الوقت- في خطوة استراتيجية تعكس الرغبة المصرية في تعزيز الأمن الإقليمي، طرحت مصر مقترحاً لإنشاء قوة عسكرية عربية مشتركة، بهدف مواجهة التهديدات الأمنية التي تواجه الدول العربية، وخصوصاً في ظل التوترات المتصاعدة مع "إسرائيل"، هذه المبادرة تعكس فهم القاهرة لأهمية التعاون العربي العسكري، وتأتي في سياق محاولات إعادة توازن القوى في الشرق الأوسط، بعد سلسلة من الأحداث الإقليمية التي أظهرت ضعف بعض الدول في مواجهة السياسات الإسرائيلية.
المقترح المصري يحمل بعداً سياسياً وأمنياً في الوقت ذاته، فهو ليس مجرد خطوة عسكرية، بل يمثل رسالة واضحة لـ"إسرائيل" ودول العالم بأن هناك رغبة عربية جادة في حماية المصالح الوطنية والقومية، ورفض أي اختلال في ميزان القوى الإقليمي.
السياق الإقليمي للمبادرة
تأتي هذه المبادرة في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات سياسية وأمنية متسارعة، وخاصة في ظل النزاعات المستمرة في الأراضي الفلسطينية والتوترات في قطاع غزة، مصر، بكونها لاعباً رئيسياً في السياسة العربية، ترى أن تعزيز التعاون العسكري بين الدول العربية ليس خياراً فحسب، بل ضرورة لحماية الأمن القومي العربي.
المبادرة تعكس أيضاً مخاوف القاهرة من تزايد النفوذ الإسرائيلي في المنطقة، وخصوصاً في ضوء الاتفاقيات الأخيرة بين "إسرائيل" وبعض الدول العربية التي قد تُحدث اختلالاً في التوازن التقليدي، القوة العربية المشتركة، إذا تحققت، ستكون بمثابة خطوة رمزية وعملية لإظهار وحدة الموقف العربي في مواجهة أي تهديد خارجي.
ردود الفعل الإسرائيلية
كان رد الفعل الإسرائيلي سريعاً ومباشراً، حيث وصف المسؤولون الإسرائيليون المقترح المصري بأنه تهديد مباشر للأمن الإسرائيلي، تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي السابق، يائير لابيد، التي اعتبرت التقارير حول المقترح بمثابة “ضربة موجعة”، تعكس القلق الإسرائيلي من احتمالية تشكيل جبهة عربية موحدة يمكنها التأثير على موازين القوى في المنطقة.
القلق الإسرائيلي لا يقتصر على الجانب العسكري فحسب، بل يمتد إلى التأثير السياسي والدبلوماسي، إذ قد يُعيد هذا التحرك ترتيب الأولويات الإسرائيلية في العلاقات مع الدول العربية، ويزيد من الضغوط على "إسرائيل" للبحث عن تسويات أكثر شمولاً على الصعيد الإقليمي.
التداعيات السياسية والأمنية
في حال تم تنفيذ المقترح المصري، فإن النتائج ستكون متعددة المستويات، سياسياً، قد يعيد هذا التوجه صياغة التحالفات الإقليمية، ويعزز مكانة الدول العربية على طاولة المفاوضات الدولية، كما أن تعزيز التعاون العسكري العربي سيتيح إمكانية تبادل المعلومات الاستخباراتية والتنسيق في مواجهة أي تهديدات محتملة، سواء كانت عسكرية أو إرهابية.
أمنياً، توفر القوة العربية المشتركة نوعاً من الردع الاستراتيجي، إذ سيصبح أي تحرك عدائي تجاه الدول العربية أكثر تعقيداً، من ناحية أخرى، قد يؤدي ذلك إلى إعادة تقييم "إسرائيل" لاستراتيجياتها الدفاعية والهجومية، وربما يشجعها على التفاوض بصورة أكثر حذراً مع الدول العربية لضمان مصالحها.
البعد الرمزي والاستراتيجي للمبادرة
يتجاوز المقترح المصري البعد العسكري ليصل إلى رمزية سياسية كبيرة؛ فهو يعكس رغبة عربية في الوحدة والقدرة على مواجهة التحديات المشتركة، في الوقت نفسه، يرسل رسالة للعالم بأن الدول العربية ليست طرفاً متفرجاً في النزاعات الإقليمية، بل فاعلاً رئيسياً قادراً على التأثير في مسار الأحداث.
على المستوى الاستراتيجي، تُظهر المبادرة قدرة مصر على لعب دور المحرك والموجّه للمبادرات الإقليمية الكبرى، الأمر الذي يعزز مكانتها السياسية ويجعلها لاعباً مؤثراً في القرارات المصيرية التي تؤثر على الأمن العربي المشترك.
التحديات أمام تنفيذ المبادرة
بالطبع، الطريق أمام إنشاء القوة العربية المشتركة ليس سهلاً، إذ تواجه المبادرة عدة تحديات أساسية، أولها التوافق بين الدول العربية بشأن الأهداف والمهام، إذ قد تختلف الأولويات الاستراتيجية بين كل دولة وأخرى، ما قد يؤدي إلى تأخير اتخاذ القرارات المهمة، ثانيها تحديد القيادة العسكرية المشتركة، إذ تحتاج الدول إلى الاتفاق على هيكل قيادي فعال يضمن التنسيق بين القوات المختلفة التي تمتلك تقنيات ومستويات تدريب متنوعة.
أما التحدي الثالث فهو تمويل العمليات المشتركة، إذ يتطلب الأمر ميزانيات كبيرة ومستقرة لضمان جاهزية القوات وقدرتها على التدخل السريع عند الضرورة، بالإضافة إلى ذلك، تواجه المبادرة ضغوطاً خارجية من بعض القوى الإقليمية والدولية التي قد تحاول تعديل شكل القوة أو التأثير على قراراتها لتحقيق مصالحها الخاصة.
رغم هذه التحديات، تبقى المبادرة المصرية خطوة جريئة تعكس إرادة واضحة لتعزيز الأمن القومي العربي، وتوضح أن الدول العربية قادرة على التحرك بشكل جماعي إذا توافرت الإرادة السياسية والتنسيق الفعّال.
في الختام، المبادرة المصرية بإنشاء قوة عربية مشتركة تمثل نقطة تحول محتملة في العلاقات الإقليمية والأمنية، فهي تؤكد على رغبة مصر والدول العربية في حماية مصالحها، وتعكس فهماً عميقاً لأهمية الوحدة والتعاون العسكري لمواجهة أي تهديدات مستقبلية.
بينما تثير هذه الخطوة قلقاً إسرائيلياً واضحاً، فإنها في الوقت نفسه تعطي إشارات قوية على أن العرب قادرون على إعادة صياغة موازين القوى في المنطقة إذا ما توافرت الإرادة والتنسيق الفعّال، المستقبل سيكشف مدى جدية هذا المقترح في تحقيق أهدافه، وما إذا كان سينجح في تعزيز الأمن والاستقرار العربي على المدى الطويل، أم سيظل مجرد خطوة رمزية في مواجهة التحديات الإقليمية.