الوقت- أخفق مجلس الأمن الدولي يوم الجمعة المنصرم في المصادقة على مسودة قرار يقضي بإلغاء العقوبات المفروضة على طهران بصورة نهائية، رغم أن الجمهورية الإيرانية والدول الأوروبية لا تزال تملك فسحة ثمانية أيام للسعي نحو إرجاء هذه التدابير العقابية.
القرار الذي طُرح للاقتراع يوم الجمعة للحيلولة دون استمرار العقوبات، حصد أربعة أصوات مؤيدة في مقابل تسعة معارضة، ما يعني عودة المنظومة العقابية الأوروبية ضد إيران بحلول الثامن والعشرين من سبتمبر.
انحازت روسيا والصين وباكستان والجزائر إلى معسكر منع إعادة فرض العقوبات على إيران، بينما وقف تسعة من أعضاء المجلس في خندق معارضة رفع العقوبات عن طهران، وآثرت دولتان النأي بنفسيهما عن الموقف. وجاء هذا الاقتراع تتويجاً لمسار استغرق ثلاثين يوماً.
ما طبيعة العقوبات التي ستُفرض على إيران؟
تعود العقوبات على إيران من خلال آلية تُعرف في أروقة الدبلوماسية باسم “آلية الزناد” (العودة التلقائية)، وهي عملية تعني إحياء ستة قرارات سالفة لمجلس الأمن (من القرار 1696 في عام 2006 إلى القرار 2224 في عام 2015) على نحو فوري، وتشمل حظراً واسع النطاق على تخصيب اليورانيوم، وتجارة الأسلحة، والأنشطة المالية والملاحية ذات الصلة بإيران.
وخلافاً للعقوبات الأمريكية الأحادية، فإن هذه العقوبات تلقي بظلالها على جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها مئة وثلاثة وتسعون دولة، وتقع مسؤولية إنفاذها على كاهل لجنة العقوبات التابعة لمجلس الأمن، التي ستتولى تحديث قائمة الأفراد والكيانات المطوقة بقيود العقوبات.
تتدفق عودة عقوبات الأمم المتحدة على هيئة موجات متعاقبة: أولاها تجميد الأصول ذات الصلة، تليها القيود التجارية، وتتوّجها مراقبة المعاملات المصرفية.
جدير بالذكر أنه في مسار عودة العقوبات، لن تُضاف عقوبات مستحدثة ضد إيران، بل ستعود العقوبات الأممية السابقة التي كانت ساريةً قبل عام 2015.
الخطيئة الأوروبية الكبرى
انبثقت شرارة عملية فرض عقوبات الأمم المتحدة على إيران، من رسالة بعث بها الأعضاء الأوروبيون الثلاثة في الاتفاق النووي، حيث إن الولايات المتحدة قد نفضت يدها من الاتفاق، وجاءت عودة العقوبات بمبادرة من الترويكا الأوروبية.
وكان “جان نويل بارو” وزير خارجية فرنسا قد أفصح سابقاً عن أنه إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن قضيتها النووية بحلول نهاية أغسطس، فإن الترويكا الأوروبية ستشرع في إعادة العقوبات الدولية ضد إيران في أروقة مجلس الأمن.
يأتي هذا في الوقت الذي مدّت فيه إيران يد التعاون للوكالة الدولية للطاقة الذرية عبر مقترحات قدمتها للدول الأوروبية الثلاث، وفي الأسبوع المنصرم دشّنت طهران والوكالة فصلاً جديداً من التعاون بموجب اتفاق وُقع في القاهرة، ومع ذلك، وعلى الرغم من انطلاق التعاون بين إيران والوكالة، أطلقت الدول الأوروبية الثلاث شرارة عودة العقوبات ضد إيران - خطوة تنمّ عن مآرب سياسية أكثر مما تعكس هواجس تقنية، وتكشف عن تغليب الاعتبارات السياسية على المعطيات الفنية في الملف النووي الإيراني.
