الوقت- خلال الأسابيع الأخيرة الماضية وتعقيبا على إعلان حكومة إقليم كردستان العراق عن قرار الاستفتاء على الاستقلال المقرر يوم 25 أيلول سبتمبر المقبل، شهدت المنطقة والعراق مواقف وردات فعل كثيرة على هذه الخطوة من بينها رفض عام من الجوار والأهم رفض داخلي عراقي بعضه من داخل حكومة الإقليم نفسه.
حقيقة الأمر هي أن أطراف سياسية وشعبية واسعة داخل الإقليم تعتبر استفتاء الاستقلال خطوة لتحكيم سيطرة بارزاني وأتباعه على السلطة. أحزاب كوران، الاتحاد الإسلامي الكردستاني إضافة إلى قيادات من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني يعتبرون اليوم من أهم معارضي الإقليم للاستفتاء الذي يجري التحضير له.
إضافة إلى المواقف الرافضة من داخل الإقليم هناك رفض شبه عام من قبل الأطراف السياسية والشعبية العراقية ضمن العراق الموحد، وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى موقف السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي أعلن عن رفضه القاطع لهذا الاستفتاء. الحكيم الذي يتزعم أكبر كتلة نيابية (التحالف الوطني) في البرلمان العراقي أكد للمرة الأولى في أوائل نيسان أبريل الماضي وخلال زيارته لمصر أنه وفي حال قيام دولة كردستان فإن الكيان الإسرائيلي سيكون الوحيد الذي يعترف بها بشكل رسمي. هذا الموقف أكده السيد الحكيم مجددا خلال زيارته الأخيرة لطهران حيث حذّر من تبعات إقليمية لاستقلال كردستان العراق، واعتبر أن الكيان الإسرائيلي وحده يدعم الاستفتاء المزمع.
هذه المواقف الشديدة اللحن للسيد الحكيم لا تزال مستمرة ومنذ أيام وفي لقاء له مجموعة من النخب الثقافية والجامعية العراقية أكد أنه يرفض هذا الاستفتاء بشكل قاطع وقال إن هذا الأمر سيؤدي إلى تفتيت العراق ودول أخرى في المنطقة.
الحكيم لم يكن الوحيد ضمن القيادات العراقية الذي يعارض هذا الأمر بل إن قيادة كتلة التحالف الوطني وخلال اجتماعها السبت الماضي أكدت بالإجماع رفضها القاطع إجراء استفتاء حول استقلال كردستان العراق. هذا الأمر يؤكد الإجماع العراقي الواسع رفضا للاستفتاء الذي لا يؤمن مصالح العراق بل يدغدغ مصالح فئة معينة في كردستان العراق تتمثل ببارزاني وأنصاره.
إذا البارزاني والحزب الديمقراطي الكردستاني بات محاصرا أكثر من ذي قبل وسط رفض عام عراقي حتى أن بعض الموافقين ضمنيا في السابق لهذا التوجه باتوا متوجسون اليوم ويرفضون الأمر وقد انضم بعضهم للحلف الرافض.
رئيس إقليم كردستان لم يكن يتوقع هذا الحجم من الرفض العام، هذا الأمر جعله يقوم بجولته الأخيرة لأوروبا من أجل تأمين دعم دولي لتوجهاته، حتى أنه أشار في زيارته وبشكل غير مستقيم للقوى العراقية التي تخالف الاستفتاء غامزا إلى أنه لعب دورا كبيرا في وصول القوى العراقية (الشيعية) للسلطة في العراق بعد سقوط صدام، ليضيف بأنه لا يعلم لماذا يخالف هؤلاء ما سماه الحق الكردي في تقرير المصير.
إذا تطورات الأمور ليست لصالح بارزاني، فهو والحزب الديمقراطي الكردستاني يجدون أنفسهم معزولين أكثر يوما بعد يوم، والسبب أن بقية الأطراف لا ترى خيرا في الاستفتاء واستقلال كردستان، بل أنها تتخوف من أن يكون هذا الاستفتاء هو ضمن سياق السيطرة الكاملة على السلطة في الإقليم من قبل بارزاني وهذا ما لا يريده الجميع.
هذا الأمر يجعل الاستفتاء يخرج من دائرة المصلحة الكردستانية العامة ليدخل في دائرة ضيقة جدا وهي مصلحة نفس بارزاني وحزبه. فالأخير ومن خلال استعجاله وإصراره بات يهدد مستقبل شعب الإقليم وهذا الأمر قد يشكل تهديدا جديا اقتصاديا واجتماعيا للأكراد شمال العراق.
بارزاني كان يأمل بداية الأمر دعم كافة الأطراف السياسية داخل الإقليم، اليوم وبعد توسع دائرة المعارضة يبدو أنه بات يمني النفس بالدعم الخارجي. ولكن ضمن الظروف المحيطة بالإقليم لا يبدو أنه سيوفق في تأمين الدعم الدولي اللازم لخطوته المزمعة خاصة أن الدول الغربية وأمريكا كانوا قد أعلنوا مرارا رفضهم وتحذيرهم من مغبة هذا الاستفتاء على الأقل في الوقت الحاضر.