الوقت- كشفت تقارير رسمية صادرة عن أجهزة المراقبة داخل الكيان الصهيوني حجم العجز والفوضى التي تعصف بالحكومة الصهيونية منذ اندلاع حرب غزة في السابع من أكتوبر 2023، هذا التقرير الذي نشره المراقب العام للحكومة، ماتانياهو إنجلمن، حمل في طياته اعترافاً صريحاً بفشل المنظومة الحاكمة في توفير الحماية للجبهة الداخلية، واعتبر أن المسؤولية تقع بشكل مباشر على عاتق بنيامين نتنياهو ووزرائه، فبينما يروّج قادة الكيان لانتصارات عسكرية مزعومة، يعاني الداخل الصهيوني من انهيار البنية المدنية، وانعدام التنسيق، وترك آلاف النازحين وأصحاب الأعمال من دون أي دعم.
التقرير لم يكتفِ بوصف الأوضاع، بل أكد أن هذه الإخفاقات ليست وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكم سنوات من الإهمال منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، ما بين خطاب القوة والدعاية الخارجية من جهة، وبين هشاشة الداخل وانعدام الثقة بين المجتمع والحكومة من جهة أخرى، يتكشف مأزق وجودي يعصف بالكيان الصهيوني.
الاعتراف الرسمي بسقوط الجبهة الداخلية
تقرير المراقب العام إنجلمن لم يترك مجالاً للتأويل: الجبهة الداخلية للكيان الصهيوني انهارت عملياً بعد هجوم السابع من أكتوبر، فبينما انشغل نتنياهو ووزراؤه في المزايدات السياسية وتبادل الاتهامات، تُرك عشرات الآلاف من المستوطنين النازحين من الشمال والجنوب لمصيرهم، بلا مأوى ولا رعاية صحية أو نفسية كافية.
التقرير أشار بوضوح إلى غياب التنسيق بين الوزارات وتضارب الصلاحيات بين خمسة وزراء، ما أدى إلى فوضى عارمة، هذا الفشل انعكس في شعور عام لدى الإسرائيليين بأنهم تُركوا وحدهم في مواجهة الخطر، وهو شعور يضرب أساس الثقة بالقيادة السياسية، إن الاعتراف الرسمي بهذا الانهيار يُعتبر سابقة خطيرة، لأنه يأتي من داخل المؤسسات الصهيونية ذاتها، لا من خصومها، وهو ما يعكس حجم الأزمة الداخلية التي لم يعد من الممكن تغطيتها بخطابات القوة أو ادعاءات "الردع"، ببساطة، الجبهة الداخلية باتت مكشوفة، والحكومة فقدت القدرة على إدارة الأزمات.
نتنياهو و وزراؤه في قفص الاتهام
حمّل التقرير المسؤولية المباشرة لنتنياهو ووزرائه الأساسيين، وعلى رأسهم وزير المالية المتطرف بتسلئيل سموتريتش ووزير الحرب السابق يوآف غالانت، فنتنياهو الذي يواجه اتهامات أمام المحكمة الجنائية الدولية بارتكاب جرائم حرب، لم يستخلص أي درس من حرب لبنان الثانية، وظل يكرر الأخطاء ذاتها، أما سموتريتش، الذي كان يفترض أن يشرف على الإدارة المدنية، فقد فشل في أداء دوره، تاركاً الملفات الحيوية دون إدارة.
وغالانت بدوره فشل في السيطرة على سلاح الجو والجبهة الداخلية في الأيام الأولى للحرب، التقرير أيضاً لم يُعفِ مدير مكتب نتنياهو السابق من المسؤولية، بعد عجزه عن إدارة الكادر المدني، هذه الاتهامات ليست مجرد انتقادات سياسية، بل إدانة رسمية من داخل مؤسسات الكيان، ما يفتح الباب لأزمة قيادية عميقة تهدد استقرار الحكومة، فالمجتمع الصهيوني يرى في نتنياهو وحكومته ليس فقط قادة عاجزين، بل سبباً رئيسياً في تعريض حياتهم ومصالحهم للانهيار.
انهيار الاقتصاد والتعليم وتعميق أزمة الثقة
لم يتوقف الفشل عند الجانب الأمني، بل امتد ليشمل القطاعات المدنية الحيوية، التقرير وثّق انهياراً في إدارة التعويضات الاقتصادية، حيث تُركت مئات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تواجه الإفلاس نتيجة عدم حصولها على دعم مالي سريع، أما القطاع التعليمي، فقد تعطّل بشكل شبه كامل بسبب غياب خطط بديلة، ما ترك عشرات الآلاف من الطلاب وأسرهم في حالة ارتباك، هذه الإخفاقات المدنية زادت من حدة الغضب الشعبي، حيث شعر النازحون وأصحاب الأعمال والطلاب بأنهم ضحايا الإهمال المتعمد من الحكومة.
الصحافة العبرية بدورها أكدت أن أزمة الثقة بين المجتمع والحكومة بلغت مستويات غير مسبوقة، مع تنامي الشعور العام بأن القيادة تخلت عن مسؤولياتها الأساسية، هذا الانهيار الداخلي يعكس أن الكيان الصهيوني يواجه اليوم ليس فقط حرباً عسكرية على حدود غزة، بل أزمة وجودية تضرب عمق بنيته المدنية والاجتماعية، وتنذر بتصدعات قد تكون أخطر من أي تهديد خارجي.
فشل متراكم منذ 2006 يكشف هشاشة الكيان
أكد محللون إسرائيليون أن ما جرى بعد الـ 7 من أكتوبر لم يكن مفاجئاً، بل نتيجة تراكم فشل مستمر منذ حرب لبنان الثانية عام 2006، فقد تجاهلت الحكومات المتعاقبة عشرات التوصيات الخاصة بتعزيز الجبهة الداخلية، من تحسين البنية التحتية إلى توفير الدعم النفسي والاجتماعي للسكان، بدلاً من ذلك، انشغل قادة الكيان بالصراعات الداخلية والمكاسب السياسية، فيما تُركت الجبهة الداخلية بلا حماية.
النتيجة أن الكيان وجد نفسه اليوم عاجزاً أمام تحديات الحرب، مكشوفاً من الداخل والخارج معاً، هذا الفشل المزمن يطرح تساؤلاً وجودياً: كيف يمكن لكيان يفتقد القدرة على حماية مواطنيه أن يستمر في ادعاء أنه "القوة الإقليمية الكبرى"؟ الواقع أن صورة "الجيش الذي لا يُقهر" انهارت أمام أعين المجتمع الصهيوني نفسه، ومعها تهاوى وهم القيادة السياسية التي لم تعرف سوى الفشل والفساد، الأزمة الحالية تكشف أن هشاشة الكيان أعمق بكثير مما يظهر على السطح.
في النهاية، ما يكشفه تقرير المراقب العام ليس مجرد نقد إداري، بل اعتراف صريح بانهيار قدرة الكيان الصهيوني على حماية نفسه من الداخل، بين فوضى القيادة السياسية، وانهيار الخدمات المدنية، وأزمة الثقة العميقة بين المجتمع والحكومة، يواجه الكيان واحدة من أخطر أزماته الوجودية منذ تأسيسه، وإذا كانت حماس قد كشفت ضعف العدو في الميدان، فإن التقرير الرسمي أزاح الستار عن عجزه البنيوي في الداخل، إنها لحظة فارقة تفضح الوهم الصهيوني وتؤكد أن التفوق المزعوم ليس سوى بناء هشّ يتهاوى أمام ضربات المقاومة وصمود الشعب الفلسطيني.