الوقت- أنهى الرئيس الأمريكي باراك أوباما وضيوفه الخليجيون قمّة كامب ديفيد بإبتسامة عريضة وصورة تذكارية تؤرخ لمرحلة جديدة من العلاقات عنوانها "الشراكة الإستراتيجية". البيان الختامي للقمة وكما أراده "الضيوف العرب"، أكد على تعزيز علاقات الشراكة بين الجانبين وطالب إيران باتخاذ إجراءات لبناء الثقة وتبديد مخاوف الدول المجاورة، إضافةً إلى التعاون في سبيل مواجهة أي تهديد خارجي لسلامة أراضي أي من الدول الاعضاء في مجلس التعاون.
تشير القراءة الأولية للبيان الختامي لقمّة كامب ديفيد، التي تعيد إلى أذهاننا إتفاق الذل بين مصر والكيان الإسرئيلي، إلى عزّ بعد فاقة للزعماء العرب، ولكن ماذا لو قرأنا ما بين السطور؟ ماذا لو أرجعنا البصر كرتين، فهل سينقلب إلينا البصر خاسئاً وهو حسير؟
أراد كلا الطرفين (العربي والأمريكي) في القمة الأخيرة تقاسم كعكتها الشرق أوسطية، ولكن تشير القراءة الأولية لنتائجها على نصر عربي يوازي نصر الكيان الإسرائيلي في إتفاقية الذل، وفشل أمريكي يوازي ذل العرب في الإتفاقية آنفة الذكر. فقد حصل الخليجيون كما أرادوا على تعهدات دفاعية امريكية قبل توقيع الاتفاق النووي الامريكي الايراني، وصفقات من الاسلحة الحديثة المتطورة لتعزيز دفاعاتهم في مواجهة "الخطر الإيراني"، واقامة درع صاروخي امريكي مرتبط بجهاز انذار مبكر في منطقة الخليج الفارسي، وكذلك قدم الرئيس أوباما بعض التنازلات لضيوفه الخليجيين عموماً، والسعوديين على وجه الخصوص، عندما اكد على الحل السياسي في اليمن من خلال مؤتمر الحوار في الرياض يوم 17 من الشهر الجاري، وتبنى مطالب بعضهم بعدم وجود اي دور للرئيس السوري بشار الاسد في مستقبل سوريا. ولكن إلى ماذا تشير القراءة المعمّقة لنتائج القمة وتفاصيلها حيث يكمن الشيطان؟
عند قراءة ما بين سطور البيان الختامي، فإما أن تنقلب الصورة تماماً أو ينقلب إلينا البصر خاسئاً، فأوباما الذي عقّب انتهاء قمة كامب ديفيد بالقول إنه تقرر توسيع الشراكة الأمريكية مع دول مجلس التعاون في عدة مجالات، نجح في التأسيس لصفقات أسلحة عسكرية امريكية (كاسدة في بلاده) دون تحديد نوعها بمليارات الدولارات.
أوباما نجح أيضاً في إقناع العرب بتوجّه لجان من الخبراء إلى المنطقة الخليجية لبحث الاحتياجات وتقديم الإستشارات، وهذا يعني عائدات بمئات مليارات الدولارات إلى الخزينة الأمريكية. السؤال الأبرز في هذا الصدد، هل ستنجح هذه الإستشارات في حماية دول مجلس التعاون؟ ماذا لو تعرّضت السعودية للمد الداعشي على غرار العراق الذي يضم مئات المستشارين الأمريكيين؟
ما يزيد طينة العرب بلةً هو سكوت اللوبي الصهيوني، رجل الظل في الكونغرس والإدارة الأمريكية، فلماذا لم تحتج هذه المنظمة الصهيونية كعادتها كل مرّة عندما تتقدم أي دولة عربية الى واشنطن لشراء اسلحة ومعدات عسكرية امريكية متطورة، هل هي مطمئنة لنوعية السلاح من صواريخ وطائرات(جيل سابق كما هو حال الصفقات الحالية مع دول مجلس التعاون)، أم أن اللوبي مطمئن حالياً لوجهة السلاح؟ وفي كلتا الحالتين الخاسر الوحيد شعوب هذه الدول وفلسطين.
تنازل أوباما للسعودية في الملف اليمني هو تحصيل حاصل، لأن نار السعودية أرحم عليه من جَنة أنصار الله التي ترفع شعار الموت لأمريكا، ولكن طرحه للحل السياسي قوّض فرص السعودية في المضي قدماً باستهداف الشعب اليمني خاصةً أنه تبنى مؤتمر الرياض. أما في الملف السوري فما الذي يضمن للخليجيين أن لا يعود أوباما للمقلب الآخر أي "الأسد جزء من الحل"، كما فعل سابقاً.
أما بيت القصيد وعنوان القمة الأبرز أي الملف النووي الإيراني، فمن السذاجة أن نصدّق أن الرئيس الأمريكي سيقدّم أي إمتياز للعرب في هذا الصدد وما الحديث عن المشاركة إلّا بالونات فارغة كحال حنّون الذي لم يزد في الإسلام خردلةً. كان حريّا بدول مجلس التعاون في هذا الملف تحديداً التوجّه إلى طهران للحصول على ضمانات مع العلم مسبقاً أن طهران أكدت مراراً وتكراراً على حسن الجوار تاركةً أبوابها مشرعةً أمام الجميع بإستثناء أمريكا والكيان الإسرائيلي.
اذاً، سجّل أوباماً انتصاراً ساحقاً على ضيوفه العرب عندما أسس لصفقات عسكرية بمئات مليارات الدولارات، وكذلك مرّر مشروع الدرع الصاروخي بالأموال النفطية، وفي المقابل لم يحصد الضيوف العرب الذين يبحثون عن حل من وجهة نظرهم سوى "بالونات فارغة" في الملف النووي.
لا يجادل أحد في الظروف الخطيرة التي تمرّ بها منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من فلسطين (المنسيّة) مروراً بسوريا والعراق وصولاً إلى مصر، ليبيا واليمن. لكن الحل عندنا نحن، لم يكن خلف البحار في يوم من الأيام من حيث أتانا القتل والدمار. علينا اليوم أكثر من أي وقت مضى مراجعة تاريخنا الماضي بشقيه القريب والبعيد لنستذكر العدو من الصديق، ونحدّد وجهة سلاحنا، ربّما تعود البوصلة نحو فلسطين ويستذكر العرب الجديد أن كامب ديفيد هو مرتع للذل والفتنة.