الوقت- أعلن تنظيم داعش الإرهابي وقوفه خلف التفجير الإنتحاري الذي استهدف المصلين أثناء تأديتهم لفريضة صلاة الجمعة المباركة في مسجد الامام علي(ع) بقرية القديح شمال مدينة القطيف. الهجوم الإنتحاري الذي ادى الى إستشهاد واصابة اكثر من 90 شخصا هو الثاني من نوعه خلال ستة أشهر لأبناء المنطقة الشرقية في السعودية في ظل غياب شبه تام "لعنتريات" الأمن والإستقرار التي تتغنى بها سلطات الرياض، ما يطرح العديد من التساؤلات حول الجهة الحقيقية التي تقف خلف التفجير الإنتحاري.
قبل أن تباشر السلطات السعودية تحقيقاتها في تفجير القطيف، أعلن تنظيم داعش الإرهابي تبنيه "عملية نوعية لجنود الخلافة بولاية نجد"، موضحاً بيان التنظيم أن الانتحاري هو "رجل غيور من رجالات أهل السنة (هو) الأخ الاستشهادي أبو عامر النجدي". وتوعّد داعش بالمزيد من "أيام سود" ستطال "الروافض" لم يكن بعيداً عن الإحتقان الذي يعانيه أبناء الطائفة الشيعية في السعودية، وهو ما أدى إلى مطالبة البعض من "المأجورين" بالإنتقام من إيران عبر استهداف "الروافض" في المنطقة الشرقية فضلاً عن ظهور بعض المواقف الشامتة بالأمس (لم يخل الأمر من تسجيل بعض المواقف الوطنية لعقلاء السعودية من كتّاب ومفكرين).
لطالما اقترن اسم ولي العهد السعودي محمد بن نايف، بالنجاحات الكبيرة التي حققها كوزير للداخلية في مكافحة الإرهاب، ولعله السبب الرئيسي في تعيينه من قبل الملك سلمان رئيساً للجنة الامن والسياسة السعودية العليا. نجح بن نايف منذ حوالي شهر وقبل يومين من إستلامه ولاية العهد الأولى في القبض على خلية إرهابية مؤلفة من 62 شخصا كانت تخطط لاستهداف مواقع حكومية، ولكن أين كان ابن نايف أثناء الهجوم الذي وقع في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2014، والذي نفذه مسلحون متشددون في قرية الدالوة بالأحساء، وادى الى إستشهاد ثمانية اشخاص؟ وأين بطولات محمد بن نايف أمام شيعة المنطقة الشرقية؟ ولماذا غابت إنتصاراته بالأمس عن التفجير الإرهابي في القطيف؟ وما صحّة ما طرحه البعض عن دور مفتعل لـ"بن سلمان" لضرب سمعة "بن نايف"؟
دلالات التفجير
تتمحور الإستراتيجية الامنية السعودية حول تأمين الجبهة الداخلية من اي اعمال عنف، وقد حققت هذه الاستراتيجية نجاحات حقيقية في الفترة الماضية(ما خلا المناطق الشيعية)، ولكن لو فرضنا أن سلطات الرياض لم تكن مقصّرة بالأمس ( فرض المحال ليس بمحال)، فهذا يعني نجاح تنظيم داعش الإرهابي في إختراق الأمن السعودي وإفشال إستراتيجية بن نايف في تأمين الجبهة الداخلية، ومحاربة التهديدات الخارجية عندما تريد الوصول الى السعودية من ناحية، وتأثر العمق السعودي بالعدوان الذي تشنه الرياض على الشعب اليمني بعد شل شبه كامل للحياة في مدن سعودية كبرى مثل جازان ونجران من ناحية أخرى.
لم يكن التفجير في صالح وزير الداخلية ورئيس اللجنة الأمنية والسياسية محمد بن نايف خاصةً أن "ترقيته" على سلّم العرش كانت بسبب النجاحات الحقيقية التي سطرها على الصعيد الأمني في السعودية وكسب من خلالها صفة "الرجل القوي" في الداخل وأمام الجانب الامريكي. ما يعزيه البعض لوجود دور لمحمد بن سلمان في التفجير الأخير بغية ضرب سمعة بن نايف لتنحيته من ولاية العرش الأولى، وبالتالي تنطبق على بن نايف مقولة "كما تكون يولّى عليكم".
ومما لا شك فيه أن اصحاب الفكر التكفيري لا يميزون بتفجيراتهم بين شيعة وسنة او بين مسلمين وغير مسلمين انما يمارسون وحشيتهم ضد البشرية جمعاء، لكن السلطات السعودية تتحمّل المسؤولية الكاملة عن الجريمة البشعة بسبب رعايتها واحتضانها ودعمها للمجرمين فكرياً وإعلامياً وسياسياً ومادياً وعمليا وتقصيرها في تقديم الحماية لمواطنيها من ابناء المنطقة الشرقية لا بل تحريضها عليهم.
يتوجّب على السلطات السعودية عموماً المقصّر الأكبر في أحسن الأحوال (لو صرفنا النظر عن أي إستهتار أو تواطؤ حصل) وشخص محمد بن نايف على وجه الخصوص، إصدار قانون يحرم الطائفية ويدين الخطاب الطائفي قولاً وفعلاً بدءاً من المناهج الدراسية وصولاً إلى وسائل التواصل الإجتماعي ضد أكثر من ثلاثة ملايين مواطن شيعي في السعودية.
التخاذل لن يكون في صالح الفئات الشابة التي تسعى لقيادة السعودية حالياً، لأن أي تذبذب في إسكات الإعلام الطائفي، سيؤدي إلى مزيد من الأعمال الإرهابية على شاكلة انفجار القديح الإرهابي وهجوم الأحساء، عندها لن يسكت سكّان مركز الصناعة النفطية السعودية عن تكرار عمليات إستهدافهم وقد يلجأ البعض منهم لعملية "الأمن الذاتي"، مما يعني ادخال البلاد في دوامة الإنقسامات. رغم كل ما ذكرناه نعوّل حالياً على القيادات الشابة (المقصّرة أو المتخاذلة)، لا لعقلانية إقترفوها بل بسبب طموح سجلّ النجاحات لـ "تكسير الرؤوس" فيما بينهم والتربع على العرش في بلاد الحجاز.