملات التخويف والتخوين التي يشنها البارزاني ضدّ كل من يعارض الاستفتاء في الإقليم في خطوة تعدّ "إرهاباً معنويّاً"، بكل ما تعنيه الكلمة.