يذهب جمهرة من المحللين إلى أن عودة العقوبات على إيران تفتقر إلى الشرعية القانونية، ومن ناحية أخرى، يمكن لبعض التحركات التقنية المناوئة للدبلوماسية من جانب الدول الأوروبية، أن تعصف بمستقبل العلاقات بين إيران وأوروبا وتضيق آفاقها.
من زاوية أخرى، أشعلت الدول الأوروبية فتيل عودة العقوبات على إيران في الوقت الذي نكثت فيه بالتزاماتها بموجب الاتفاق لتطبيع العلاقات التجارية مع إيران، لا سيما عقب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وإعادة فرض العقوبات. وبعد عام ونصف من انسحاب أمريكا من الاتفاق، أعلنت إيران أنها ستوقف تنفيذ التزاماتها الطوعية بموجب الاتفاق على مراحل متتالية، استناداً إلى البند السادس والثلاثين.
وكانت زيادة قدرة تخصيب اليورانيوم، أحد التدابير التعويضية التي لجأت إليها إيران، ورغم إعلان طهران استعدادها للعدول عن هذه الإجراءات واستئناف تنفيذ التزاماتها إذا عاد جميع الأعضاء الرئيسيون إلى الوفاء بتعهداتهم ورفع العقوبات، لم يتحقق ذلك حتى في عهد الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة “جو بايدن”.
في الأسبوع الفائت، أماطت مصادر دبلوماسية اللثام لقناة الميادين عن أن “الدول الأوروبية لا تبدي أي استقلالية في مواقفها تجاه إيران خلال المفاوضات”.
وأفادت هذه المصادر بأنه “على الرغم من أن اتفاق القاهرة استجاب لقسمٍ وافر من المطالب الأوروبية، إلا أنهم شرعوا في طرح شروط جديدة خلال الاتصالات الأخيرة”، وكشف هذا التقرير النقاب عن أن الإجراءات المناوئة لإيران من قبل أوروبا تتم تحت وطأة تأثيرات خارجية، بما في ذلك الضغوط الأمريكية.
الانعكاسات الاقتصادية لعودة العقوبات
يرى الخبراء أن عقوبات الدول الأوروبية ضد إيران، لم تفلح قط في ممارسة نفس مستوى الضغط الاقتصادي الذي أحكمت به الولايات المتحدة الخناق على طهران، فالعقوبات الأمريكية، بحكم اتساع نطاقها وطبيعتها العابرة للحدود، أوصدت أبواب النظام المصرفي العالمي في وجه إيران، وشلّت مبيعات النفط، وعرقلت حتى تحويل العملات، بينما انصب اهتمام أوروبا على العقوبات الذكية والمحدودة.
على سبيل المثال، شركات الطاقة والصناعة، رغم وقوعها تحت طائلة عقوبات الاتحاد الأوروبي، ابتدعت مسالك للتعاون، علاوةً على ذلك، فتحت الإعفاءات الإنسانية نافذةً لإرسال الأدوية والمستلزمات الطبية، وبالتالي، فإن عودة قرارات الأمم المتحدة عبر البوابة الأوروبية، مقارنةً بالعقوبات الأمريكية الباهظة، ستترك بصمةً اقتصاديةً محدودةً وأقل وطأةً على نسيج الحياة اليومية للإيرانيين.
من ناحية أخرى، يتنفس السوق الإيراني منذ سنوات طويلة في أجواء “الترقب”، في كل مرة يلوح في الأفق خبر عن مفاوضات أو اتفاق، تخفت حدة الأسعار، وفي كل مرة يتردد صدى عقوبات جديدة، تعصف بالسوق رياح الاضطراب، وها هي قصة مشابهة تتكرر فصولها هذه المرة.
في حقيقة الأمر، ستترك عودة العقوبات أثراً نفسياً يفوق تأثيرها الملموس على الاقتصاد الإيراني، وإذا أمكن تحييد هذا العامل النفسي، فإن عودة العقوبات لن تترك آثاراً تحويليةً وكبيرةً للغاية على الاقتصاد الإيراني، لأن الاقتصاد الإيراني يعيش في ظل العقوبات منذ سنوات، وتعلمت العديد من القطاعات التجارية الإيرانية كيفية العمل في ظل العقوبات والالتفاف عليها.